السبت، 22 ديسمبر 2007

هَذِي بـِلادٌ لمْ تـَعُــدْ كـَبـِلادِي








«إلى شهداء مصر من الشباب الذين ابتلعتهم الأمواج على شواطئ إيطاليا وتركيا واليونان»...


كم عشتُ أسألُ: أين وجهُ بلادي
أين النخـيلُ وأين دفءُ الوادي
لا شيء يبدو في السَّماءِ أمامَنَا

غيرُ الظـلام ِوصـورةِ الجلاد
هو لا يغيبُ عن العيـون ِكأنه

قدرٌٌ.. كيـوم ِ البعثِ والميلادِ
قـَدْ عِشْتُ أصْرُخُ بَينَكُمْ وأنَادي

أبْنِي قـُصُورًا مِنْ تِلال ِ رَمَادِ
أهْفـُو لأرْض ٍلا تـُسَاومُ فَرْحَتِي

لا تـَسْتِبيحُ كَرَامَتِي.. وَعِنَـادِي
أشْتـَاقُ أطـْفـَالاًً كَحَبَّاتِ النـَّدَي

يتـَرَاقصُونَ مَـعَ الصَّبَاح ِالنـَّادِي
أهْفـُو لأيـَّام ٍتـَـوَارَى سِحْرُهَا

صَخَبِ الجـِيادِ.. وَفرْحَةِ الأعْيادِ
اشْتـَقـْتُ يوْمًا أنْ تـَعـُودَ بـِلادِي

غابَتْ وَغِبْنـَا.. وَانـْتهَتْ ببعَادِي
فِي كـُلِّ نَجْم ٍ ضَلَّ حُلْـمٌ ضَائـِع

ٌوَسَحَابَةٌٌ لـَبسـَتْ ثيـَابَ حِـدَادِ
وَعَلَى الـْمَدَى أسْـرَابُ طـَير ٍرَاحِل ٍ

نـَسِي الغِنَاءَ فصَارَ سِـْربَ جَـرَادِ
هَذِي بِلادٌ تـَاجَرَتْ فـِي عِرْضِهـَا

وَتـَفـَـرَّقـَتْ شِيعًا بـِكـُلِّ مَزَادِ
لَمْ يبْقَ مِنْ صَخَبِ الـِجيادِ سِوَى الأسَى

تـَاريخُ هَذِي الأرْضِ بَعْضُ جِيـادِ
فِي كـُلِّ رُكـْن ٍمِنْ رُبـُوع بـِلادِي

تـَبْدُو أمَامِي صـُورَة ُالجــَلادِ
لـَمَحُوهُ مِنْ زَمَن ٍ يضَاجـِعُ أرْضَهَا

حَمَلـَتْ سِفـَاحًا فـَاسْتبَاحَ الـوَادِي
لـَمْ يبْقَ غَيرُ صـُرَاخ ِ أمـْس ٍ رَاحِل

ٍوَمَقـَابـِر ٍ سَئِمَتْ مـِــنَ الأجْدَادِ
وَعِصَابَةٍ سَرَقـَتْ نـَزيفَ عُيـُونِنـَا

بـِالقـَهْر ِ والتـَّدْليـِس ِ.. والأحْقـَادِ
مَا عَادَ فِيهَا ضَوْءُ نـَجْم ٍ شـَـاردٍ

مَا عَادَ فِيها صَوْتُ طــَير ٍشـَادٍ
تـَمْضِي بِنَا الأحْزَانُ سَاخِـرَةً بـِنَا

وَتـَزُورُنـَا دَوْمًا بــِلا مِيعَـادِ
شَيءُ تَكـَسَّرَ فِي عُيونـِي بَعْدَمَـا

ضَاقَ الزَّمَانُ بـِثـَوْرَتِي وَعِنَادِي
أحْبَبْتـُهَا حَتـَّى الثـُّمَالـَة َ بَينـَمَا

بَاعَتْ صِبَاهَا الغـَضَّ للأوْغــَادِ
لـَمْ يبْقَ فِيها غَيـرُ صُبْـح ٍكـَاذِبٍ

وَصُرَاخ ِأرْض ٍفي لـَظى اسْتِعْبَادِ
لا تـَسْألوُنـِي عَنْ دُمُـوع بـِلادِي

عَنْ حُزْنِهَا فِي لحْظةِ اسْتِشْـهَادِي
فِي كـُلِّ شِبْر ٍ مِنْ ثـَرَاهـَا صَرْخَة ٌ

كـَانـَتْ تـُهَرْولُ خَلـْفـَنـَا وتـُنَادِي
الأفـْقُ يصْغُرُ.. والسَّمَـــاءُ كَئِيبَة ٌ

خـَلـْفَ الغُيوم ِأرَى جـِبَالَ سَـوَادِ
تـَتـَلاطـَمُ الأمْوَاجُ فـَوْقَ رُؤُوسِنـَا

والرَّيحُ تـُلـْقِي للصُّخُور ِعَتــَادِي
نَامَتْ عَلـَي الأفـُق البَعِيـدِ مَلامحٌ

وَتـَجَمَّدَتْ بَينَ الصَّقِيـِع أيـَــادِ
وَرَفـَعْتُ كـَفـِّي قـَدْ يرَانـِي عَاِبـرٌ

فرَأيتُ أمِّي فِي ثِيـَــابِ حـِـدَادِ
أجْسَادُنـَا كـَانـَتْ تـُعَانـِقُ بَعْضَهـَا

كـَوَدَاع ِ أحْبَـابٍ بــِلا مِيعــَادِ
البَحْرُ لـَمْ يرْحَمْ بَـرَاءَة َعُمْرنـَـا

تـَتـَزاحَمُ الأجْسَادُ.. فِي الأجْسَادِ
حَتـَّى الشَّهَادَة ُرَاوَغـَتـْنِي لـَحْظـَةً

وَاستيقـَظـَتْ فجْرًا أضَاءَ فـُؤَادي
هَذا قـَمِيصِي فِيهِ وَجْــهُ بُنـَيتِي

وَدُعَاءُ أمي .."كِيسُ" مِلــْح ٍزَادِي
رُدُّوا إلي أمِّي القـَمِيصَ فـَقـَدْ رَأتْ

مَا لا أرَى منْ غـُرْبَتِي وَمُــرَادِي
وَطـَنٌ بَخِيلٌ بَاعَنــي فـي غفلـةٍ

حِينَ اشْترتـْهُ عِصَابَة ُالإفــْسَادِ
شَاهَدْتُ مِنْ خَلـْفِ الحُدُودِ مَوَاكِبـًا

للجُوع ِتصْرُخُ فِي حِمَي الأسْيادِ
كـَانـَتْ حُشُودُ المَوْتِ تـَمْرَحُ حَوْلـَنَا

وَالـْعُمْرُ يبْكِي.. وَالـْحَنِينُ ينَادِي
مَا بَينَ عُمْـر ٍ فـَرَّ مِنـِّي هَاربـًا

وَحِكايةٍ يزْهـُــو بـِهـَا أوْلادِي
عَنْ عَاشِق ٍهَجَرَ البـِلادَ وأهْلـَهـَا

وَمَضى وَرَاءَ المَالِ والأمْجـَادِ
كـُلُّ الحِكـَايةِ أنَّهـَا ضَاقـَتْ بـِنـَا

وَاسْتـَسْلـَمَتَ لِلـِّصِّ والقـَـوَّادِ!
في لَحْظـَةٍ سَكـَنَ الوُجُودُ تـَناثـَرَتْ
حَوْلِي مَرَايا المَــوْتِ والمِيـَـلادِ
قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لمَحْتُ علـَى الـْمَـدَى
وَالنبْضُ يخْبُو.. صُورَة ُالجـَــلادِ
قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَةُ حَوْلـَـهُ
وَعَلى امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الــوَادِي
وَصَرَخْتُ.. وَالـْكَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فمِي:
هَذِي بـِلادٌ.. لمْ تـَعُــدْ كـَبـِلادِي


فاروق جويدة

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2007

علو الهمة ..يرفع الأمة..إلى القمة


بسم الله الرحمن الرحيم

أنا إن عشت لست أعدم قوتا *** وإن مت لست أعـدم قـبرا
همتّـي همــة المــلوك ونفسي *** نفس حر ترى المذلة كفرا

السلام على أهل الهمة
فهم صفوة الأمم ... وأهل المجد والكرم
طالت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود ... مطالع السعود ... ومراتب الخلود
ومن أراد المعالي هان عليه كل هم .. لأنه لولا المشقة ساد الناس كلهم
ونصوص الوحي تناديك ... سارع ولا تلبث بناديك
وسابق ولا تمكث بواديك
أمية بن خلف لما جلس مع الخلف أدركه التلف
ولما سمع بلال بن رباح حي على الفلاح .. أصبح من أهل الصلاح
أطلب الأعلى دائما وما عليك
فإن موسى لما اختصه الله بالكلام قال : " رب أرني أنظر إليك"
المجد لايأتي هبة ... لكنه يحصل بالمناهبة
فلما حمل الهدهد الرسالة ، ذكر في سورة النمل بالبسالة
نجحت النملة بالمثابرة ، وطول المصابرة
تريد المجد ولا تجدّ ...؟؟؟؟ تخطب المعالي وتناوم الليالي ...؟؟؟
ترجوا الجنة وتفرط في السنة ...؟؟؟
قام رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه
وربط الحجر على بطنه من الجوع .. وهو العبد الأواه
وأدميت عقباه بالحجارة .. وخاض بنفسه كل غارة
يدعى أبو بكر من الأبواب الثمانية ، لأن قلبه معلق بربه كل ثانية
صرف للدين أقواله ،، وأصلح بالهدى أفعاله ،، وأقام بالحق أحواله ،، وأنفق في سبيل الله أمواله ... وهاجر وترك عياله
لبس عمر المرقع ،، وتأوّه من ذكر الموت وتوجع ،، وأخذ الحيطة لدينه وتوقع
عدل وصدق وتهجد ،، وسأل الله أن يستشهد ،، فرزقه الله الشهادة في المسجد عليك الجد إن الأمر جد
وليس كما ظننت ولا وهمتا
وبادر فالليالي مسرعات *** وأنت بمقلة الحدثان نمت
اخرج من سرداب الأماني،، يا أسير الأغاني
وانفض غبار الكسل واهجر من عذل
فكل من سار على الدرب وصل
نسيت الآيات وأخّرت الصلوات ،، وأذهبت عمرك السهرات ،، وتريد الجنات ؟؟؟
ويلك !! والله ما شبع النمل حتى جد في الطلب .. وما ساد الأسد حتى وثب
وما أصاب السهم حتى خرج من القوس.. وما قطع السيف حتى صار أحد من الموس
الحمامة تبني عشها .. والحمرة تنقل عشها .. والعنكبوت تهندس بيتها .. والضب يحفر مغارة... والجرادة تبني عمارة
وأنت لك مدة ... ورأسك على المخدة
في الحديث ***احرص على ما ينفعك *** لأن ما ينفعك يرفعك

المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"

بالقوة يبنى القصر المنيف، وينال المجد الشريف همة تنطح الثريا وعزم *** نبوي يزعزع الأجبال

صاحب الهمة ما يهمه الحرّ ... ولايخيفه القرّ ... ولا يزعجه الضرّ .. ولايقلقله المرّ لأنه تدرع بالصبر

صاحب الهمة يسبق الأمة .. إلى القمة

"والسابقون السابقون أولئك المقربون"

لأنهم على الصالحات مدربون وفي البر مجرّبون

عمي بعض المحدثين من كثرة الرواية، فما كلّ ولاملّ حتى بلغ النهاية

مشى أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء، وأنت تفتر في حفظ دعاء

سافر أحدهم إلى مصر وغدوه شهر ورواحه شهر، في طلب حديث واحد، ليدرك به المجد الخالد

ولولا المحنة، مادعي أحمد إمام السنة، ووصل بالجلد إلى المجد

ووضع ابن تيمية في الزنزانة، فبرز بالعلم زمانه

واعلم أن الماء الراكد فاسد، لأنه لم يسافر ولم يجاهد

ولما جرى الماء، صار مطلب الأحياء

بقيت على سطح البحر الجيفة، لأنها خفيفة

وسافر الدرّ إلى قاع البحر، فوضع من التكريم على النحر

فكن رجلا رجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا

ياكثير الرقاد، أما لنومك نفاد

سوف تدفع الثمن يامن غلبه الوسن

تظن الحياة جلسة، وكبسة، ولبسة، وخلسة؟؟

بل الحياة شريعة ودمعة، وركعة، ومحاربة بدعة

الله أمرتا بالعمل ،،لينظر عملنا وقال: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"

فالحياة عقيدة، وجهاد، وصبر، وجلاد، ونضال، وكفاح، وبر، وفلاح

لا مكان في الحياة لأكول كسول..ولامقعد في حافلة الدنيا للمخذول


ابدأ في طلب الأجر من الفجر، بقراءة وذكر، ودعاء وشكر

لأنها انطلاق الطير من وكورها، ولا تنسى: "بارك الله لأمتي في بكورها"

العلم في حركة، كأنه شركة، وقلبك خربة كأنه خشبة

والطير يغرد، والقمري ينشد، والماء يتمتم، والهواء يهمهم، والأسود تصول، والبهائم تجول،

وأنت جثة على الفراش ، لا في أمر عبادة، ولا معاش؟

نائم هائم، طروب لعوب كسول أكول

ولاتقل الصبا فيه اتساع *** وفكر كم صبي قد دفنتا

تفرّ من الهجـير وتتـقيه *** فهلا من جهنم قد فررتا

أنت تفتر والملائكة لايفترون، وتسأم العمل والمقربون لايسأمون

بم تدخل الجنة؟

هل طعنت في ذات الله بالألسنة؟ هل أوذيت في نصر السنة؟

فانفض عنك غبار الخمول، ياكسول

فبلال العزيمة، أذن في أذنك فهل تسمع؟ وداع الخير دعاك فلماذا لا تسرع؟

"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"

ولابد للهمم الملتهبة أن تنال مطلوبها، ولابد للعزائم المتوثبة أن تدرك مرغوبها

سنة لاتبدل، وقضية لاتحوّل

سوف تأتيك المعالي إن أتيت *** لاتقل سوف، عسى، أين، وليت

قل للمتخلفين اقعدوا مع الخالفين

لأن المنازل العالية والأماني الغالية، تحتاج إلى همم موارّة، وفتكات جبارة

لينال المجد بجدارة

وقل للكسول النائم .. والثقيل الهائم

امسح النوم من عينيك، واطرد الكرى من جفنيك

فلن تنال من ماء العزة قطرة، ولن ترى من نور العلى خطرة

حتى تثب مع من وثب، وتفعل مايجب، وتأتي بالسبب

ألا فليهنأ أرباب الهمم، بوصول القمم

وليخسأ العاكفون على غفلاتهم في الحضيض، فلن يشفع لهم عند ملوك الفضل نومهم العريض

وقل لهؤلاء الراقدين: "إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين"

فهبوا إلى درجات الكمال ... نساء ورجالا، ودرّبوا على الفضيلة أطفالا

"انفروا خفافا وثقالا"

منقول من موقع صيد الفوائد

الأربعاء، 19 سبتمبر 2007

رسالة افراح الروح للشهيد سيد قطب رحمه الله


السلام عليكم ورحمة الله ورضوانه هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الخواطر والتأملات والأفكار خطرت لسيد قطب وهو في أمريكا مابين عام 1948م -1950م ثم سجلها في رسائل إخوانية بعثها الى أخيه واختيه في مصر ثم خطر له أن هذه الرسائل تصلح للنشر فجمع طائفة منها ونشرها في مقالة(في الأدب والحياة) في مجلة الكتاب ولما وقعت محنة سيد قطب الأولى في عام 1954م وقفت مجلة الفكر التونسية على المقال السابق مع مقال اخر في نفس المجلة بعنوان(أضواء من بعيد) كان سيد قطب قد نشره وهو في أمريكا فقامت مجلة الفكر بنشر فقرات من المقالين تحت عنوان أضواء من بعيد.وفي عام 1971م قامت الدار العلمية في بيروت بنشر المقال المذكور في مجلة الفكر التونسية تحت عنوان أفراح الروح.بسم الله الرحمن الرحيمأختي الحبيبة... هذه الخواطر مهداة إليك... إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك، فتتصورينه في كل مكان، ووراء كل شيء، وتحسينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء، و ترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة. إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة ائزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئآ إلأ أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!... مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي إ.... كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار.. الأمهات تحمل وتضع، الناس والحيوان سواء، الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيبض المتفتح عن أحياء وحياة.. الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار.. السماء تتدفق بالمطر، والبحار تعج بالأمواج.. كل شىء ينمو على هذه الأرض ويزداد!. بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة و يمضي، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!.. والحياة ماضية في طريقها، حية متدفقة فوارة، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !! قد تصرخ مرة من الألم، حين ينهش الموت من جسمها نهشة، ولكن الجرح سرعان ما يندمل، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحآ.. و يندفع الناس والحيوان، و الطير و الاسماك، الدود و الحشرات، العشب و الأشجار، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء!.. والموت قابع هنالك ينهش نهشة ويمضى ... أو يتسقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!!.الشمس تطلع، والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا و من هناك.. كل شيءإلى نماء.. نماء في العدد و النوع، نماء في الكم والكيف.. لو كان الموت يصنع شيئآ لوقف مد الحياة!.. ولكنه قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة...!. من قوة الله الحى... تنبثق الحياة وتنداح!!. الخاطرة الثانيةعندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود إ..أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !! إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمآ، قتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بايامنا وساعاتنا و لحظاتنا. و ليست الحياة بعد السنين، ولكنها بعداد المشاعر. وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهما " هو في الواقع " حقيقة " أصح من كل حقائقهم!.. لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعورآ مضاعفا بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلايبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال !... إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!. الخاطرة الثالثةبذرة الشر تهيج، ولكن بذرة الخير تثمر، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعآ ولكن جذورها في التربة قريبة، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء، ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواءمع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية إ... على حين تصبر شجرة الخير على البلاء، وتتماسك للعاصفة، وتظل في نموها الهاديء البطيء، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك الخاطرة الرابعةعندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!... لقد جربت ذلك.. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور... شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية- غير المتصنعة- باهتماماتهم وهمومهم... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص. إن الشر ليس عميقآ في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء.. فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية.. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، و على أخطائهم او على حماقاتهم كذلك.. وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.. لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام!... الخاطرة الخامسةعندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفى أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير وسنجد لهم مزايا طيبة نثنى عليها حين نثنى ونحن صادقون، ولن يعدم إنسان ناحية خيرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة.. ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تلتئم في نفوسنا نموا كافيا، ونتخوف منهم لان عنصر الثقة في الخير ينقصنا !.كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير إ. الخاطرة السادسةحين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحأ، أو أطيب منهم قلبأ، أو أرحب منهم نفسأ، أو أذكى منهم عقلأ، لا نكون قد صنعنا شيئآ كبيرأ.. لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة!. إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع ! .. إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية، أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثنى على رذائلهم، أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقأ.. إن التوفيق بين هذه المتناضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد: هو العظمة الحقيقية !..الخاطرة السابعةعندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أنه لا يعيبنا أن نطلب مساعدة الآخرين لنا، حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة!ولا يغض من قيمتنا أن تكون معونة الآخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه. إننا نحاول أن نصنع كل شىء بأنفسنا، ونستنكف أن نطلب عون الآخرين لنا، أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا..؟ نستشعر الغضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة. إننا نصنع هذا كله حين لا تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحى.. أما حين نكون أقوياء حقأ فلن نستشعر من هذا كله شيئأ.. إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التى تسنده وهو يتكفأ في المسير !.عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة، سنستقبل عون الآخرين لنا بروح الشكر والفرح.. الشكر لما يقدم لنا من عون.. والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن.. فيشاركنا الجهد والتبعة.. إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق !. الخاطرة الثامنةإننا نحن إن " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيرأ، حين لا تكوت منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا !. إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للاخرين، و نحن بعد أحيأء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – و لو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض- زادا للاخرين وريا، ليكفى لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان!." التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلامات التجارية " لبضائعهم كى لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون و أصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين !.. إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها.. إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم، ولا من صنع أيديهم. وكل فرحهم المقدس!، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل !..الخاطرة التاسعةالفرق بعيد.. جدآ بعيد..: بين أن نفهم الحقائق، وأن ندرك الحقائق.. إن الأولى: العلم.. والثانية هى: المعرفة!..في الأولى: نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة.. أو مع تجارب ونتائج جزئية... وفي الثانيه: نحن نتعامل مع استجابات حية، ومدركات كلية... في الأولى: ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا، ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة.. وفي الثانية: تنبثق الحقائق من أعماقنا. يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا وأوشاجنا، ويتسق إشعاعها مع نبضنا الذاتي!... في الأولى: توجد " الخانات " والعناوين: خانة العلم، وتحتها عنواناته وهي شتى.. خانة الدين وتحتها عنوانات فصوله وأبوابه.. وخانة الفن وتحتها عنوانات مناهجه واتجاهاته!... وفي الثانية: توجد الطاقة الواحدة، المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى.. يوجد الجدول السارب، الواصل إلى النبع الأصيل!... الخاطرة العاشرةنحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية، أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة !.. ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه، لا بشعور التضحية فحسب، بل بشعور اللذة كذلك!.. شعور العابد الذي يهب روحه لإلهه وهو فرحان!... ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم الذين يوجهون الحياة، أو يختارون للبشرية الطريق!...إن الرؤاد كانوا دائمأ، وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة، هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة التي تنصهر في حرارتها كل ذرات المعارف، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة، مزودة بكل هذه الجزئيات، قوية بهذا الزاد، وهي تغذ السير نحو الهدف السامي البعيد!.هؤلاء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة، المتعددة المظاهر في: العلم، والفن، والعقيدة، والعمل، فلا يحقرون واحدآ منها ولا يرفعونه فوق مستواه !. الصغار وحدهم، هم الذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى المتنوعة المظاهر، فيحاربون العلم باسم الدين، أو الدين باسم العلم...ويحتقرون الفن باسم العمل، أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة !.. ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى، منعزلة عن مجموعة من القوى الأخرى الصادرة كلها من النبع الواحد من تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود !.. ولكن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة، لأنهم متصلون بذلك النبع الأصيل، ومنه يستمدون!...إنهم قليلون.. قليلون في تاريخ البشرية.. بل نادرون! ولكن منهم الكفاية..: فالقوة المشرفة على هذا الكون، هي التى تصوغهم، وتبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب!. الخاطرة الحادية عشرةالاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق و القوى المجهولة خطر، لأنه يقود إلى الخرافة.. ويحول الحياة إلى وهم كبير إ... ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقل خطرا: لأنه يغلق منافذ المجهول كله، وينكر كل قوة غير منظورة لا لشىء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا! وبذلك يصغر من هذا الوجود - مساحة وطاقة، قيمة كذلك، ويحده بحدود " المعلوم " وهو إلى هذه اللحظة حين ! يقاس إلى عظمة الكون- ضئيل.. جدآ ضئيل!... إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على ادراك هذه القوى، كلما شب عن الطوق وخطا خطوة إلى الامام في طريقه الطويل!. إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التى كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت ما.. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لأنه لا يزال في دور التجريب!. إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا لا لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة، ولكن لكى نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها، ولكى نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض. وإن هذا لخليق بأن يفتح للروح الانسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهى بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد، وأننا لا نزال بعد نعيش. الخاطرة الثانية عشرةمن الناس في هذا الزمان من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضا من قيمة الإنسان وإصغارا لشأنه في الوجود: كأنما الله والإنسان ندان يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود !. أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورأ بعظمة الله المطلقة زدنا نحن أنفسنا عظمة لأننا هن صنع إله عظيم !. إن هؤلاء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو ينكرونه إنما هم المحدودون الذين لا يستطيعون أن يروا إلا الأفق الواطىء القريب!. إنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبان ضعفه وعجزه، فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله! كأنما الضعف يفتح البصيرة والقدرة تطمسها!. إن الإنسان لجدير بأن يزداد إحساسآ بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الإدراك... إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعة ولا ضعفا، بل على العكس يجدون في نفوسهم العزة والمنعة باستنادهم إلى القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود. إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض وبين هؤلاء الناس، فهى لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود. إن لهم رصيدأ من العظمة والعزة في إيمانهم العميق لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كـ " البالون " حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود !.الخاطرة الثالثة عشرةأحيانأ تتخفى العبودية في ثياب الحرية فتبدو انطلاقا من جميع القيود: انطلاقأ من العرف والتقاليد، انطلاقآ من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود!. إن هنالك فارقا أساسيا بين الانطلاق من قيود الذل والضغط والضعف، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها، إن الأولى معناها التحرر الحقيقى، أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التى جعلت من الانسان إنسانا وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة!. إنها حرية مقنعة لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية، تلك الميول التى قضت البشرية عمرها الطويل وهى تكافحها للتخلص من قيودها الخانقة إلى جو الحرية الإنسانية الطليقة... لماذا تخجل الانسانية من إبداء ضروراتها؟ لأنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هو أول مقومات الانسانية، وأن الانطلاق من قيودها هو الحرية، وأن التغلب على دوافع اللحم والدم وعلى مخاوف الضعف والذل كلاهما سواء في توكيد معنى الإنسانية!. الخاطرة الرابعة عشرةلست ممن يؤمنون بحكاية المباديء المجردة عن الأشخاص لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان؟إن المباديء والأفكار في ذاتها- بلا عقيدة دافعة- مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معان ميتة! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشعآمن أنت أولا بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون ! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة !... لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر!.. كذلك لا وجود لشخص - في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص... إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ، عملية - في بعض الأحيان- مستحيلة، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!. كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان! أما الأفكار التى لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام !. الخاطرة الخامسة عشرةمن الصعب على أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟! حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لابد أن نصل إلى الشط ملوثين.. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة: إن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التى وصلنا إليها!. إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية، ففى عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الانساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة.. بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته! " الغاية تبرر الوسيلة!؟ ": تلك هى حكمة الغرب الكبرى!! لأن الغرب يحيا بذهنه، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات!.

شجون في حضرة "الراشد" عن أرض الرشيد



بقلم : وائل أبو هلال
قابلته للمرة الأولى قبل واحد وثلاثين عاما عبر وريقات مطبوعة طباعة رديئة على آلة كاتبة، أحضرها مدير الحلقة المسجدية في أحد مساجد الزرقاء؛ وما أن بدأت بتلاوة هذه الوريقات - على صعوبة القراءة - إذ بكلماتها تنساب في نفسي كقطرات مطر نديٍّ على أرض بكر في صباح ربيعي.
طفقنا - ومعي ثلةٌ من شبابٍ في عمر الورد "طامح ظاميءٍ للمجد التليد" - نتلقف كلماته البليغة، ونحلل جمله وعباراته بمراهقة لغوية غلب عليها طابع "الرومانسية الإيمانية"!!
مازال"طعم" تلك الكلمات في أعماق أعماقي رغم شيخوخة ذاكرتي التي باتت تنسى القريب وتذكر البعيد، ومازالت صورة تلك الوريقات الباهتة في مخيّلتي إذ تلقفتُها ونسختُها "بخط شبابي" ملون، وعلى نسخ كربونية (إذ لم تكن ثقافة ماكينات التصوير موجودة بعد).
نعم مازال ذاك الطعم وتلك الصورة وتلك الإحاسيس تسري في عروقي رغم عبث السنين "فيّ"!!
ثم توالت اللقاءات بعد أن كان "المنطلق" في تلك الحلقة التي بدأت منها "المسار"، وحاولت جاهدا التمس "الرقائق" التي تخفف "عوائق" ذاك" المسار"، و"العين" تحثّ نفسي و"تدعوها للسموّ".
واليوم، وبعد واحد وثلاثين عاما...
آهٍ ... آهٍ ... من ركام السنين وازدحام الصور ونبض المعاناة وطيف السعادة وأخاديد الألم وفيض الأمل وذل الهزائم وخجل النصر الباهت ...
واليوم ... وأنا أحمل على ظهري كل أثقال وأوزار أل "واحد والثلاثين" ... أقابله ثانية في دمشق الفيحاء. وهذه المرة وجها لوجه؛ فلا أوراق ولا كتب ولا نشرات ... قابلته بمعية ثلة مقدسية الهوى في ليلة اختصرت واحدا وثلاثين عاما؛ فكانت بحق: ليلةً دمشقية أموية بغدادية عباسية قدسية!! ليلةً تهاوت فيها شيخوخة الذاكرة وأشباح السنين، وانفرجت أسارير العيون ومحيت خطوط الإنهاك من الحياة، وتراقصت أطياف الماضي، بل لكأني بها راقصت الواقع حتى أذهبت وقار الشيب وهيبة ظلال الزمان والمكان.
لكن ذلك "لهنيهة" سرقناها خلسة من بين أنياب الواقع الذي يئن تحت وطأة الأحداث المليئة بالأسى والمترعة بالألم؛ إذ ما لبثت تلك الهنيهة أن شهقت شهقة "الوداع الأخير" لتلك الليلة.. لتعود ليلة" بغدادية" بامتياز، إذ ما لبث أن استلم البغدادي قيادها لينتشلنا من نشوة الماضي ويعيدنا للمشهد الآني ببراعته التي ذقتها قبل واحد وثلاثين عاما ..
بسبعينيته المثقلة بالسكّر والضّغط والغضروف المقعِد تراه بخفة العشرين حيوية وهمة وذاكرة إذا كان الحديث عن أرض الرافدين ودرة العينين فيها: عاصمة الرشيد. يرسمها لك مدينة مدينة من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها ثم لا يفتأ يتوقف بسويدائها- بغداد ...
"بغداد" التي يحفظها عن ظهر قلب حياً حياً، وعائلة عائلة، ومسجداً مسجداً ...
"بغداد" التي غناها طيلة عمره ها هو الآن يبكيها ويرثيها قبل أن يدفنها، وكأني به "مالك بن الريب" يرثي نفسه، كيف لا وبغداد هي منه النفس بل أغلى!!
هذه الأحياء البغدادية التي تتراقص في مخيلته "هارونية" العزة، "ومأمونية" العلم، "ومعتصمية" المروءة ... هذه الأحياء بعراقتها "رصافة" و"كرخاً" يبكيها وينتحب لها إذ يراها تتساقط أمامه وتتهاوى وتفلت من بين أصابع العزة والعلم والمروءة واحدا تلو الآخر، لتلتقطها مخالب طائفيّ أمريكيّ الهوى أحمق الخطى، وتداس تحت أقدام "خارجيٍّ" "بويهيّ" الفكر أسود الرؤى ...
فهذي "الرصافة" فقدت أبناءها إلا "أعظمية" الإمام، تسربلت بالسواد حصاراً وتنتظر دماراً وقتلاً، وإن أسعف الحظُّ الأًعظمييّن بالنجاة من الذبح فسوف يلقون بعد الدمار تشريداً ...
وهذه "الكرخ" خاصرة دجلة اليسرى تتلوى وتتأوه تحت حصار العدا، وتتمنى أن يتفجر دجلة غضباً فيغرقها قبل أن يغرقها طوفان "المجوس".
سيّدي أيها "الراشد" سناً وفكراً ... سيّدي قد فجعتنا ... جئناك يحدونا أمل مفقود بنصر موعود، بيد انك بالحقيقة أدميتَ قلوبنا ...
سيّدي أيها العراقيّ "أصلاً"، والعالميّ "فكراً" و"أثراً"، اسمح لي أن أنتزع الأمل من كومة الدمار؛ إذ أنني أرى إشراقةً في تآخي بغداد والقدس في الدّما تضيء أملاً قد يطفيء ألماً ...
فطُفْ سيّدي!! ... طُفْ "بسبعينيتك" العالم وبشر، نعم! بشّر أن دجلة تأبى الغزاة وأن الفرات يأبى الطغاة ... بشّر حتى وإن أن أظلم ليلٌ فمآذن بغداد حتماً ستصدح بالصباح ..
سيّدي ... ألقِ عند "الأمويّ" شجونك واحمل من عند المقدسيين "نفسا تضيء وهمة تتوقد"، غرستها فيهم قبل واحد وثلاثين عاما في بداية "المسار"، وها أنت اليوم تقطفها لتنطلقوا معا نحو التحرير دون "عوائق"!!
سيّدي ... طُفْ بسبعينيتك العالم كل العالم وأخبرهم أن "بغداد" دوماً وأزلاً ستبقى عروساً في عشرينها ... وستتعود كما كانت دوما "مدينة السلام"!!
دمشق في 30/7/2007

ـــــــــــــ[1] هو المفكر الإسلامي الكبير عبد المنعم صالح العلي العزّي، والمعروف بمحمد أحمد الراشد.

كلمات للشهيد سيد قطب

إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة".
" إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، يأبى أن يكتب كلمة واحدة يقرّ بها لحاكم طاغية، فإن كنت مسجوناً بحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجوناً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل".
"إن دعوة الإخوان المسلمين، دعوة مجرَّدة من التعصب، وإن الذين يقاومونها هم المتعصبون، أو هم الجهلاء الذين لايعرفون ماذا يقولون"، ويقول: "الحقيقة الكبرى لحسن البنا هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء.
( إن في صبرنا صبر للكثيرين) ( إننا بإسنادنا ولو بالآراء لوضع جاهلي ، فإننا نحكم بالإعدام على كل كتاباتنا ضد الطواغيت ، وتصبح كلمتنا حبرا على أوراق).
( وانتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن إلى يقين جازم حازم... أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ولا رفعة ، ولا بركة ، ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى الله ، والرجوع إلى الله -كما يتجلى في ظلال القرآن- له صورة واحدة ، وطريق واحد... واحد لا سواه... إنه العودة بالحياة كلها إلى هذا الكتاب) مقدمة الظلال - دار الشروق
( الحمد لله لقد جاهدت مدة خمسة عشر عاما حتى نلت هذه الشهادة ) عند صدور الحكم
(إن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة ، وانتصار العقيدة على الألم ، وانتصار الإيمان على الفتنة... وفي هذا الحادث انتصرت الفئة المؤمنة انتصارا يشرف الجنس البشري كله.. إن الناس جميعا يموتون ، وتختلف الأسباب ، ولكن الناس جميعا لا ينتصرون هذا الإنتصار ولا يرتفعون هذا الإرتفاع ، ولا يتحررون هذه التحرر ، ولا ينطلقون هذا الإنطلاق إلى هذه الآفاق ، إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده ، لتشارك الناس في الموت ، وتنفرد دون الناس في المجد في الملأ الأعلى ، وفي دنيا الناس أيضا ، إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال ، لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم ، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم ، وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير؟ معنى زهادة الحياة بلا عقيدة ، وبشاعتها بلا حرية ، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد).
(إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها ، وتجمعها ، وتدفعها ، إنها الكلمات التي تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي. كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب انسان ، أما الكلمات التي ولدت في الأفواه ، وقذفت بها الألسنة ، ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي ، فقد ولدت ميته ، ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الإمام ، إن أحدا لن يتبناها لأنها ولدت ميته ، والناس لا يتبنون الأموات ، ويكتب عند آية: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومن أوفى بعهده من الله ، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (التوبة: 111)
(إن الدخول في الإسلام صفقة بين متابيعين.. الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع ، فهي بيعة مع الله لايبقى بعدها للمؤمن من شيء في نفسه ، ولا في ماله يحتجزه دون الله -سبحانه- ودون الجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدين كله لله... إن الجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن... كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل ، ومنذ كان دين الله.. إنها السنة الجارية التي لا تستقيم الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها ، بعونك اللهم فإن العقد رهيب.. وهؤلاء الذين يزعمون أنفسهم (مسلمين) في مشارق الأرض ومغاربها ، قاعدون ، لا يجاهدون لتقرير الوهية الله في الأرض ، وطرد الطواغيت الغاصبة لحقوق الربوبية وخصائصها في حياة العباد ، ولا يقتلون ولا ي قتلون ، ولا يجاهدون جهادا ما دون القتل والقتال)(1). 1- في ظلال القرآن (11-1716) -ط/الشروق.
"إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة‘ حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!".
"عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!… لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين… حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور".
" كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير! ".

رمضان شهر المقاومة والجهاد




إن رمضان يعتبر بحق شهر المقاومة والجهاد، بمختلف أنواعه ومراتبه بداية من جهاد النفس، ففي الصيام مغالبة الأهواء والطباع ، وترويض للنفس حتى يستقيم حالها على منهج الله ، وتنزل عند أحكامه ومبادئه حتي تصل إلى مرتبة التقوي التي هي الغاية من الصيام مصداقا لقوله تعالي "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"


أيضا يعتبر رمضان شهر الجهاد العسكري الذي شهد انتصارات عديدة للمسلمين المجاهدين على أعدائهم سواء الغاصبين المحتلين لأراضي المسلمين مثل معارك حطين وعين جالوت والزلاقة والعاشر من رمضان وغيرها الكثير، أو بإزاحة الظالمين الذين يحولون بين وصول دعوة الإسلام إلى الشعوب مثل فتح مكة وفتوحات الأندلس وبلاد السند وشمال أفريقيا.


إن هناك ترابطاً وثيقاً بين الصيام والجهاد ، فالصوم مغالبة لشهوة الطعام والشراب والجهاد مغالبة لنزعة الحرص على الحياة، وإذا كان الجهاد من أجل الإنتصار على العدو فإن الصيام انتصار على النفس الأمارة بالسوء، ومعاني التضحية والفداء في الجهاد مستوحاة من الصيام فمن انتصر على نفسه سهل عليه الانتصار على عدوه .في هذا الشهر الكريم كانت الأمة الإسلامية على موعد مع النصر وما حدثت حوادث الإسلام الكبرى إلا في هذا الشهر الكريم، وذلك كله لأن الصيام مصدر قوة روحية تدفع الى العمل وبذل الجهد وليس إلى الكسل والاسترخاء, واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مما يمده بالروح الفتى والعزم القوى؛ لذلك كانت أيام شهر رمضان أيام جهاد ونصر, وفوز نضالى, ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة تبتدئ بمعركة بدر مرورا بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت ...



لذلك كان هذا الشهر يحفل على مدى العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الاسلام.و من يتصفح كتب التاريخ، أو يقلب أوراقه تبرز أمامه صورة مشرقة لشهر عظيم، تلك هي الصورة المشرقة التي اتسمت بالعزة والكرامة والسؤدد والبسالة والانتصارات والفتوحات والتقوى والمغفرة . فالأمر لا يحتاج من الناظر إلى التدقيق والإمعان في كتب التاريخ حتى يصل إلى هذه الصورة المشرقة بل يكفيه التصفح السريع أو النظرة العاجلة ؛ ليدرك ما في هذا الشهر من الأحداث و البطولا ت التي نعلمها والتي لا نعلمها والتي تتسم بأنها أحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان، فاذا قلنا ان رمضان شهر الجهاد فهو قول يحمل مصداقه التاريخي دون جدال .



ولكن رمضاننا هذه الأيام لا نصيب له مما فات لأن سلطان الاسلام لم يعد موجود . فهو يأتي والأمة تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جرح فلسطين الغائر , وذاك جرح أفغانستان نازف، وجرح العراق موجع، وجرح آخر في كشمير، وغيره في جنوب الفلبين، يضاف إليهم ما في بورما والشيشان و..... وما يبرح أن ينزف جرح جديد حتى يلحق به جرح أخر، ففي رمضان كان غزو أفغانستان من قبل أمريكا ولما ظهرت بعض الأصوات لتقول لأمريكا بأن رمضان قادم ويجب أن نراعي حرمته فلا نغزو المسلمين ، قال بوش متبجحا إن الدولة الإسلامية كانت تخوض المعارك في شهر رمضان ــ وصدق وهو كذوب ـــ ثم يأتي بعده رمضان آخر ليشهد شلالا من الدماء في بلد آخر بلد الرافدين ، لتتكرر نفس المشاهد ولكن مع تغير الوجوه ، قتل وتدمير وتفتيت لأجساد الأطفال والنساء والشيوخ . ليرى فيها أنواع القنابل العنقودية و التفريغية والذكية والغبية والتقليدية وأسماء ما سمعنا بها من قبل .



إننا نفرح ونستبشر بقدوم شهر رمضان علينا، وقدومه علينا في ظل الأحداث العصيبة التي تعيشها أمتنا ينادينا بالجهاد في كل الميادين بدءا من جهاد النفس حتي جهاد العداء المحتلين والمعتدين علينا، حيث جهادهم فرض عين على المسلمين حتي تحرير أراضي المسلمين من أيمغتصب ظالم، حتي تعود إلى الأمة عزها ومجدها، فلا عز لهذه الأمة إلا بالإيمان والجهاد فما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا.


الخميس، 30 أغسطس 2007

جول رئيساً لتركيا.. ها قد عدنا يا أتاتورك



في عام 1924 قام "مصطفى كمال أتاتورك" بإلغاء الخلافة الإسلامية وتحويل تركيا إلى قلعة للعلمانية، وفرَضَ نظاما صارما – يدعمه الجيش والدستور - لوقف ومصادرة كل ما هو إسلامي في البلاد، واستمر في ترسيخ ذلك النظام حتى موته عام 1938م.


وبدلا من أن تكون العلمانية أسلوبا لفصل الدين عن الدولة، حولها أتاتورك لممارسات تمثل حربا من الدولة على الدين، إلا أن التاريخ أبا إلا أن يؤكد أن الشعوب إذا مالت للخيار الإسلامي فلا مجال لتنحية إرادتها، فها هو وزير الخارجية التركي السابق "عبد الله جول" والمنتمي لحزب العدالة والتنمية – ذو الجذور الإسلامية – يتولى رئاسة تركيا لتدخل زوجته المحجبة وتعيش في قصر أتاتورك نفسه، وكأن الإسلاميين يصرخون بلسان الحال "ها قد عدنا يا أتاتورك".وحسب استطلاعات أشرفت عليها مؤسسات أوروبية، فإن 65% من الأتراك متدينون يمارسون فرائض

الإسلام ، وذات النسبة تقريبا من النساء محجبات، مما يفسر الاكتساح الذي حققه الإسلاميون في الانتخابات الأخيرة.



اتهام وتبرير: وبالرغم من اتهام حزب العدالة والتنمية بأنه لا يملك أجندة إسلامية حقيقية بعد أن أعلن أنه لا يعتزم تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه يؤيد العلمانية. إلا أن المراقبين يؤكدون أنه يلتزم نوعا من البرجماتية التي تبدوا ضرورية في دولة مثل تركيا. ونحن إذ نعزو تمكن الإسلاميين من حكم تركيا ، لا يمكننا إغفال العامل الاقتصادي الذي دعم كثيرا موقفهم ، وأضعف من موقف الأحزاب العلمانية التي فشلت فيما سبق في ترسيخ مناخ اقتصادي قوي، لذلك خذلتهم الجماهير عند الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. إنّها بدهيّة في السّياسة أنّك لا يمكن ضمان نتائج الإنتخابات في ظل انكماش اقتصاديّ يؤثر في بطون الشعوب قبل أن يؤثر في عقلها.



النضال السياسي للإسلاميين: قبل التحدث عن النضال السياسي للإسلاميين في تركيا يجب أن نذكر أن التيارات والتوجهات الرئيسية حافظت على وجودها في الحياة السياسية التركية على الدوام وإن تغيرت أسماء الأحزاب التي مثلتها. فنحن نرى أن وسط اليمين الذي كان يمثله في البداية الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندرس استمر في خط مستقيم عبر حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرل وتلاه حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال في

الثمانينيات وحزب الطريق القويم في التسعينيات.


ونجد أن وسط اليسار احتفظ بوجوده عبر حزب الشعب الجمهوري في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولما تم حظره بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 حلت محله أحزاب يسارية أخرى أهمها حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري مرة أخرى. أما الحركة السياسية الإسلامية التي بدأت مسيرتها بزعامة نجم الدين أربكان بحزب النظام الوطني فقد واصلت طريقها بحزب السلامة الوطني ثم حزب الرفاه الإسلامي ثم حزب الفضيلة الذي تمخض عنه حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة.


كما واصلت الحركة القومية وجودها تحت أسماء مختلفة مثل حزب الحركة القومية وحزب العمل القومي وحزب الاتحاد الكبير. وهذه التيارات هي التيارات الأربعة التي تقوم عليها السياسة التركية والتي تعكس توجهات الشعب التركي. وكان أول ظهور لأشخاص ذوي توجه إسلامي في السياسة التركية في عام 1945 عندما شهدت الساحة السياسية التركية خروج أربعة نواب على قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته السيئة. كان هؤلاء الأربعة هم عدنان مندرس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان وبعد أن تم إخراجهم من الحزب أعلنوا تشكيل حزب جديد أسموه الحزب الديمقراطي (DP) وانتخبوا عدنان مندرس زعيما له، ليصبح فيما بعد أول رئيس للوزراء ذو توجه إسلامي . وتربع رئيس الوزراء عدنان مندرس في قلب الشعب عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم. أثارت شعبية مندرس وإنجازاته وتوسيعه لدائرة الحريات الدينية حفيظة الأوساط المعادية للإسلام والتي تعتمد القوة في حل مشاكلها، وفي صباح 27 مايو 1960 سمع الشعب التركي من الإذاعة صوت العقيد ألب أرسلان تركش يعلن وضع القوات المسلحة يدها على الحكم.



كان هذا بداية الانقلابات العسكرية التي اعتادت بعد ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية التركية كل عشرة أعوام. وأغلقت القيادة العسكرية الحزب الديمقراطي وألقت القبض على رئيس الوزراء عدنان مندرس ورئيس الجمهورية جلال بيار ورفاقه، وأرسل بهم إلى السجن. وفي اليوم التالي تم إعدام رئيس الوزراء عدنان مندرس. وفي عام 1970 شكل الزعيم الإسلامي "نجم الدين أربكان" حزب النظام الوطني ، لكن محكمة الدستور أصدرت حكما بإغلاقه بدعوى توجهه الإسلامي ومعارضته للنظام العلماني ونيته إقامة دولة دينية.



فشكل أربكان حزبا آخر باسم حزب السلامة الوطني في 11 أكتوبر 1972. في عام 1980 وعندما أصدر الجيش قرارا بحل كافة الاحزاب وبما فيها حزب السلامة الوطني بزعامة نجم الدين اربكان وبراءة رئيس الحزب اربكان من التهم التي وجهت اليه، فقد قام بانشاء حزب تحت اسم حزب الرفاه عام 1983. وفي عام 1996 أصبح نجم الدين أربكان رئيسا للحكومة بعد أن انتصر حزبه في الانتخابات البرلمانية عام 1995، لكنه اضطر لمغادرة السلطة بعد سنة من تسلمه مهامه تحت ضغط العسكر وحل حزب الرفاه الذي يتزعمه في العام 1998.


عام 2002 تمكن حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الإسلامي بالفوز في الانتخابات البرلمانية وتم تعيين "عبد الله جول" رئيسا للوزراء، بسبب منع "رجب طيب أردوغان" من ممارسة العمل السياسي في ذلك الوقت . وفي عام 2003 عين رجب طيب أردوغان زعيما لحزب العدالة والتنمية رئيسا للوزراء، وتحول جول لوزارة الخارجية. وأخيرا وبعد مساجلات واسعة من التيار العلماني المعارض لتولي إسلامي لرئاسة تركيا، دعا حزب العدالة والتنمية لانتخابات مبكرة ، تمكن بالفعل من اكتساحها ليشكل الحكومة بمفرده ويتمكن "عبد الله جول " من كسب منصب الرئاسة ودخول القصر الرئاسي وبيت مؤسس العلمانية في تركيا، ليطلق صيحتة المدوية "ها قد عدنا يا أتاتورك".


بقلم/ محمد مرسي
صحفي وباحث

الثلاثاء، 12 يونيو 2007

كنوز



"قليل هم الذين يحملون المبادىء وقليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من اجل تبليغ هذه المبادىء وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم من اجل نصرة هذه المبادىء والقيم فهم قليل من قليل من قليل"


إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين.. .الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع ، فهي بيعة مع الله ، لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه ، ولا في ماله.. لتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدين كله لله


ثم هي الأسباب الظاهرة لإصلاح الجماعة البشرية كلها ، عن طريق قيادتها بأيدي المجاهدين الذين فرغت نفوسهم من كل أعراض الدنيا وكل زخارفها ، وهانت عليهم الحياة وهم يخوضون غمار الموت في سبيل الله ، ولم يعد في قلوبهم ما يشغلهم عن الله ، والتطلع إلى رضاه ، وحين تكون القيادة في مثل هذه الأيدي تصلح الأرض كلها ويصلح العباد ، ويصبح عزيزاً على هذه الأيدي أن تسلم في راية القيادة للكفر ، والضلال ، والفساد ، وهي قد اشترتها بالدماء والأرواح ، وكل عزيز ، وغال أرخصته لتتسلم هذه الراية لا لنفسها ولكن لله.



فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير ، وذلتها ، وطاعتها ، وانقيادها ، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ، ولا سلطاناً ، وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول ، تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد لها أعناقها فيجر ، وتحني لها رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة ، وخائفة من جهة أخرى ، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم ، فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين ، لو أنها شعرت بإنسانيتها ، وكرامتها ، وعزتها ، وحريتها.



ولقد تتحول مصلحه الدعوة الي صنم يتعبده اصحاب الدعوة وينسون معه منهج الدعوة الاصيل ان علي اصحاب الدعوة ان يستقيمو علي نهجها ويتحرو هذ النهج دون التفات الي ما يعقبه هذ التحري من نتائج قد يلوح لهم ان فيها خطر علي الدعوة واصحابها فالخطر الوحيد الذي يجب ان يتقوه هو خطر الانحراف عن النهج لسبب من الاسباب سواء كان هذا الانحراف كثير او قليلا والله اعرف منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين انما هم مكلفون بامر واحد لا ينحرفوا عن المنهج والا يحيدوا عن الطريق



وليس في إسلامنا ما نخجل منه ، وما نضطر للدفاع عنه ، وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً ، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته .. إن الهزيمة الروحية أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهلية هنا وهناك هي التي تجعل بعض الناس .. المسلمين .. يتلمس للإسلام موافقات جزئية من النظم البشرية ، أو يتلمس من أعمال " الحضارة " الجاهلية ما يسند به أعمال الإسلام وقضاءه في بعض الأمور ... إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والاعتذار فليس هو الذي يقدم الإسلام للناس . وإنما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائض والعيوب ، ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية . وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلام ويلجئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه ، كـأنه متهم مضطر للدفاع عن نفسه في قفص الاتـهام !" -1
كلمات للشهيد سيد قطب
سأله أحد إخوانه: لماذا كنت صريحا في المحكمة التي تمتلك رقبتك ؟ قال : "لأن التورية لا تجوز في العقيدة ، وليس للقائد أن يأخذ بالرخص".1
ولما سمع الحكم عليه بالإعدام قال: "الحمد لله ... لقد عملت خمسة عشر عاما لنيل الشهادة"1

ويوم تنفيذ الإعدام، وبعد أن وضع على كرسي المشنقة عرضوا عليه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه، فقال: "لن أعتذر عن العمل مع الله".1
ثم قال: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية"1
. فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس... فقال: "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق ، وإن كنت محكوما بباطل ، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل".1

الاثنين، 11 يونيو 2007

علمتنى مرارة الابتلاء




الحمد لله الذي تواضع كل شئ لعظمته وذل كل شئ لجبروته أحمده وأستعينه وأستهديه وأصلي وأسلم على خير خلق الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ...1

إن من سنن الله في هذه الدار أن يبتلي الله عباده ليميز الله الخبيث من الطيب , ويتنوع الابتلاء من ظلم ومرض وغيره ..1

ولكن يتعلم الإنسان من هذه الابتلاءات مايصقله من الدروس والعبر والأجر والمثوبة من الله.. قال تعالى :1 ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون)
وقال تعالى :1 (وبشر الصابرين)

ونتعلم من الابتلاء دروس وعبر كثيرة ...1
وكما قال الشاعر :أرى البلايا تحيط المرء تحصنه حتى لئن صح ذوب الصخر لم يذب ..ماحصحص الحق إلا بعد ما انسلخت من عمر يوسف أعواما من النصب
مما تعلمت من الابتلاء :1_ أن أجعل شعاري قول الله (فصبر جميل والله المستعان)1
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا )1
2_ تعلمت عندما تضيق بي الدنيا وتغلق في وجهي اللجوء إلي الله بالصلاة والدعاء، فباب الله مفتوح وهو سبحانه بيده مفتاح الخير ورحمته واسعة.1

3_ تعلمت أن أعلق رجائي بالله وحده..وأقطعه عمن سواه فلا ملجأ من الله إلا إليه..لا أنتظر من إنسان إحسان لي .1
4_ تعلمت أن أدعوا الله أن يقيض لي من لدنه سلطانا نصيرا.. فهو سبحانه بيده جنود السموات والأرض .1

5_ تعلمت أن الصبر مر مذاقه.. لكن عاقبته أحلى من العسل، ففيه الراحة والسلوان.. واسمع قول الشاعر
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري .. سأصبر حتى يحكم الله في أمري

6_تعلمت أن الدنيا لا تسوي عند الله جناح بعوضه فلو ذهبت لم أحزان على جناح البعوضه . 1
7_تعلمت أن الظالم مهما خفي عن عيون الناس فهو على الله لا يخفى.. فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور قال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )1
8 _ تعلمت أن من يحسدك هو الذي يتعذب ومكره يحيق به قال أحد السلف :
{ الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود}
9_ تعلمت أنك مهما بحثت عن قلب يحن عليك فلن تجد أصدق وأحن من قلب أمك وأبيك فهما من يستحقان البر
.والإحسان بلا حدود
10_ تعلمت أن أصنع السعادة لنفسي ولا أنتظر من أحد ان يسعدنى بل أستعين بالله وحده وأسعي وأعمل مايسعدنى دنيا وآخرة
11_ تعلمت أن لا اجعل مشاعري ارضا الكل يطء عليها بل سماء كل يحلم أن يصل إليها فلا اسلم مشاعري واجعل هذا يجرحني وهذا يغضبني
12 _تعلمت أن الشكوى لغير الله مذله بل أشكوا بثي وحزني إلي الله وحده ...الناس تمل منك ومن شكواك فارفعها إلي الله وحده.

واذكر قول الشاعر: جزي الله الشدائد كل خير وإن جرعتني غصص بريقي ...وما مدحي بها حبا ولكن عرفت بها عدوي من صديقي
وتعلمت ... وتعلمت الكثير..لو أذكرها لما يكفيني مجلدات

اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي .رواه أحمد .

اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال

الأحد، 10 يونيو 2007

الإسلام هو الحل... رغم أنف الظالمين


بعد شطب مرشحين للإخوان المسلمين من انتخابات الشوري لأنهم يستخدمون "شعارات دينية" في دعايتهم

يبقي الإسلام هو الحل برغم الظلم والإرهاب...1


ويبقى المجاهدون هم الأعزاء في الدنيا والآخرة....1


بعد أن تركوا الذل والصغار من نصيب الظالمين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم... 1


والله أكبر ولله الحمد

السبت، 9 يونيو 2007

يارب


اللهم ياجبار يا قهار نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لايضام ياعزيز يا ذا الإنتقام يامن لايرضى بالظلم يامن هو أرحم بعباده من الأم
نتوسل إليك ونرفع أكف الضراعة إليك في هذه الساعة التي ترفع فيها الدعوات وتضج فيها المساجد وتجأر فيها القلوب إلى خالقها ونسألك بقلوب موقنة بنصرك واثقة من وعدك مؤمنة بقدرتك وقهرك وندعوك يا أملنا في المحن ويا ملاذنا عند الشدائد والفتن
ننادي بدعوات ممزوجة بالدموع والعبرات نسألك اللهم أن ترينا في الظالمين والمجرمين من ( أمريكا ) وحلفائها عجائب قدرتك
اللهم اشدد عليهم وطأتك ورد عنهم عافيتك واحلل عليهم نقمتك اللهم أرنا فيهم المثلى اللهم صب عليهم عذابك صباً واقذف في قلوبهم ذلاً ورعباً اللهم شتت شملهم وفرّق جمعهم واجعل بأسهم بينهم واجعل قوتهم وبالاً عليهم
اللهم أغرقهم بطوفان من الأرض وأحرقهم بصواعق من السماء اللهم أقر عيوننا بذلهم وصغارهم وهوانهم اللهم عاجلهم بالعقوبة والعذاب اللهم أرسل عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع
اللهم أقر عيوننا بجنودهم مجندلين فوق الرمال ومشتتين بين الجبال ومأسورين بالحبال
اللهم اشدد عليهم وطأتك اللهم اخسف بهم الأرض اللهم أرسل عليهم ريحاً صرصراً وسلّط عليهم الأمراض القاضية اللهم أذقهم العذاب أضعاف ما أذاقوه إخواننا
اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا سريع الحساب ويا هازم الأحزاب اهزم النصارى واليهود المحاربين للإسلام والمسلمين اللهم اهزمهم وزلزلهم , اللهم اقذف الرعب في قلوبهم
اللهم فرق جمعهم اللهم شتت شملهم , اللهم خالف بين آرائهم , اللهم اجعل بأسهم بينهم شديد ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك .
يا قوي يا قادر اللهم أذل الدول الكافرة المحاربة للإسلام والمسلمين , اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية , والأعاصير الفتاكة , والقوارع المدمرة والأمراض المتنوعة , اللهم اشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يدا ولاعلى المؤمنين سبيلا
اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل واجعل كيدهم في تضليل أللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل , ترميهم بحجارة من سجيل اللهم خذهم بالصيحة وأرسل عليهم حاصبا اللهم صب عليهم العذاب صبا
اللهم اخسف بهم الأرض وأنزل عليهم كسفاً من السماء اللهم اقلب البحر عليهم نارا ، والجو شهباً وإعصارا اللهم أسقط طائراتهم ، اللهم دمر مدمرا تهم واجعل قوتهم عليهم دمارا
اللهم وفك أسر المأسورين من المسلمين في جميع بقاع الارض يا أرحم الرحمين من لإخواننا المأسورين غيرك فقد
تخلت عنهم الامة حكاما ومحكومين ومن لمجاهدينا مشاريع الاستشهاد إلا انت
اللهم بدل خوفهم أمنا وجوعهم شبعا واكسهم من العري اللهم واشف مريضهم وداو جريحهم واجبر كسيرهم اللهم وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم
اللهم إن بالمسلمين من الجهد والضنك والضيق والظلم مالا نشكوه إلا إليك
لا إله إلا الله العظيم الحليم , لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لا إله إلا الله محمد رسول الله
والله أكبر ولله الحمد

الثلاثاء، 5 يونيو 2007

بعد أربعين سنة من احتلالها..هل تلحق 'القدس' بالأندلس؟!1


بعد مرور أربعين سنة على احتلال مدينة "القدس" الشريف في حرب سنة 1967، والتي استولى جيش الاحتلال الصهيوني فيها على الضفة الغربية وقطاع غزة وما تبقى بعد النكبة من القدس، وأطلق عليها جيش الاحتلال شعاره الزائف"العاصمة الأبدية والموحدة" بعد احتلال الجزء الشرقي منها في الحرب، وضمها للجزء الغربي لتكون المدينة عاصمة لكيانهم الغاصب.

وقعت "القدس" على مدى العقود الأربعة الماضية فريسة للاحتلال الصهيوني الذي هوّد كل شيء فيها وغيّر معالمها وحولها إلى أندلس ثانية، ويواصل عزلها عن محيطها، ومنع الفلسطينيين وكل المسلمين من الوصول إليها.
وبذلك أصبحت "القدس" الشريف، حاضنة المسجد الأقصى المبارك، الخاسر الأكبر من هزيمة 67 خاصة بعد تخلي كل الأنظمة العربية عنها.
ويشير خليل تفكجي مدير قسم الخرائط في بيت الشرق وخبير الاستيطان إلى أن أبرز التحولات الديموجرافية لشرقي القدس المحتلة منذ عام 1967م، موضحا أن عدد اليهود فيها ارتفع من صفر إلى 182 ألف نسمة يسكنون في 15 مغتصبة، فيما كان في المدينة 70 ألف عربي عام 67 وصلوا الآن إلى 280 ألفا.
وقال في حديث لموقع قناة الجزيرة الفضائية إن الاحتلال يسيطر الآن على 86% من "القدس" الشرقية. موضحا أن عدد الوحدات السكنية لليهود فيها ارتفع من صفر عام 1967 إلى 59 ألفا الآن، إضافة إلى 20 ألفا في طريقها للبناء. مقابل 12 ألف وحدة سكنية للعرب عام 1967، و36 ألف وحدة الآن.
وفيما يتعلق بالمساحة المحتلة عام 1967، أوضح خبير الاستيطان أنها كانت 6.5 كلم2 تم توسيعها اليوم لتصبح 72 كم2، وبالتالي فإن مساحتها مع القدس الغربية 126 كلم2.
ولفت خليل إلى تغيير كبير في مظاهر المدينة العربية الإسلامية مع بدء الاحتلال الصهيوني عام 67 بهدم حارة الشرفة وحارة المغاربة بما فيها من آثار تاريخية وإسلامية وإقامة وحدات جديدة مكانها.
ويقول الخبير الفلسطيني أن الأخطر فيما يجري لمدينة القدس هو وجود مشروع يهدف إلى تطهير مدينة "القدس" من الوجود العربي والإسلامي.
وقال إن المحطة الأولى لهذا المشروع تبدأ عام 2008 بانتهاء فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي منح الكيان الصهيوني الضوء الأخضر بتغيير الحقائق على الأرض التي تؤخذ بعين الاعتبار في المرحلة النهائية. وعليه بدأ الجانب الصهيوني رسم الخطوط العريضة لتهويد المدينة.
أضاف أن المحطة الثانية ستكون عام 2010 موعد إجراء الانتخابات الصهيونية الجديدة. إذ يخطط رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت للذهاب إلى هذه الانتخابات تحت شعار القدس عاصمة موحدة كما يسميها للكيان الصهيوني.
فيما المحطة الثالثة ستكون بتطبيق رؤية أولمرت كرئيس بلدية سابق لـ"القدس" وهي توسيع المدينة.
وذكر أن هذا التوسيع سيضم شرقا مغتصبة معاليه أدوميم، وبالاتجاه الشمال الغربي مغتصبة غفعات زئيف، وبالاتجاه الجنوبي مغتصبة عتصيون القريبة، ليصبح في النهاية الوجود العربي في المدينة 12% مقابل 88% لليهود، ليتبعه بالتالي تطهير عرقي كامل للبلدة القديمة وخارجها.

ويؤكد ناجح بكيرات مدير دائرة المخطوطات في المسجد الأقصى تلك الصورة القاتمة فيقول إن الفرق شاسع بين ما
كانت عليه "القدس" وما هي عليه الآن حيث ألحقت هزيمة عام 1967 الضرر بالقدس ومقدراتها في كل النواحي. أضاف أن الاحتلال غيّر صورة المدينة المقدسة بالمباني المرتفعة، وغيب سورها وغيّر شوارعها، وأحاطها بجدار عازل، بحيث تغيرت معالمها وباتت مهددة بالضياع.وحذر بكيرات من مصير مماثل ينتظر مدينة "القدس" كما حدث للأندلس تحت تهديد الطوق الاستيطاني الذي يحيط بها من كل النواحي.
وأوضح أن وتيرة التهويد تتسارع في الصحة والتعليم وكافة مناحي الحياة لجعلها عاصمة يهودية بحتة، مطالبا بخطة منهجية للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لمدينة "القدس" المحتلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في النهاية: هو هل يترك المسلمون "القدس" فريسة سهلة للعصابات الصهيونية تلتهمها على نار هادئة، تلهيههم المسكنات والخطب والمقالات؟
والسؤال الذي يبدو أكثر إلحاحا هو: كيف يحرر المسلمون "القدس" الآن؟

الاثنين، 4 يونيو 2007

الشيخ رائد صلاح يكتب: أربعون عاما على احتلال المسجد الأقصي




سنعيش بعد أيام ذكرى مرور أربعين عاما على فاجعة احتلال المسجد الأقصى المبارك ، وكي لا تمر هذه الفاجعة وكأن شيئا لم يكن لا بد من دعوة أنفسنا ودعوة الحاضر الإسلامي والعربي والفلسطيني لإحياء هذه الذكرى ، ولا بد من رد الاعتبار الأصيل للقدس الشريف والمسجد الأقصى ، والتأكيد من خلال إحياء هذه الذكرى أنهما قضية إسلامية عربية وليستا قضية فلسطينية فقط ، ولا بد من التذكير من جديد من خلال إحياء هذه الذكرى أن القدس في خطر وأنها تعاني من مؤامرة تهويدها من قبل الاحتلال الإسرائيلي ، وكذلك التذكير أن الأقصى في خطر وهو يعاني من مؤامرة السعي المتواصل إلى طمسه وبناء هيكل على حسابه من قبل الاحتلال الإسرائيلي .
لذلك لا بد من تحديد برنامج فعاليات لإحياء هذه الذكرى الفاجعة سيما وأن المؤسسة الإسرائيلية قد أجلبت خيلها وأعدت عدتها للقيام ببرنامج فعاليات لإحياء هذه الذكرى ولكن تحت اسم يتوافق مع موازين احتلالهم ألا وهو " أربعون عاما على تحرير القدس" بداية من اليوم الذي وافق 16/5/2007م والذي يسمونه (يوم القدس) حتى تاريخ 16/5/2008م بتكلفة 90 مليون شيقل ، وهدف المؤسسة الإسرائيلية من وراء ما أعدت من فعاليات هو تقوية موقع "أورشليم" عالمياً ، وهو اسم القدس الشريف في لغة المؤسسة الإسرائيلية .
وها هي الفعاليات الإسرائيلية التمهيدية قد بدأت استعدادا لما يسمونه "يوم القدس" الذي كان بتاريخ 16/5/2007م ، وها هي المؤسسة الإسرائيلية تقوم عصر يوم الأحد الموافق 13/5/2007م بتشغيل إضاءة خاصة وضخمة لأسوار القدس بلون العلم الإسرائيلي الأزرق والأبيض بتكلفة 1.5 مليون يورو .
وها هي المؤسسة الإسرائيلية تقوم يوم الاثنين الموافق 14/5/2007م بعقد اجتماع الكونغرس اليهودي فيما يسمونه "مباني الأمة" في القدس ، وكذلك عقد مهرجان غنائي في مبنى الكنيست بعنوان "أغاني عن أورشليم عبر العصور".
وها هي المؤسسة الإسرائيلية تقوم يوم الثلاثاء الموافق 15/5/2007 بعقد مهرجان غنائي كبير جدا بعنوان "اذهب إلى أورشليم" وكذلك تنظيم مسيرات ضخمة تتجه كلها إلى القدس بعنوان "كلنا نسير نحو القدس" ، وكذلك تنظيم مسيرة في ساحة البراق .
وها هي المؤسسة الإسرائيلية تقوم يوم الأربعاء الموافق 16/5/2007 بتنظيم مسيرات ضخمة في شوارع القدس تمر في أزقة البلدة القديمة وتنتهي في ساحة البراق ، وكذلك تنظيم مهرجان غنائي صاخب لطلاب الجامعة العبرية على ارض مقبرة مأمن الله تحت عنوان "الأسوار تهتز" .
وها هي المؤسسة الإسرائيلية تقوم يوم الخميس الموافق 17/5/2007م بتنظيم مسيرات لنحو 20 ألف طالب يهودي في القدس كذلك افتتاح موقع انترنت خاص بعنوان "أربعون عاما على توحيد القدس" ، وافتتاح معرض صور ، وكذلك تنظيم برامج عالمية أخرى .
وهنا أؤكد أن كل هذه الفعاليات التي تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية هي مجرد برامج تمهيدية سيتبعها برامج عالمية ضخمة من أخطرها تنظيم سلسلة بشرية تحوط أسوار القدس القديمة ، وتضم آلاف الأشخاص من أنحاء الأرض ، وقد يكون من ضمنهم بعض المسلمين بالإضافة إلى بقية أهل الرسالات السماوية وأهل الديانات الأرضية ، وان تنظيم هذه السلسلة البشرية بواسطة أشخاص من أنحاء العالم حول القدس القديمة يعني أن المؤسسة الإسرائيلية تحاول ابتزاز إجماع كاذب من المشاركين في هذه السلسلة البشرية يصادق على توحيد القدس تحت السيادة الإسرائيلية الاحتلالية .
ومن المفترض خلال الأيام القادمة وكجزء من البرامج العالمية الضخمة أن تشرف المؤسسة الإسرائيلية على تنقيل شعلة خاصة بين الجاليات اليهودية في أنحاء العالم ، ومن المفترض أن تشرف المؤسسة الإسرائيلية على تسمية شوارع وأماكن عامة في أنحاء العالم باسم (أورشليم) من ضمن حملة تحت اسم (مدن تُجِّل أورشليم) ، ومن المفترض أن تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتنظيم عروض موسيقية لأشهر الملحنين العالميين أمثال "فلسيدو دومينغو" و"لوتسيانو فبروطي" ببث حي ومباشر على أوسع نطاق عالمي.
ومن المفترض أن تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتنظيم برامج أخرى تسعى من خلالها إلى إحياء هذه الذكرى وفق منظورها ألاحتلالي دون مراعاة لأحد ، لذلك بات الإعلام العبري يتحدث على سبيل المثال عن برنامج النفخ في (3000بوق) ستنصب على أسوار القدس القديمة ، وعن استعراض ألعاب نارية بطريقة خاصة ، وعن مسابقة تناخية عالمية خاصة بتاريخ القدس ، وعن عروض مسرحية في أشهر مسارح العالم حول تاريخ "أورشليم" ، وعن تخصيص نشرة دعائية في أشهر شبكات الأخبار العالمية مثل "فوكس نيوز" بهدف الترويج سلفا لهذه البرامج ، وعن عقد أيام دراسية لرؤساء البلديات الكبيرة في العالم بهدف حشد أقوى جهد عالمي لدعم مشروع تهويد القدس .
فإذا كان هذا هو بعض جهد المؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية لمواصلة فرض احتلالها في القدس الشريف والمسجد الأقصى فأين جهدنا نحن المسلمين والعرب والفلسطينيين ونحن أصحاب الحق الشرعي والأبدي والوحيد في القدس الشريف والمسجد الأقصى ؟! أين جهدنا في الوضع الراهن ريثما ستتوفر الظروف التي ستؤدي إلى زوال الاحتلال الإسرائيلي عن القدس الشريف والمسجد الأقصى ؟! أين جهدنا ونحن أمة المليار ونصف مليار مسلم وعربي وفلسطيني ؟! أين جهدنا ونحن نملك تريولنات الدولارات وآلاف الفضائيات التي تبث على مدار الليل والنهار ؟! أين جهدنا ونحن الذين لا تزال تؤنبنا ضمائرنا منذ عام 1967م لأننا تخاذلنا عن نصرة القدس الشريف والمسجد الأقصى وتركناهما لوحدهما يتجرعان مرارة الأسر وذل الاحتلال؟!.
لذلك فإنني أهيب عبر هذه المقالة بالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي واتحاد علماء المسلمين العالمي والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة ورابطة العالم الإسلامي وسائر العناوين الإسلامية والعربية العالمية المبادرة فورا إلى إحياء ذكرى هذه الفاجعة ، فاجعة مرور أربعين عاما على احتلال المسجد الأقصى ، كما وأنني أهيب بكل الحركات والأحزاب الأصيلة والمؤسسات الأهلية المخلصة والإعلام الحر والشعوب الحية على صعيد الحاضر الإسلامي والعربي والفلسطيني التحرك فورا وأخذ دورها فورا لإحياء هذه الذكرى .
وإنني أهيب عبر هذه المقالة بكل مدارس الصحوة الإسلامية الراشدة في كل العالم لصياغة وثيقة عالمية فيما بينها تمثل الإستراتيجية الموحدة والدور المطلوب لنصرة القدس الشريف والمسجد الأقصى ودعوة كل الحاضر الإسلامي والعربي بكل مركباته للالتقاء على هذه الوثيقة طامعين أن تكون هذه الوثيقة دافع توحيد لهذا الحاضر الممزق إلى شعوب وقبائل وأحزاب متناحرة .
وإنني أهيب عبر هذه المقالة بكل الفضائيات المسلمة والعربية المبادرة فورا لإجراء مسابقات غناء ومسرح وشعر وأفلام وثائقية تحكي كلها بكل هذه اللغات الفنية عن فاجعة مرور أربعين عاما على احتلال المسجد الأقصى ، سيما وان القدس الشريف والمسجد الأقصى أحق بهذا الجهد من برنامج "ستار أكاديمي" وأخواته ، وكم أتمنى على كل هذه الفضائيات أن تلزم نفسها بالحديث عن القدس الشريف والمسجد الأقصى في كل نشرة أخبار وفي اكبر قدر ممكن من سائر برامجها ، فإذا ألزمت كل هذه الفضائيات نفسها للحديث اليومي في كل نشرة أخبار عن بورصة الذهب والفضة والنفط وسائر المشاريع الاقتصادية وهذا ما لا غبار عليه ، فلتعلم كل هذه الفضائيات أن للكرامة بورصة ، وان بورصة كرامة الحاضر الإسلامي والعربي هي القدس والمسجد الأقصى .
وإنني أهيب بأهل الحل والعقد الرسمي والشعبي على صعيد الحاضر الإسلامي والعربي إلى عقد مهرجانات ومسيرات عالمية في اسطنبول أو في أي بديل آخر لإيقاظ الهمم وشد العزائم من جديد استعدادا وجاهزية لنصرة القدس الشريف والمسجد الأقصى .
وإنني أهيب بحملة كل الأقلام الشامخة لا المنحنية ، والصلبة لا المكسورة على صعيد الحاضر الإسلامي والعربي أن يتكرم كل منهم وان يكتب لنا مقالة تحت عنوان ( ماذا أقول بعد أربعين عاما على احتلال المسجد الأقصى) ثم أن يرسل لنا هذه المقالة على العنوان التالي مع اسمه الكامل mailto:moasst_aqsa@yahoo.comلأننا نطمع بإصدار كتاب بعنوان (ماذا أقول بعد أربعين عاما على احتلال المسجد الأقصى) يحكي عن وجع هذه الفاجعة ويدعو إلى محاسبة نفس صريحة وشفافة تخرجنا من داء الوهن وموقف المتفرجين عل هذه النكبة الكبرى.
وإنني أهيب بكل حر غيور من حاضرنا الإسلامي والعربي والفلسطيني أن نستثمر كل وسيلة إعلامية ممكنة للقيام بحملة إعلانية تتضمن توزيع ملصقات ذات أشكال وتعابير مختلفة وتعليق لافتات تحمل صرخات الدعوة إلى اليقظة ورفع أعلام تَحْمل صورة القدس والأقصى وبث مقاطع إعلانية قصيرة في أكبر عدد ممكن من الفضائيات المسلمة والعربية بهدف أن تصب كل هذه الوسائل طامعة بإحياء النفوس على أوجاع هذه الفاجعة الكبرى .
وإنني أتمنى على الجميع تعميم مشروع قامت به الحركة الإسلامية قبل أسابيع تحت عنوان "أسبوع نصرة المسجد الأقصى " حيث اجتهدنا خلال هذا المشروع الوصول إلى كل بيت وكل فرد من أهلنا في الداخل الفلسطيني بهدف تعميق معرفة أهلنا بالمسجد الأقصى وتوعيتهم على خطورة ما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية في المسجد الأقصى وتعريفهم على فضائل القدس الشريف والمسجد الأقصى وحثهم على الرباط الدائم في رحاب المسجد الأقصى .
وإنني استثمر هذه المقالة لأناشد أهلنا في القدس الشريف بان يمدونا بقوة من اجل إنجاح مشروع ( رباط حمائل القدس الشريف في المسجد الأقصى) وفق ما شرحت عن هذا المشروع في مقالة سابقة نشرتها قبل أسبوع ، وأناشد أهلنا في الداخل الفلسطيني في النقب والمثلث والجليل والمدن الساحلية أن يمدونا بقوة وان يواصلوا رباطهم بالآلاف في المسجد الأقصى عبر مسيرة البيارق ، وبذلك ستلتقي جهود الأهل في الداخل الفلسطيني مع جهود الأهل في القدس الشريف ، ويواصلون من خلال هذا الالتقاء نصرة المسجد الأقصى يوميا ، والتصدي لكل صعلوك يحاول اقتحام المسجد الأقصى خصوصا في ساعات الصباح الباكر . وارى من المناسب أن ابشر أننا قد بدأنا بإجراء جولة في كل أحياء القدس الشريف ، وبدأنا بحث الأهل للانضمام إلى مشروع (رباط حمائل القدس الشريف في المسجد الأقصى ) فما وجدنا إلا كل ترحاب وتشجيع من الأهل في القدس الشريف خلال هذه الجولة ، لا بل إن بعض الأحياء قد باشرت بحشد رجالها ونسائها وكبارها وصغارها والرباط في رحاب المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح .
وأخيرا لا زلنا نؤكد انه لن يطول الزمان حتى يزول الاحتلال الإسرائيلي عن القدس الشريف والمسجد الأقصى وحتى تصبح القدس الشريف عاصمة لخلافة إسلامية عالمية على منهاج النبوة تملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن مُلئت جورا وظلما .

الاثنين، 28 مايو 2007

سهام محارب


سِهام مُحارب
" قصةُ لَيْلَةِ حِلفٍ بين حاضرٍ وبادٍ ... تكشف الخلجات النفسية التي تقود حركة الحياة "

سَيّارة الدفع الرباعي تنهب الأرض نهبا ، في أرض مستوية بين جبال جرداء جنوب الرُّبْع الخالي من جزيرة العَرَب ، وسائقها الماهر " اُسامة الخفاجي " سكرتير " الراشد " يتطلع فاحصاً ما حوله ، رانياً نحو القِمَم ، يريد أن يفهم " حركة الحياة " كما أوصاه اُستاذه ، من خلال السياحة الواعية ، والإيغال في البراري ، والمغامرة ، وإبداع التعامل النفسي الرفيع مع خَلْق الله ، من صخرة ونبتةٍ وظبيٍ يُنبيه خَبرَ الفِطرة والأصالة البريئة من تلّوثٍ وتصَنُّعٍ وتكلّف ، وإذ هو في تسبيحه المستوعب يلمح شبح رجلٍ يتربع على صخرة كبيرة ، فيخفض سرعته لئلا يؤذي الرجل بغبار سيارته ، مستحضراً على الفور وصايا اُستاذه ، فلما أن قارب الصخرة وأشار بالسلام : إذا به يلحظ برُغمَ البُعد صورة " صناعة الحياة " والباب المفتوح القديم المطل على ساحة الحضارة ، فضغط على الكابح فورا ، ووقف غيرَ مُصدِّق ..

ـ أأنا واهمٌ ، أم في حُلمٍ ، أم في حقيقة ؟
في الصحراء ، بين جبال عُمان ... تصنع الحياة ! !
من هذا الذي يُنافسني في الخير في أرض الأحقاف يقتفي آثار هُود ؟
ـ السلام عليكم أيها البدوي الذي يصنع الحياة !
وعلى تلميذ الراشد السلام ! تعال استرح .
ـ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، أأنتَ من جنّ عُمان الذين نسمع عنهم ، أم أنت ساحر ؟ كيف عرفتني ؟
ـ وهنا يتراجع أسامة إلى الوراء بحذر ، ويستولي عليه خوف شديد ، وتتسارع نبضات قلبه ، ويعود إلى مقعد سيارته لينجو من المأزق .. فيبتسم البدوي .
ـ عُذ بالله ، لا تخف ، قل بسم الله واقترب ، أنا إنسي مثلك ، وأنا أخوك في الدعوة إلى الله ، وشريكك في فهم مُراد الراشد !
ـ بسم الله ، لكن كيف عرفتني ؟
ـ عرفتك بالذوقيات التي تلتزمها ! !
- كيف ؟ وما هي ؟
- حين اقتربت بسيارتك : أبطأتَ جداً ، لئلا يؤذيني الغبار المتطاير ، وذلك ذوق رفيع منقرض لا يفعله غير سائق قرأ رسائل العين والتقرير الميداني وتلمذ للراشد !
- فهدأ أسامة ، واطمأن ، وشرع يتعوذ بالله ، وينزل ، ويتقدم ، ويقوم له البدوي مُصافحا ، وكأن صداقة عريقة تربطهما ، أو بينهما وشائج اُخُوّةٍ كأنها مِصرية في عمقها .
- وما أخبار الراشد في محنته العراقية ؟ وكيف هو ؟
- مسكين ، قد أرهقه التعب والقلق وقِلّة من يفهمه ، وقد أطْلقَ المبتدأ ، وطال انتظاره للخبر ! !
- لا حول ولا قوة إلا بالله .
- وهو يُحدثنا اليوم في مجالسه في مركز المسار بنبأ النُبوّات التي خذلتها أقوامها ، كأنه يعني الإسقاط على حاله، وكأنه مؤذنٌ قد صَحِل صوته من علو النبرة والمدود ، ثم لا يجد في صف الصلاة كثير عدد ، مع خللٍ واعوجاج .
- آمنتُ بالله .. أفما تكون منك تسلية له ؟
- نعم .. سلوته في الجهاد العراقي ، وبه ما زال مرفوع الرأس ، وذبذبات الأمل تغريه .

- الحمد لله .. ذلك الظن به .
- دعني أروي لك نادرة من الفكاهة حدثني بها أبو نور بالسند العالي عن أبي أحمد عن نبيلٍ ببغداد قال : أثقلتني الهموم ومناظر القتول ومحنة أهل السُنة والجماعة في العراق ، وأوهام خوارج العراق الجُدد الذين يتهمون بالكفر مَن يتصدى لرفد الجهاد بمشاركة سياسية تقلّل الشرور ولعلهم يقتلونه عدواناً وجهلاً بالتخطيط والمناورة ، فخرجتُ إلى شاطئ دجلة لعلّ نسياناً يعتريني فيلهيني عن الآلام ساعة ، فوجدت قارورة ، ففتحتها ، فخرج عفريتٌ من الجِنّ .
- يعني مثلي ، هو ابن عمي .
- فضحكا ، حتى أثملتْهُما رقائق الانبساط وزوال الكُلفة ، كأنهما تداولا علاقات القلوب أباً عن جَدّ .
- قال النبيل : فقال الجنّي : لبيك ، اطلبْ ، عبدٌ بين يديك ! !
- سئمتُ عيشَ العراق ، حيث الطائفية والعدوان بعد دهرٍ من الحروب والحصار ، فاصنع لي أيها الجِنّي جِسراً أعبرُ عليه من بغداد إلى الصين ، فلربما أجد هناك أمناً وسَعة !
- نعم ؟ تورطتُ فقلتُ لك : اطلب ما شئتَ !؟ لكن يُفهم الكلام بالإنصاف، هذا شيءٌ صعب ، فاطلب ما هو أخفّ عليّ.
- طيب : اجمع لي عشرة من أهل العراق عُقلاء اُشاورهم في مستقبل العراق ، وأسبق بهم أصحاب الدراسات في استشراف المستقبل .
- قال الجني : أفندم ، مولاي : كم طابقاً تريدُ جسرك إلى الصين ؟
- فضحك جنّي عُمان حتى استلقى على قفاه .

فقال أسامة :
- ضحكتك تذكرني بسماحة أهل العلم ، فقد روى لي الراشد قال : كنتُ جالساً في ظل حديقة دار شيخ الكُتُبيين زهير الشاويش بالأشرفية ببيروت أحاور شيخ السلفية محمد ناصر الدين الألباني ، وفي الحديقة مُهرٌ أهداه مُحبٌ لزهير ، فأراد رجل كلّفه زهير أن يروّضه ، فجمح به وألقاه ، فسقط وتكشّف ، فضحك الألباني ، حتى استلقى على قفاه ، ويريد لنفسه أن تهدأ فلا يستطيع .
- نعم ، هكذا أهل العلم ، ولستُ مع العُبوس .
- عفواً : أنساني الفرح بلقائك عن السؤال عن اسمك .
- أنا محارب بن قيس الحِمْيَري .
- وأنا أسامة الخفاجي ، سكرتير الراشد .
- سُبحان الله : إن خفاجة أولاد عم عُبادة الذين منهم بنو عِزّ الذين منهم الراشد ، وترجعون إلى قيس عيلان ثمّ إلى مُضر ، وهناك من ينسبني قيسياً ، فنكون الثلاثة تجمعنا القربى .
- سبحان الله ، وتلك وشيجة تؤكد وشائج الإيمان الذي يجمعنا .

- لكن : ما الذي جاء بك إلى هذا القفر البعيد ؟
- روح المغامرة ، وابتغاء تقوية النفس ، وتحريك الإبداع ، وتنمية العقل ، وإتاحة التسبيح للقلب إذا رأى غرائب الخلق ، وأنا تلميذ الراشد ، وهو يحثنا على السياحة المنهجية الواعية ، ويروي لنا فقه الرازي في تحبيذها ، فقطعتُ سبعَ صحراوات بسيارتي هذه ذات الدفع الرُباعي ، وكأنّ نصف نجاحي قد تحقق برؤيتك ، وأنا في طريقي إلى " صلالة " ثم إلى اليمن ، ومنها أصعد إلى مكة موسم الحج ، ثم أرجع إلى العراق أقصّ لهم القصص .
- ما شاء الله ، رَبّ تمّم بكل خير .
- سياحتي ليست غريبة ، إنما الغرابة في أمرك : أن تكونَ في الصحراء ، بين الجبال ، وحيدا .
- كلا ، لستُ فريداً ، بل معي أهلي وعيالي خلف ذاك الجبل ، وأنا مهندس ، ومتخرج من أميركا ، وأعرف دروب صناعة الحياة ، ونبَضات حركتها ، وفقه الراشد هو الذي أخرجني إلى هنا ، كما أخرجك ، وأنا نذيرٌ للأمة ، لكن من خلال منظري الصامت ، لعلّ جيل المسلمين يَقْتَدي ! !

- كيف رحمك الله ؟
- مَرّةً قال لنا الراشد في دروسه أنه لما كان صبياً : كان له شقيق يضع بين يديه مجلة " الأنصار " لعبد القادر حمزة نقيب الصحفيين بمصر ، قبل ستين سنة ، ويطلب منه أن يطالعها ، وهو والد كريمان حمزة الإعلامية المعروفة في التلفزيون المصري والأولى التي ارتدت الحجاب في الوسط الإعلامي ، وقد رَصَدَ حمزةُ نفسَه عبر مجلته للنِذارة من خطر التغريب الغازي ، في الفكر والأخلاق والأذواق ، ورأى العصمة من ذلك إنما تكمن في العودة إلى البداوة والأصالة من أجل الحفاظ على مقوماتنا الشخصية ، وأنا قد درستُ في أميركا ، ورأيتُ تفاهة تربيتها وفكرها المادي ، فندبتُ نفسي لتحقيق أحلام حمزة ، واخترتُ الصحراء والصيد والقوسَ والنبال ، ترويجاً لأسلوب البداوة الأول ، وتصويراً للنقاء ، والمبالغة في البُعد عن التلوث بماديات الغرب ، واليوم إنما تريد أميركا من استعمارها للعراق أن تنشر فكرها ومناهجها التربوية قبل أن تكون طامعة بالنفط الذي تركتَه وراءك في العراق والخليج ، وأنا أريد أن أقوم بتفهيم المسلمين أشكال هذا الخطر .

- لكن يا أخي الهمام : هذا شعور طيب أظنه يتمثل بآلياتٍ خاطئة ، فإن الراشد واضح في دعوته إلى التربية من خلال دواليب الصناعة وصليل حديدها ، ووزّع الدعاة على ثنايا صناعة الحياة وثغراتها ، فلم يذكر فيها البداوة ، وآخر فقهه في رؤاه التخطيطية يدعو إلى التنمية الشاملة وجعلها شُغلاً دعوياً ، فكيف استنبطت الرجعة إلى البداوة ، وكيف اجتهدت خلاف اُصول الاجتهاد ، ولو صرنا في البادية فمَن يصاول العلمانية في الحواضر ؟ ومن يُبشر وينذر في ساحة السياسة ووراء الأروقة ؟
- بل أنا على هَدي الراشد وفهمه ، وأنا تابعٌ وفيّ ، وقد ذهبتَ بعيداً عن فهمِ مُرادي وأسلوبي وإبداعي ! بل سَنَدي يمر بابن الطلب الشنقيطي الذي أحيا سُنن الشمّاخ بن ضرار في الصيد بالقوس ! !

- كيف تتوافق مع الراشد وأنتَ على هذا النحو ؟
- لستُ أدعو إلى بداوة الدعاة ، لكني أرى أن تتمثل البداوة والصيد ورجفات الأقواس ورشقات السهام في شخص من الدعاة ، يجمع معاني الأصالة ، ويقوم منظره شاخصاً واعظاً مربياً ، والغزلان من حوله مضرّجات بدمائها ، فينتصب الشاهد الذاتي الرافض للميوعة والتطبيع ومخادعات السلام ، وتلك صنعة من فنون صناعة الحياة لابدّ أن يسوق لها القَدرُ أصيلا ، فكنتُ أنا السابق ، اُربّي بمنظري ، كما كان ذاك التابعي القديم الذي بنى صورة حصنٍ صغير وربطَ عنده فرسه ولبسَ درعه : يُحيي معنى الجهاد ويصنع دعاية للغزو ، فكان خطاً خلفياً لإسناد الخطوط الأمامية .
- معنىً عظيم في ربطِ الخَلف بالسلف ، والحاضر بالماضي ، ويدع المبدعَ يستمد من التراث ويبقى أصيلاً إذ هو يتجول في ميادين العلوم ، ويدرس فيزياء الكم ودقائق الذرّة بنفسية الشمّاخ الشامخة .. عظيم .
- الحمد لله أنك أسرعتَ فهمي .
- تربية الراشد .
- صدقت ، وإني لفي شوقٍ إليه .

- ولكن ما هذا العود الذي في يدك ؟
- غصنٌ من شجرة نبْعٍ استجودته في هذا الجبل ، أريد أن أبري منه قوساً جديدة ونِبالا ، فإن عيالي جياع ، وها هنا وراء ذلك الجبل غدير ماء ترده ظباء المها ، ولي ركن أتسلطُ منه عليها ، فما يخطؤها سَهمٌ إن شاء الله .
- ما شاء الله ، واقبل مني هذا الهاتف النقّال هدية ، فأنا أحمله احتياطاً ، وعليه رقم هاتفي الآخر ، فاتصل بي ، وليدم تشاورنا عبر الهواتف ، واسمح لي أن أغادر إلى صلالة فإني على موعد هناك .
- بل اصحبني إلى خيمتي لتناول العشاء .
- شكراً ، فالموعد يشغل بالي .
- إذاً إنّ صلالة على بُعد ساعة واحدة ، وإنك تصلها إن شاء الله قبل الغروب .
- فتعانقا ، وتواصيا ، وانطلق أسامة جنوبا .

وجلسَ مُحاربٌ على صخرته يفكر في هذا اللقاء القَدَري ، وإذا به يجد نفسَه أمضى عزماً وأعمق إصراراً على أن يقوم شاخصاً بين دعاة العالم يتجرد لمهمته الإبداعية في إحياء فقه البداوة وقنص المها ، وكأن الله ساق له من أرض العراق من يشهد لصواب مذهبه وتأويله ، فهو يعرف ما يُريد ، وغايته واضحة ، ومبتغاه أن يُحرك الحياة بذبذبات أوتار الأقواس ، على أنغام أزيز ريش السهام حين تهتز قاصدة أهدافها ، وإنما ذلك تمهيد لعلو التمني ، وإقرار لصفاء المعتَقَد ، وإظهار لتجريد الوجهة ، وتبسيط للوسيلة ، ورجوع إلى الفطرة ، ونقض لغرور العولمة وتبخترها ، وبراءة وطهارة من غبار الاختلاط بكافر ، ومفاصلة مع دعيٍّ وكاذب ، ثم هي خلوة تتيح الفكر الحر ، واستقلال الموقف .

وانطلاقاً من هذه الخلجات بدأ ينحت قوسه من غصن النبع الذي اختاره ، وقد مَلَك عليه القوسُ جميعَ نفسه واهتمامه ، فهاجت أشواقه ، ونمَتْ حاسة العِزّة فيه ، وامتلأ ثقة ، واعتداداً ، وأيقن أنه يملك المستقبل ، لأنه مع آلة الذود تصادِقُه وتصدّقُه ، وارتفعت وتيرة تصاعد العزم لديه ، فجرَت على لسانه أبيات شعرٍ لم يصبر أن ينفردَ بها ، فضغط على أزرار هاتفه ليتصل أول اتصال بأسامة ..
- أخي ، ما عُدتُ أصبر على حبس المعاني في صدري ، فاسمع ترانيمي ..
يا رَبّ سدِّدني لنحتِ قوسي
فإنها من لّذّتي لنفسي
وانفع بقوسي وَلَدي وعِرْسي
أنحَتُ صَفراءَ كلونِ الوَرْسِ
كَبْداء ليسَت كالقِسِيّ النُكسِ

- الله .. لقد هزَزتَ أوتار قلبي ، وأثرتَ كوامنَ عقلي ، وأيقظتَ في داخلي فقهاً تعاهدنا عليه يحدونا نحو الاستعداد ، وقياس موقعنا من المحيط بالقوس ، وإنك أيها الميمون لعلى صراط مستقيم ، فإن الانحناء وشدّ الوَتر قانونان في توليد زخم الحركة وحفظ نبضها في المسار العدل ، وإنا لنمضي ، فإذا وجدنا مانعاً معترضاً : التففنا ، واستدرنا بزاوية الرُبع والثلث من أجلِ أن تستأنف الأرباع والأثلاث توغلها مستهدية بفقه الدائرة المنحنية الحانية الحريصة على ما تحوز في داخل محيطها ، وإنك يا محارب قد استرسلتَ معَ الفطرة ، وأحييت فقه الأقواس ، لتتيح لنا فهم المعادلة وجذورها الرياضية ، فاثبت على هذا الديدن ، وهذا تلقين لنا ، وإقرار منك ، وتحفيز ، وتوكيد ، ودفع في طريق فهم حركة الحياة عبر إسقاط قوانينها الكلية على ظواهرها الجزئية ، واستنباط المعاني من خلال رؤية العلاقات بين الأجزاء ، ونحتك لعود النبع هو الأصل لحشد الإلقاءات النفسية الجياشة في قلب حرّ ينحت منطق الاستبداد بدلائل الحرية المندمجة بنزعة القوة .

- وينتشي " محارب " ، وتأخذه هِزة ما عرف مثلها من قبل ، ولا ذاقها ولا توقعها ، وامتلأ يقيناً أنه على الدرب ، وتَحمِلُه نشوته على أن يمد يده إلى بقايا عود النبع ، فبرى منها بشفرته خمسة أسهمٍ بديعة أعجبته ، وهَمَس جمالُها في سمعه بمعنى ردفته المعاني ، وغرست رشاقتها في قلبه نبعاً يانعاً يمنحه نقلةً واثقة نحو المستقبل ، فتزاحمت القوافي على فيه ، والتقط هاتفه ..
- أخي .. لو كنتَ معي لرأيتَ هيبة أسهمٍ خمسةٍ اقْتَرَفَتْها أناملي ، فاسمعْ وصفها وقولي فيها ..

هُنّ ورَبّي : أسهمٌ حِسانُ
يَلَذُّ للرّمي بها .. البنانُ
كأنما قَوّمها ... ميزانُ
فأبشروا بالخِصبِ يا صِبيانُ
- أحسنت ، زادك الله فصاحة ..
إني استطيع تمييز ما يختلج في صدرك ..
إنها أثقال الوعي ، وضرائب الفهم ..
ستُقلقُكَ خواطرك وتنفضك ..
لكنها ترسو بك إلى مُستقَرّ ..
إنها حيصة إبداع الأسير .. حين يبحث عن مَخْرَج ..
وآمال الكسير .. حين يحتاج الركض ..
وسَعة الحثّ .. إزاء ضيق اللبث ..
ونحن نَدري صفةَ عملنا ... ونداري ..
خُططٌ حِسان ... صاغها فِكرٌ منهجي ..
ورَمياتٌ نفسية .. تنطلق تتْرَى ..
ذاتُ أساليب .. نوَّعتها الألوان ..
وصقلتها تجارب .. بعد إذ أحكمها ميزان ..
لذلك ... لمعت البشائر ..
فإن المستقبل الواعد وليد صواب البداية ..

- فكاد قلبُ " محارب " أن يرفرفَ مع هذه الإشارات ، واستبدّ به زهو ، فحمَلَ أقواسه ، واتخذ له موقعاً كميناً مستوراً في سفح الجبل عند موضع ورد ظباء المها ، حتى أرخى الليل ستوره وكان الظلام ، وساد السكون ، فبدأ وقع الحوافر يطرق سَمعه ، وكتم أنفاسه ، تمكيناً لها أن تطمئن وتأمن ، وهو من شدة العَتَمَة لا يرى حتى أشباحهن ، إنما هو الصوتُ فقط ، وجَلَبةٌ خفيفة ..
شدّ محارب الوَتر ، وسمّى بسم الله ، وأطلق ..
فكان الحَفيف أفخمَ نغمٍ لديه ..
ومَدّ عُنُقَه يتتبع ..
فأورى سهمُه في أحجار الصوّان نارا ..
فكانت الصدمة في دواخله أعتى من صدمة النصل بالحَجَر ..
ربّاه .. أخطأت الهدف وأنا الماهر وحليفي الإتقان ..
- : أسامة .. اسمعني .. طاشَ النَبْلُ الأول فلم اُصب ..
أسامة .. ماذا ترى .. ذهب خُمسُ ترتيبي ..
تبدّد خُمس أملي .. اضطربتْ معنويتي ..


أعوذ بالمُهيمِنِ ... الرحمنِ
من نكَدِ الجَدّ مع الحرمانِ
ما لي رأيتُ السهمَ في الصوّانِ
يُوري شَرار النارِ كالعِقيانِ
أَخلفَ ظنّي .. ورَجا الصِبيانِ

أفتني يا أسامة .. خسِرت جولتي الأولى ..
إنه نكَد الحظّ وقَدَر الحرمان .. أم ماذا ؟
- كن حَسَن الظنّ بالله يا محارب ..
لستَ الأوحدَ يواجه الحَيْرة ..
نحن بالعراق أحكمناها ، وظننا أننا استوفينا ..
فجاءت رياح .. مَزّقت الشراع ..
ولئن كنتَ رميتَ فأوريتَ ناراً فيها سَلوة .. وتومي إلى ضياء .. إنّا رَمينا .. ودَقّقنا الحساب .. فارتدّ ظلاما .. ينشر الأحزان ..
وإن كنت في حَيرة .. فنحنُ في متاهة ..
سفينتنا فيها سَبعةُ ربابنة .. يأكلهم القِرش الكوسج الأسود ، وهم في غفلةٍ مُعرضون ..
وفي آفاقنا جيلٌ هائِم .. وقاعدةٌ عائمةٌ قاعدة تترسب .. تلوكُ القول .. وتخذل المتصدي ..
إنما نحن رجال الوَسَط .. نأبى اليأس .. ونصاول .. فكن معنا على درب المثابرة .. وحاول ..

- فيستأنف محارب .. ويُعاند الإحباط الطارئ ، وينتظر ورود قطيعٍ آخر من المها بعد أن أجفلَ سَهمُه البِكرُ أولَ قطيع ، حتى إذا كان الهدوء كان وقع الحوافر يزداد ..
وإذ هُنّ يَكرعْنَ : رَنّ سهمُه الثاني ..
وإذا بالقدحة توزّع الشرر ..
وإذا بقلب محارب يتوزع ..
- يا أسامة .. أهي خَيبةٌ تظلمني ثانية فتقدح الصَّوّان ؟
أم هو ذنبٌ وراء الإخفاق ؟ لست أدري ! !
أعوذ بالرحمن من شرّ القَدَرْ ! !
أاُمْغِطُ السهمَ لإرهاق الضَرر ؟
أم ذاكَ من سوء احتمالٍ ونظرْ ؟
أم ليسَ يُغني حَذَرٌ عند قَدَرْ ؟

يا أسامة .. قد استوفيتُ استفتاء نظرية الاحتمال وأحطتُ بخبر استشراف المستقبل ، واكتلتُ من النَظر التخطيطي ، أفهو القَدَر أغلب ؟ أم تلزمني سرعة الرشق بالسهم والمبالغة في الإمغاط ؟
أجبني .. أو أمزّقُ ثوبي .. ! !
- كنْ رابط الجأش وارفع راية الأملِ ... قالها الوليد ...
رويدك .. فإنّ الحُسنى توشك أن تُنيلَ صاحِبَها إذا اتأدْ .. !
نحن في العراق قد استأنفنا بَعدَ العثرة ..
واتهمنا أنفسنا .. واستغفرنا .. وأنبنا ..
وكان في الأول مِنّا تأويلٌ ... فرجعنا إلى الظاهرية ..
واعترانا ذهول .. فالتزمْنا التحديد ...
وقَبلُ ارتجلنا .. فخرجنا إلى تخطيط .. من بعد ..
وحسُنت أخلاقنا .. وتفانينا .. وأنكرنا ذواتنا ..
لكنّ أهلنا كذّبونا .. وخذلونا .. ولاكت ألسنتُهم الفِرية بعد الفِرية ..
ربّاهم الظالم على خنوع .. واستخفهم فأطاعوه وقلّدوا ظُلْمَه .. فطاشوا في الولاء ..
لكننا نظرْنا ، فكان تشخيصنا للأمر : أنهم يحتاجون تربية ..
فأهدرنا سُمعتَنا .. وحقوقَنا ، وبدأنا نصطفي ... ونرَبّي الناس .. يُصلّون خَلفَنا ... ويصوّتون لغيرنا ..
لكننا نوينا الصبر .. لأننا نريد الجنة ، وسنبقى نستخلص من ذرياتهم مَن هو أنقى منهم .. واقرب إلى الإنصاف ..
فاصبر .. وصاول ..
- ويصبر محارب .. فإنها ليست إلا ساعة من ظلام .. ثم أصداء الحوافر تدفع أصابع يُمناه ليمسك بالسهم الثالث ، واستمكن وأرسل ، فإذا بقَدْحةٍ وشَررٍ يُعيد شرّ الإحباط ..
- يا أسامة .. أين أنت ؟ أما زِلتَ في عُمان ؟
تركتني وحيداً ... وتزعم أنك تجمع أجزاء حركة الحياة ..
عالج سكوني .. وسكوتي .. قبل جَسّ النَبَضات .. !
يا أسامة ..
ما بالُ سَهمي يُظهِرُ الحُباحِبا ؟
قد كنتُ أرجو أن يكونَ صائبا
إذا أمكنَ الظبْيُ وأبدى جانبا
فصار رأيي فيه رأياً كاذبا ! !

يا أسامة .. سل أبناءك .. أيجدون في الفطرة التي هم عليها تفسيراً بعد إذ خَذلَنا وعيُك ! ! وقد زعم الراشد .. وزعم .. فتابعناه.. أفما يكون على وَهْم ؟ أخبرني.. وإلا كفرتُ بالبداوة.. وأذهب أتطاول في البُنيان !!
- كلا يا حبيبي .. بل أنتَ المؤمن يا محارب ..
وليسَ مِن وَهم .. لكنها وطأة الهَمّ ..
مُذ أتانا ونادى في مسجد أبي حنيفة ... كان الرأي صادقا .. ! لكنها هجرةُ الناس خذلتنا لمّا أرهَقَهم الكيدُ الشعوبي ..
فلا تتطاول يا أخي .. بل امتدّ على سَنَن التنمية والرؤى الجديدة ..
وأما انحراف نبلك .. فلعلّه بسبب شدة الظلام ..
وما أرى اتهَام نفسِك .. فإنك على ذخيرة من الدين والأخلاق والمروءة ... ولي شاهدٌ من نبلك ..

اسمع يا أخي ..
الناس على وعي .. وكل لسان يلوك أمر السياسة ، لكنه الإيمان أصبح عُرفياً هامشياً لا يستمد من موازين القرآن ..
إنها تربية الفضائيات طغت على تربية المساجد ..
الناس تخذل المصلحين ..
الناس تهاجر ، وتترك بغداد للشعوبية ..
وعاةٌ .. لكن لا يريدون التضحية .. وهَالهم القتل ..
لولا النفَر ، من مجاهد وحارس صامد أمين ..
فاصبر ... وتأوّل خيراً ..
وتعال اُصارحك .. لماذا تجفلك قَدحةُ النصل ؟
أنت تراها شرَراً ..
وأنا أراها .. لمعةً .. وومضةً .. ووَعداً ... وبشرى !
- ويتوب محاربٌ .. إنه كان أوّابا ..
ويُرسل سَهمَه الرابع .. لكنها .. القَدحة !
واهاً .. واها ..
إني لشؤمي ، وشقائي ونكَدْ
قدْ شَفَّ مِني ما أرى حَرُّ الكبدْ
أخْلَفَ ما أرجُو لأهلي وولدْ

ويريد أن يُبلّغها لأسامة ويطلب نصيحته ، ولكن يبدو أن أسامة كان قد غادر " صلالة " نحو اليَمَن وانقطع الاتصال وتجاوز مجال التغطية والبثّ ..
وتحدثه نفسُه ، فيجد رصيداً من مواعظ أسامة يحمله على أن يجرّب سهمه الأخير الخامس ..
هل بقيَ أمري مُعلقاً بهذا العود النحيف الحائر الذي يزيده استفهامي نحتاً ويقعد به إحباطي ..
لأرسله يلحق بإخوانه ..
فإن كان ... وإلا فإنّ يأساً جديداً لن يجدَ محلاً له في قلبي فارغاً محجوزاً ينتظره ... لقد انتهيت .. فليكن ما يكن ..
ومضى السهم .. ورَنينُ مروقه يخرق السكون ..
الله .. الله .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
هي القدحة مرة خامسة ..
ويتناول هاتفه .. لكنه الصمت ..
وحيدٌ مع الأحزان ... ولا سلوان ..

ويكلم نفسَه : تسافر الآن يا أسامة وأنا المحتاجُ إليك .. أهكذا الأقدار حين تجتمع وتتراكم وتحاصر الحيران ؟ ؟
أتجبَهُني نكبتان ؟ نكبةُ ضغط العدو عليّ ، ونكبةُ غياب الواعظ ووكيل الفِكر وأمين القصص ! !
لك الله يا قلبي الحار .. لك الله يا فؤادي الملذوع ..
أبعدَ خمسٍ قد حفظتُ عَدّها
أحْمِلُ قوسي واُريدُ رَدّها
أخزى إلهي لِيْنَها وشَدَّها
واللهِ لا تسلمُ عندي بعدَها
ولا اُرَجّي ما حَييتُ .. رِفْدَها

- ويتصاعد الغضبُ في نفس المحارب ، فيقوم واقفاً في الظلام ، وقد نفرت الظباء فلا يسمع إلاّ الأصداء المتناقصة من وقع حوافرها ، وقد خسرَ كلّ شيءٍ من عتاده وأمله ، وأصبح في موقف حرجٍ أمام عياله ، وأمام أسامة لو درى ، وأمام الأدب ، وأمام التاريخ ..
ثم انتابته حالة ضياع ..
فطفق يصيح وينادي بأعلى صوته ..
ويلي .. ويلي ...
يا ظباءُ لا تعودي .. كوني حُرّة ومُوتي عِطاشا ..
بل يا ظباءُ عودي .. فلن تجِدي رامياً ماهراً ..
لا تخافي .. أنا الفاشلُ التائه ..
إشربي .. أنا السِّلميُ الجبان ..
- وقبل أن تتلاشى أصداء صراخه بين الجبال : رفع قوسه بشماله ، وهوى به على الصخرة ، فكسَرَه وهشّمَه ، فاستحالَ شظايا .

وجلسَ " مُحارب " سانداً ظهره إلى الصخرة ، والوساوس تسيح به إلى اُفقٍ بعيد ، حتى استرخى ، فأخذته إغفاءة أطالها تعَب الانهيار ، فلم يوقظه غير تغريد طيرٍ قُبيل الشروق ، فقام مُسرعاً ، يريد الوضوء من غدير الظباء ليدرك الصلاة ..
- الله ... الله أكبر ... الله أكبر ...
ما هذا .. ؟ آمنت .. آمنت .. !
خمسٌ من المها مضرّجاتٍ بدمائها قد اخترقتها سِهامي .. أهذه قوةُ ساعدي قوّاها الله فأنفَذْتُ .. ؟
إنها رميات موفقات من قوسٍ صادق ... فصدّقها الله ..
لِزَخمها .. وإمغاطها .. وسرعتها : اخترقتْ رقاب المها ، وظهرت من جانبها الآخر ... فضربتِ الحَجَر .. فكانت القَدَحات ..
قَدحةٌ .... بعد ذِبحة ..

تلك هي حركة الحياة إذاً حين يتولاها الله بعد نشأتها الأولى ، فتكون البَرَكة ..
بسم الله .. بسم الله .. بسم الله ... بسم الله ... بسم الله .... والله أكبر .
- ويعود محارب إلى صخرته ، ويلتقط هاتفه ، ليخبر أسامة .
- نعم يا محارب ، الآن بدأ هاتفي يستلم ، وأنا داخل حدود اليمن ، لكن إياك والشكوى ..
يائسٌ يستشير مُحْبَطاً .. !
- كلا ، كلا يا أسامة .. إنها البُشرى إذ أنت في أطراف المُكَلاّ ..
- بشّركَ الله بخير ..
- لقد رميتُ بعدك ببقية أسهمي في الظلام ، فأذهلتني القدحات ، فتمّردَتْ نفسي وطاشت ، وأردت إخبارك فوجدتك في طريق السَفر بعيداً عن التغطية ، حتى ملكني اليأس ، فكسرتُ قوسي ، فلما كان الإسفار وجدتُ كلَّ سِهامي نافذة ، وخمساً من المها السِمان مضرجات بحمد الله ..
- ما شاء الله .. ما شاء الله .. عاشت يدك لتبري أقواساً غيرها وتقنص المزيد ..
وتلك قصةٌ حَرِيٌ بفقه الدعوة أن يدونها ..

- لكني أنا الآن التائب الندمان .
ندِمتُ ندامةً : لو أنّ نفسي
تطاوعني .. إذاً لبَترتُ خَمسِي
تبيّنَ لي سَذاجَ الرأي منّي
لعَمْرُ اللهِ حين كسرتُ قوْسي ! ! ( 1 )

- لكن من التجربة نتعلم ، وبعد عثرة الخطأ تكون نهضةُ الصواب .. واُريد أن اروي لك بقيةً من فقه الراشد ..
- كلا يا أسامة .. بل أنا الآن الواعظ، وقد صنعتُ الحياة ومارستُ ، ورجعتُ بنبأ يقين.. وأريد أن أبلغك رسالة إلى أهل العراق..
لقد صَدَقَتْ فِراستي ، فتعلمتُ من صَنعة البداوة ورياضة القنص أطرافاً من أخبار حركة الحياة ما كان لي أن أتلقنها لو لم يكن بشمالي قوسي وأسهمي بيميني ..
أرجع يا أسامة من اليمن إلى بغداد برسالتي ..
- قل لأهل بغداد أن محارب القيسي وَجَد قولَ الراشد حَقّا ، فحالفَ الخفاجي ، وخالفَ دُعاة الهزيمة ..
- قل لهم : إن محارباً هو البائن الكائن ..
بائنٌ عنهم بانزوائه في الصحراء يُعيد سُننَ الأوتار ، ويحاول إحياء فقه البداوة الأصيل ، نقضاً للعولمة ، وتمثيلاً للمعنى العتيد بين العالمين .
لكنه كائن معهم بقلبه وروحه وفِكره ، يرتاد لهم ، ويُثري الفقه القيادي ..
- قُل لهم .. هو الغائب الحاضر ..
وأنتَ حَضري .. وأنا بَدَويّ .. لكنّ الدعوة صهرتْ شخصيتَينا معاً فامتزجَتا ، وصيغت الأصالة مُندمجةً مع فقه التخطيط الطارِف الجديد ..
- قُل لهم : إنّ السهمَ جِرمٌ صغير ، إنما فيه انطوى العالمُ الأكبرُ ..
- قل لأهل بغداد وقُرى دجلة والفرات : إنّ سهامَكم نافذة ، وقد قَدَحت بعد أن ذبحتْ ، لكن التعتيم الإعلامي هو الذي يُغطّي الحقيقة والخبر ..
- قُل لهم : لا يسْتفزَّنكم الذين لا يوقنون ..
إن سهامكم الأولى أثخنتْ في جيش الاحتلال الأميركي ..
وأنتم حلقة الوصل الحاضر في سَند الجهاد العالي بين سلفٍ كريم .. وجيلٍ مستقبليٍ يواصل ..
وإنّ سهامكم الأخرى هي التي ستفهمها الشعوبية ..
- قل لأهل العراق :
إنّ ربّاً عزيزاً ألهَمَ مُحارباً البَدوي نحتَ وبَرْيَ الأقواس والسِهام ، وهو يريد أن ينقلها ... للأبرياء ..

- وقل لدعاة الإسلام في العراق :
أنتم تفتحون الفتوح ، ولكنّ النتائجَ تتأخر ، وطريق الجهادِ طويل ، والسياسةُ جزءٌ منه ، فلا يحملنكم تكذيب الجاهل والمستعجِل على أن تركنوا ليأسٍ وإحباط ، فإنكم تتخذون من التخطيط الشمولي وسيلة ، ومن الرؤية الإستراتيجية سَلوة ، والبناءُ من شأنه احتياجُ الوقت ، والهدمُ سهل ، والإرجاف مفضوح ، وإنّ يداً تتقدم إليكم بغدرٍ واغتيالٍ لهي يدٌ توشكُ أن تشَل ، فإنكم على طريق الهداية ، وقد جمعتم بين الحُسنيين والجهادَين : جهادَ الرميِّ .. وجهادَ الرأيِّ والحُجَّة والسياسة والمنافسة والتدبير والكلمة الصادقة في يوم الكذب ، والشعار المستقل في ساحة الاختلاط ..
- ويا أسامة .. قُل للجميعِ .. إن الشهادةَ منحة ..
وإنّ سقوط " عايد جبر العيساوي " و " مهند الغريري " هو علامة الصعود


****************

مقال للشيخ / محمد أحمد الراشد على موقعه www.alrewak.net