الخميس، 30 أغسطس 2007

جول رئيساً لتركيا.. ها قد عدنا يا أتاتورك



في عام 1924 قام "مصطفى كمال أتاتورك" بإلغاء الخلافة الإسلامية وتحويل تركيا إلى قلعة للعلمانية، وفرَضَ نظاما صارما – يدعمه الجيش والدستور - لوقف ومصادرة كل ما هو إسلامي في البلاد، واستمر في ترسيخ ذلك النظام حتى موته عام 1938م.


وبدلا من أن تكون العلمانية أسلوبا لفصل الدين عن الدولة، حولها أتاتورك لممارسات تمثل حربا من الدولة على الدين، إلا أن التاريخ أبا إلا أن يؤكد أن الشعوب إذا مالت للخيار الإسلامي فلا مجال لتنحية إرادتها، فها هو وزير الخارجية التركي السابق "عبد الله جول" والمنتمي لحزب العدالة والتنمية – ذو الجذور الإسلامية – يتولى رئاسة تركيا لتدخل زوجته المحجبة وتعيش في قصر أتاتورك نفسه، وكأن الإسلاميين يصرخون بلسان الحال "ها قد عدنا يا أتاتورك".وحسب استطلاعات أشرفت عليها مؤسسات أوروبية، فإن 65% من الأتراك متدينون يمارسون فرائض

الإسلام ، وذات النسبة تقريبا من النساء محجبات، مما يفسر الاكتساح الذي حققه الإسلاميون في الانتخابات الأخيرة.



اتهام وتبرير: وبالرغم من اتهام حزب العدالة والتنمية بأنه لا يملك أجندة إسلامية حقيقية بعد أن أعلن أنه لا يعتزم تطبيق الشريعة الإسلامية وأنه يؤيد العلمانية. إلا أن المراقبين يؤكدون أنه يلتزم نوعا من البرجماتية التي تبدوا ضرورية في دولة مثل تركيا. ونحن إذ نعزو تمكن الإسلاميين من حكم تركيا ، لا يمكننا إغفال العامل الاقتصادي الذي دعم كثيرا موقفهم ، وأضعف من موقف الأحزاب العلمانية التي فشلت فيما سبق في ترسيخ مناخ اقتصادي قوي، لذلك خذلتهم الجماهير عند الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. إنّها بدهيّة في السّياسة أنّك لا يمكن ضمان نتائج الإنتخابات في ظل انكماش اقتصاديّ يؤثر في بطون الشعوب قبل أن يؤثر في عقلها.



النضال السياسي للإسلاميين: قبل التحدث عن النضال السياسي للإسلاميين في تركيا يجب أن نذكر أن التيارات والتوجهات الرئيسية حافظت على وجودها في الحياة السياسية التركية على الدوام وإن تغيرت أسماء الأحزاب التي مثلتها. فنحن نرى أن وسط اليمين الذي كان يمثله في البداية الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندرس استمر في خط مستقيم عبر حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرل وتلاه حزب الوطن الأم بزعامة تورغوط أوزال في

الثمانينيات وحزب الطريق القويم في التسعينيات.


ونجد أن وسط اليسار احتفظ بوجوده عبر حزب الشعب الجمهوري في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولما تم حظره بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 حلت محله أحزاب يسارية أخرى أهمها حزب الشعب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري مرة أخرى. أما الحركة السياسية الإسلامية التي بدأت مسيرتها بزعامة نجم الدين أربكان بحزب النظام الوطني فقد واصلت طريقها بحزب السلامة الوطني ثم حزب الرفاه الإسلامي ثم حزب الفضيلة الذي تمخض عنه حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة.


كما واصلت الحركة القومية وجودها تحت أسماء مختلفة مثل حزب الحركة القومية وحزب العمل القومي وحزب الاتحاد الكبير. وهذه التيارات هي التيارات الأربعة التي تقوم عليها السياسة التركية والتي تعكس توجهات الشعب التركي. وكان أول ظهور لأشخاص ذوي توجه إسلامي في السياسة التركية في عام 1945 عندما شهدت الساحة السياسية التركية خروج أربعة نواب على قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته السيئة. كان هؤلاء الأربعة هم عدنان مندرس وجلال بيار وفؤاد كوبرولو ورفيق قورالتان وبعد أن تم إخراجهم من الحزب أعلنوا تشكيل حزب جديد أسموه الحزب الديمقراطي (DP) وانتخبوا عدنان مندرس زعيما له، ليصبح فيما بعد أول رئيس للوزراء ذو توجه إسلامي . وتربع رئيس الوزراء عدنان مندرس في قلب الشعب عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم. أثارت شعبية مندرس وإنجازاته وتوسيعه لدائرة الحريات الدينية حفيظة الأوساط المعادية للإسلام والتي تعتمد القوة في حل مشاكلها، وفي صباح 27 مايو 1960 سمع الشعب التركي من الإذاعة صوت العقيد ألب أرسلان تركش يعلن وضع القوات المسلحة يدها على الحكم.



كان هذا بداية الانقلابات العسكرية التي اعتادت بعد ذلك تعطيل الحياة الديمقراطية التركية كل عشرة أعوام. وأغلقت القيادة العسكرية الحزب الديمقراطي وألقت القبض على رئيس الوزراء عدنان مندرس ورئيس الجمهورية جلال بيار ورفاقه، وأرسل بهم إلى السجن. وفي اليوم التالي تم إعدام رئيس الوزراء عدنان مندرس. وفي عام 1970 شكل الزعيم الإسلامي "نجم الدين أربكان" حزب النظام الوطني ، لكن محكمة الدستور أصدرت حكما بإغلاقه بدعوى توجهه الإسلامي ومعارضته للنظام العلماني ونيته إقامة دولة دينية.



فشكل أربكان حزبا آخر باسم حزب السلامة الوطني في 11 أكتوبر 1972. في عام 1980 وعندما أصدر الجيش قرارا بحل كافة الاحزاب وبما فيها حزب السلامة الوطني بزعامة نجم الدين اربكان وبراءة رئيس الحزب اربكان من التهم التي وجهت اليه، فقد قام بانشاء حزب تحت اسم حزب الرفاه عام 1983. وفي عام 1996 أصبح نجم الدين أربكان رئيسا للحكومة بعد أن انتصر حزبه في الانتخابات البرلمانية عام 1995، لكنه اضطر لمغادرة السلطة بعد سنة من تسلمه مهامه تحت ضغط العسكر وحل حزب الرفاه الذي يتزعمه في العام 1998.


عام 2002 تمكن حزب العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الإسلامي بالفوز في الانتخابات البرلمانية وتم تعيين "عبد الله جول" رئيسا للوزراء، بسبب منع "رجب طيب أردوغان" من ممارسة العمل السياسي في ذلك الوقت . وفي عام 2003 عين رجب طيب أردوغان زعيما لحزب العدالة والتنمية رئيسا للوزراء، وتحول جول لوزارة الخارجية. وأخيرا وبعد مساجلات واسعة من التيار العلماني المعارض لتولي إسلامي لرئاسة تركيا، دعا حزب العدالة والتنمية لانتخابات مبكرة ، تمكن بالفعل من اكتساحها ليشكل الحكومة بمفرده ويتمكن "عبد الله جول " من كسب منصب الرئاسة ودخول القصر الرئاسي وبيت مؤسس العلمانية في تركيا، ليطلق صيحتة المدوية "ها قد عدنا يا أتاتورك".


بقلم/ محمد مرسي
صحفي وباحث