الاثنين، 19 يناير 2009

أبو مصعب "سعيد صيام" في قافلة الشهداء


{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 169-172].
بعد خمسة عشر يومًا من استشهاد المجاهد نزار ريان استُشهد أبو مصعب "سعيد صيام"، الذي سيظل اسمه على مدى الدهر يُحلِّق في عنان السماء كأحد أبرز الذين خاضوا غمار الجهاد المقدس ضد العدو الصهيوني في أرض الرباط في غزة، وستظل ملامح وجهه الصقرية محفورة في أعين المقاومين والشعوب العربية والإسلامية، المتلهفة لقادة من أمثاله.
لقد قامت قوات العدو الصهيوني الغاشم بغارة نفذتها طائرات "إف 16" مساء الخميس (18 محرم 1430هـ، الموافق 15 يناير 2009م)، اليوم العشرون للهجوم على غزة الباسلة، استُشهد على إثرها سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية وابنه وشقيقه؛ وذلك من جراء صاروخ وقع على منزل شقيقه، الكائن في حي اليرموك بمدينة غزة الصامدة، استُشهد ليفضح الصمت العربي المريب، ويقدم الدليل على مواصلة المجاهدين في فلسطين دربهم الجهادي في كل وقت ومكان.
وقبل ذلك، كان قد نجا من قصف جوي صهيوني في يونية 2006م على مكتبه في خضم الهجوم على غزة، بعد اختطاف الجندي الصهيوني من قِبَل عناصر مقاتلة من كتائب عز الدين القسام.
"سعيد صيام"، الزعيم البارز وقائد القوة التنفيذية في حماس، الرجل الرئيس، وقائد الجناح العسكري، خمسون عامًا هي كل حياته، قضاها الشيخ الوزير والنائب في المجلس التشريعي سعيد صيام في طاعة الله تعالى، حيث كانت حياته عامرة بالعطاء والجهاد والمقاومة وخدمة المواطنين الفلسطينيين، فقد وُلد الشهيد صيام في (22/7/1959م)، في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، وتعود أصوله إلى قرية "الجورة" قرب مدينة عسقلان المحتلة عام 1948م.
وقد تخرج الشيخ صيام عام 1980م في دار المعلمين برام الله، وحصل على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة، وتخرج فيها سنة 2000م، وحصل على بكالوريوس التربية الإسلامية.
عمل مدرسًا في مدارس وكالة الغوث الدولية بغزة من العام 1980م حتى نهاية العام 2003م، حيث ترك العمل بسبب مضايقات إدارة الوكالة على خلفية انتمائه السياسي.
كما عمل خطيبًا وإمامًا متطوعًا في مسجد اليرموك بغزة، وواعظًا وخطيبًا في العديد من مساجد قطاع غزة، أيضًا شارك في لجان الإصلاح التي شكلها الشيخ أحمد ياسين لحل النزاعات بين الناس، وذلك منذ مطلع انتفاضة الأقصى الأولى، وكان يعيش في حي الشيخ رضوان بغزة، ومتزوجًا وأبًا لستة من الأبناء.
شغل "سعيد صيام" عدة مناصب أهمها: عضو اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله في العام 1980م، وعضو اتحاد الموظفين العرب بوكالة الغوث لعدة دورات، ورئيس لجنة قطاع المعلمين لمدة 7 سنوات متتالية، وعضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل مع الشهيد المهندس "إسماعيل أبو شنب"، وعضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة، وممثل حركة "حماس" في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وهو عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقطاع غزة، ومسئول دائرة العلاقات الخارجية في الحركة.

في سجون الاحتلال


اعتُقل "سعيد صيام" من قِبَل الجيش الإسرائيلي أربع مرات خلال الأعوام 1989م – 1990م – 1991م – 1992م، ثم أُبعد إلى مرج الزهور بجنوب لبنان لمدة عام.
وفي عام 1995م اعتقله جهاز المخابرات العسكرية الفلسطيني على خلفية الانتماء السياسي لحماس، ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطة ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إثر تبني الحركتين لسلسلة من العمليات الفدائية في "إسرائيل".
وانتُخب صيام عضوًا للمجلس التشريعي عن كتلة "التغيير والإصلاح" عن قائمة حركة حماس في دائرة غزة في الانتخابات الأخيرة، والتي حصل فيها على أعلى أصوات الناخبين على مستوى الأراضي الفلسطينية، وفي عام 2006م تقلد صيام منصب وزير الداخلية والشئون المدنية في الحكومة الفلسطينية العاشرة.على الصعيد السياسي مثَّل أبو مصعب حركة حماس في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وكان عضو القيادة السياسية لحركة حماس في قطاع غزة؛ حيث تسلَّم دائرة العلاقات الخارجية في الحركة.
واعتُقل صيام من قِبل الجيش الصهيوني أربع مرات إداريًّا خلال الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في السابع من ديسمبر 1987م، ثم أُبعِدَ لمدة سنة إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م.وفي عام 1995م اعتقله جهاز المخابرات العسكرية الفلسطيني على خلفية الانتماء السياسي لحركة حماس ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنَّتها السلطة ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إثر تبنِّي الحركتين سلسلةً من العمليات الاستشهادية في الكيان الصهيوني.
خاض أبو مصعب غمار العمل السياسي من خلال الانتخابات التشريعية، ونال أعلى الأصوات في الانتخابات في غزة والضفة مجتمعتين، ثم تم اختياره وزيرًا للداخلية في الحكومة الفلسطينية العاشرة، التي شكَّلتها حركة حماس كأول حكومة تُشكِّلها بعد فوزها في المجلس التشريعي الفلسطيني في 3 يونيو 2006م، في إطار توسيع الحكومة وتعيين 6 وزراء جدد.
أسَّس أبو مصعب قوة داعمة للقوى الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة سُمِّيت بقوة الإنقاذ الوطنية "القوة التنفيذية"، وتعرَّض مكتبه لقصف جوي صهيوني في نهاية شهر يونيو 2006م، في خضم الهجمة الصهيونية على غزة بعد عملية اختطاف الجندي الصهيوني التي قام بها نشطاء من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس.
وفي آخر ظهور إعلامي له طالب سعيد صيام اللجنةَ الدولية للصليب الأحمر الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان بتحمل مسئولياتها تجاه حماية مقرات وأطقم الدفاع المدني، والطواقم الطبية في قطاع غزة.
وحيَّا صيام في بيانٍ ملتفزٍ مقتضبٍ العاملين في مجال الدفاع المدني، والأطقم الطبية في القطاع، الذي يتعرَّض لعملية عسكرية صهيونية مستمرة منذ أحد عشر يومًا.
وكان لصيام موقف واضح تجاه ما يحدث في غزة؛ حيث كان يشدد على أن حماس تنطلق من قناعةٍ مفادُها أنه بدون استعادة الوحدة الجغرافية والسياسية الفلسطينية؛ فإن الموقف الفلسطيني سيظل ضعيفًا، الأمر الذي يُلقي بظلاله السلبية على كل تحرك عربي وإسلامي لصالح القضية.
وكان يصرُّ على أن التهديد الحقيقي للأمن الداخلي الفلسطيني هو الاحتلال وعدوانه المتواصل، ويأتي بعد ذلك أدوات الاحتلال من العملاء والمُندسِّين، ثم بعض أصحاب الأجندة الخاصة، الذين يرون في مصالحهم الشخصية والفئوية هدفًا مقدَّمًا على مصلحة الوطن.
وكان يشدد على أن المقاومةَ حقٌّ مشروعٌ لشعبنا، مؤكدًا أنهم كحكومةٍ وُلدَت من رحم المقاومة، والدليل على ذلك حجم الضغوطات والتحديات والحصار الذي يحيط بهذه الحكومة.
وصيام كان مهندس التهدئة مع "إسرائيل" في 2008م، مؤمنًا أنها كانت انتصارًا لحماس؛ فهي المرة الأولى التي يعترف بها الاحتلال بالمقاومة، إلى جانب تسليمه بعدم قبول الشروط التي كان يضعها للتهدئة، بحسب تعبيره.
وكان من ضمن مخططات العرقلة التي واجهتها حكومة حماس عقب تشكلها وتوليها السلطة، السعي لزيادة حالة الفلتان الأمني والاضطراب من قِبل بعض الانقلابيين الساعيين لإسقاط الحكومة الشعبية؛ حتى يسهل الزعم بعجز حكومة حماس عن السيطرة على الأوضاع الأمنية، التي تمثل المشكلة الأكبر في الداخل الفلسطيني.
جاءت حالة الفلتان الأمني تزامنًا مع صمت مريب من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، والتي غضت طرفها عن حوادث الانفلات الأمني الذي يقوم بها منتسبون لها، إضافة لرفضها المستمر تنفيذ أوامر وزير الداخلية "سعيد صيام".
وفي ظل تلك الأوضاع لم تجد الحكومة الفلسطينية المنتخبة حلًا سوى تشكيل قوة جديدة أنشأها وزير الداخلية "سعيد صيام"، بعد تشكيل حماس للحكومة في مارس من العام 2006م، وأطلق عليها "القوة التنفيذية"، وكانت ذات تركيبة متعددة، حيث أعضاؤها من مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة، وفي يوم 17/5/2006م انتشرت "القوة التنفيذية" في شوارع المدن بهدف واضح، هو حفظ الأمن والنظام، والقيام بالدور المفقود الذي كان يُفترض أن تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، من فض للنزاعات، والمحافظة علی المؤسسات الحكومية والوطنية والإسلامية، وحفظ الأمن العام للمواطن الفلسطيني.
وعندما أصدر الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" قراره بعدم شرعية تلك القوة، صدر بيان من هيئة رئاسة الجهاز التشريعي أن المادة 69 الفقرة 7 من القانون الأساسي الفلسطيني، نصَّت على أن الأمن الداخلي من اختصاص مجلس الوزراء، كما نصت المادة رقم 3 من قانون الأمن رقم 8 عام 2005م على صلاحية وزير الداخلية لتشكيل أو استحداث أي قوة يراها مناسبة لمساندة الأجهزة الأمنية في حفظ النظام وفرض الأمن، كما أن المادة 69 من القانون الأساسي يمنح الوزير صلاحية تشكيل مثل هذه القوة.

عقلية عسكرية جبارة


وتصفه حركة حماس بالعقلية العسكرية الجبارة؛ حيث خطط لكثير من المراحل المهمة في تاريخ الحركة، ومزج بين الشق السياسي والعسكري، كما يصفه الكثيرون بذكائه الحاد، وقدرته على الخطابة بنبرات صوت مؤثرة، ويجمع الكثيرون على أن هدوءه سر قوته.
وفور سماع نبأ استشهاد الشيخ "سعيد صيام"؛ بدأت مكبرات الصوت في المساجد بنعي الشهيد القائد، وقالت: إنه لحق بإخوانه القادة الشهداء، الذين ارتقوا من قبل أمثال الشيخ أحمد ياسين، والدكتور الرنتيسي، وإبراهيم المقاومة، والمهندس إسماعيل أبو شنب، وجمال منصور، وجمال سليم، والشيخ صلاح شحادة، وأخيرًا الشهيد القائد الشيخ نزار ريان، الذي ارتقى هو الآخر في غارة مماثلة في الأول من الشهر الجاري.
ويُعد صيام رجلًا من الصف الأول في حركة حماس، وعضوًا في قيادتها السياسية، إضافةً إلى شغله موقع مسئول دائرة العلاقات الخارجية فيها، كما مثَّل حركته في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية في غزة. كما عُرف عن صيام مشاركته في لجان الإصلاح التي شكلها مؤسس حماس الشهيد أحمد ياسين في انتفاضة الأقصى، وسعيه الدءوب أثناء توليه وزارة الداخلية على زيارة ومشاورة وجهاء العشائر في عدد من القضايا الأمنية.

على قائمة الاغتيالات


بدأ اسم صيام يظهر في قوائم الاغتيال الصهيونية بعد اغتيال الدكتور الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين عام 2004م، وتصدر قوائم الاغتيال بعد توليه منصب وزير الداخلية وتشكيل القوة التنفيذية، ونشرت الصحافة العبرية اسمه ضمن 16 اسمًا مرشحة للاغتيال قبيل الحرب على غزة.
أثار صيام غضب حركة فتح وقياداتها حين عقد سلسلة مؤتمرات صحفية، كشف أثناءها عن وثائق قال إنها تثبت تورط قيادات في الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتجسس على دول عربية وإسلامية.
وما زاد التدهور في العلاقة مع حركة فتح؛ عقدُ سلسلة من المؤتمرات الصحيفة أعلن فيها عن تورط قيادات في حركة فتح في مخططات تفجير واغتيال في قطاع غزة بعد سيطرة حركته على القطاع.
وكان صيام أول من فجر قنبلة عدم الاعتراف بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد التاسع من يناير الجاري، وذلك في مؤتمر صحفي عقده في غزة يوم 22 يوليو الماضي، وأعلن فيه عدم التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيسًا للسلطة بعد انتهاء مدة رئاسته في التاسع من شهر يناير الجاري.

نعي حماس للشهيد سعيد صيام


قامت حماس بنعي الشهيد فور تأكد خبر استشهاده ومما جاء في نعيها:
تنعي حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى جماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية والإسلامية، القائدَ المجاهدَ سعيد صيام "أبو مصعب"، الذي استُشهد مساء اليوم "الخميس"، في غارةٍ صهيونيةٍ غادرةٍ استهدفته هو وابنه "محمد"، وشقيقه "إياد" وزوجة شقيقه.
رحم الله أبا مصعب وابنه وشقيقه، وتقبَّلهم في عليِّين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا. أبا مصعب، لقد التحقتَ بركب الشهداء القادة الذين سبقوك إلى العلا: الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، الدكتور إبراهيم المقادمة، المهندس إسماعيل أبو شنب، الشيخ صلاح شحادة، الشيخ جمال منصور، الشيخ جمال سليم، الشيخ نزار ريان، وغيرهم من القادة الكبار الذين اختاروا ذات الشوكة، فلقوا ربهم راضين مرضيِّين بإذنه تعالى.
إن حركةَ حماس إذ تنعي هذا القائد الكبير، فإنها تؤكد أنها ماضيةٌ في طريق المقاومة؛ دفاعًا عن أرضها المباركة وشعبها البطل، ونيابةً عن هذه الأمة العظيمة، وسيبقى قادتنا دائمًا في مقدمة الصفوف لا تُخيفهم التهديدات.نسأل الله أن يُلهمنا وأهلَ الشهيد وذويه جميل الصبر وحُسْنَ العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كما أكد محمد نزال ـ عضو المكتب السياسي لحركة حماس ـ أن دماء الشهيد سعيد صيام ستجد من ينتقم لها، وستكون لعنةً على أعدائنا، والمنافقين، والمثبطين، والعملاء، وكل مَن يُوالي العدو.
وأشار نزال إلى أن صيام واجه أعداء الله، ونذر نفسه في هذا الطريق الطويل الشاق؛ لينضم إلى إخوانه الكبار، الشيخ المؤسس أحمد ياسين، ود.عبدالعزيز الرنتيسي، وإبراهيم المقادمة، وصلاح شحادة، وإسماعيل أبو شنب، والشيخ جمال منصور، وعددٍ من القادة التنظيميين والتربويين والعسكريين.
وقال: إن هؤلاء الذين يتحدثون عن أن قادة حماس يتوارون، ها هو أحد قيادات حماس يرتقي إلى لقاءِ ربه لينضم إلى أخيه نزار ريان.
وشدد نزال على أن دماء الشهداء لن تفتَّ في عضد فصائل المقاومة التي تُقاتل بشراسةٍ وتُدافع عن شعبها، مشيرًا إلى أن اغتيال صيام يعدُّ رسالةً تقول إن العدو الصهيوني لا يعبأ بالسلام ولا وقف إطلاق النار ولا وقف العدوان، وأن هذه الدماء هي الطريق الوحيد إلى طريق النصر.
وألمح إلى أن حركة حماس تنظر إلى دم كلِّ فلسطيني على أنه طاهر قائلًا: القضية ليست سعيد صيام فحسب، ولكنها قضية كل المجاهدين وكل أبناء الشعب الفلسطيني.
وتوقَّع نزال أن يُستهدفَ من قِبل الصهاينة كلُّ مجاهد، وشدد على أن الحركة لا زالت على شروطها ومواقفها من أن وقف العدوان هو المطلب الأول ورفع الحصار وكسره، مشيرًا إلى أنها مطالب كل فصائل المقاومة. حقًا لقد فاق الإجرام كل التوقعات بعد أن تأكد الصهاينة أنهم اللاعب الوحيد في مجتمع دولي صامت، ونظام عربي متداع، بلبه ولبابه.
الله أكبر يا غزة....
اصرخي استغيثي بالأعزة...
ما عادت النفس تتحمل مذلة...
ما جاء سيف الله من خمارة...
وما أنجبته الليلة الحمراء...
والمقاومون وما أعز سيوفهم, هم للعقيدة عصبة وفداء...
من سورة الإسراء تبدأ رحلتي، وبدونها فكلماتي عرجاء.
-----------------
بقلم : أنس حسن

الشهيد الوزير سعيد صيام .. 50 عاما في طاعة الله والجهاد في سبيله


استشهد الشيخ سعيد صيام وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية وابنه وشقيقه في غارة صهيونية نفذتها طائرات "إف 16" الصهيونية مساء الخميس (15/1)، حينما قصفت بصاروخ واحد على الأقل منزل شقيقه الكائن في حي اليرموك بمدينة غزة، ما أدى لاستشهاد ثلاثة مواطنين على الأقل وإصابة أكثر من 30 آخرين.


نصف قرن من العطاء والتضحية


خمسون عاماً قضاها الشيخ الوزير والنائب في المجلس التشريعي سعيد صيام في طاعة الله تعالى، حيث كانت حياته حياة عامرة بالعطاء والجهاد والمقاومة وخدمة المواطنين الفلسطينيين، فقد ولد الشهيد صيام في (22/7/1959م)، في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، وتعود أصوله إلى قرية "الجورة" قرب مدينة عسقلان المحتلة عام 1948م، وقد تخرج الشيخ صيام عام 1980 في دار المعلمين برام الله وحصل على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة وتخرج منها سنة 2000م، وحصل على بكالوريوس التربية الإسلامية.


مدرس ورجل إصلاح


عمل الوزير الشهيد مدرساً في مدارس وكالة الغوث الدولية بغزة من العام 1980م، حتى نهاية العام 2003م، حيث ترك العمل بسبب مضايقات إدارة وكالة الغوث على خلفية انتمائه السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كما وعمل خطيباً وإماماً متطوعاً في مسجد اليرموك في مدينة غزة، وعمل كذلك واعظاً وخطيباً في العديد من مساجد قطاع غزة.
وشارك الشيخ الشهيد سعيد صيام في لجان الإصلاح التي شكلها الإمام الشهيد الشيخ أحمد ياسين، لحل النزاعات والشجارات بين الناس والمواطنين وذلك منذ مطلع الانتفاضة الأولى التي عرفت بـ "انتفاضة المساجد"، ويذكر أن الشيخ الشهيد صيام متزوج وأب لستة من الأبناء.


مناصب كلف بها الشهيد الوزير


وقد كلف الوزير الشهيد في حياته بالعديد من المناصب، فكان رئيساً للجنة قطاع المعلمين، وعضو اتحاد الموظفين العرب بوكالة الغوث الدولية، ومسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وعضو القيادة السياسية للحركة في قطاع غزة، كما عمل صيام عضواً في مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة، وعضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل، وفي العام 1980 كان صيام عضواً في اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله، وفي العام 2006م كلف بمنصب وزير الداخلية والشئون المدنية في الحكومة الفلسطينية العاشرة.


عضو في المجلس التشريعي


وقد انتخب الشهيد سعيد صيام عضو في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة "التغيير والإصلاح" ممثلة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حيث حصل على أعلى الأصوات في فلسطين، حيث حصل على 75880 صوتاً.


لحق بركب القيادة الشهداء


وفور سماع نبأ استشهاد الشيخ سعيد صيام وزير الداخلية والنائب في المجلس التشريعي بدأت مكابرات الصوت في المساجد بنعي الشهيد القائد، وقالت أنه لحق بإخوانه القادة الشهداء الذين ارتقوا من قبل أمثال الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي وإبراهيم المقاومة والمهندس إسماعيل أبو شنب وجمال منصور وجمال سليم والشيخ صلاح شحادة وأخيرا بالشهيد القائد الشيخ نزار ريان الذي ارتقى هو الآخر في غارة مماثلة استشهد هو و15 من أفراد بينهم نساؤه الأربعة.

رحمك الله شيخي نزار ريان


أول لقاء بشيخنا في منزل الدكتور سعود مختار بمدينة جدة فالشيخ نزل في ضيافة الدكتور وكان في ذلك اليوم ندوة عن واقع الأمة بها جمع الملقين تكلم الجميع ولم يشكل الأمر فرقا لكن عندما تكلم الشيخ كان هناك فرق ، تسمع كلمات العز و الإباء والصمود تصدر من رجل يعرف معانيها و ليس مجرد شخص يحفظها أو قرأها في كتاب ثم عاد وألقاها من جديد على طلابه .... لا الشيخ رجل مختلف لبس لامة الحرب وحمل السلاح ورابط على تخوم غزة وهو صاحب فكرة الدروع البشرية لحماية منازل القساميين التي يستهدفها الاحتلال بالقصف، واستشهد ابنه إبراهيم في عملية نوعية ، وابنه بلال شلت قدمه في قصف استهدفه في سيارة.


شيخنا من أوائل الذين نشئوا مع الشيخ ياسين في المجمع الإسلامي قال لي ذات مرة كان الشيخ يأخذنا ويطوف بنا في مساجد غزة لنلقي الكلمات على الناس ،، كنا نضع الرسائل والكتب التي حددها لنا الشيخ ياسين في شراب الكندرة لتعميتها عن اليهود ،، اعتقلنا معه مرات ومرات.


ذهبت به ذات يوم من الطائف إلى الرياض من اجل لقاء العلماء والدعاة ، كان بصحبته والدته رأيت من معاني البر وخدمة والدته معه في الطريق الكثير ، كانت معه ابنته الصغيرة عائشة كان يلاعبها ويلاطفها ويقول هذه أمي ، يمازح رفيقه معنا في السيارة الدكتور عطا الله أبو السبح، كل هذا أزال عني كثير من التخيلات بأني سألقى رجلاً صلباً جامداً كما هو حال غالب رجال غزة ، وفُتحت لي معه الكثير من الأبواب.


حدثني الشيخ عن المرحلة الجامعية التي قضاها في الرياض بجامعة الإمام وطلب أن يلتقي بشيخه(كما قال )العلامة عبد الرحمن البراك ، وطلب لقاء أستاذه الشيخ الدكتور خالد العجيمي ، طلب أيضا اللقاء بالشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف زميله في مرحلة الدراسة ، طلب أن يلتقي برجل استضافهم في داره في بداية قدومهم للدراسة ، كان شيخنا رجلا وفياً يصل أشياخه وإخوانه ويحفظ المعروف لأهله.


كان هدف الرحلة لقاء العلماء والنخب فقط ، طلب مني احد الإخوة مرارا وتكرارا أن يلتقوا بالشيخ وكنت أحاول أن اعتذر له، في احد اتصالات الأخ سمع الشيخ ما دار في المكالمة وقال إن كان في وقتنا متسع ذهبنا إليهم كان اليوم مليء من الصباح إلى المساء و لا يوجد وقت إلا بعد العشاء بمدة وبعد جدول بهذا الشكل يعرف من له عناية مدى الإرهاق والتعب الذي يلحق بالشخص لذا توقعت من الشيخ أن يعتذر خصوصا أن اللقاء مع مجموعة شباب ولكن كانت المفاجأة لي عندما قال لي الشيخ :: يا بني نحن لدينا قضية نخدم فيها الإسلام لا نخدم فيها أنفسنا نذهب إليهم وكان ما أراد الشيخ.


همة وعزم لا تجده عند كثير من الدعاة والفضلاء من رجل جاوز 50سنة.


شاهدت الكثير من تواضع الشيخ وتفانيه في خدمة الناس ، كنا في الدائري الجنوبي بمدينة الرياض سقط من سيارة تسير أمامنا براد كبير وتعطلت مسيرة الطريق المزدحم أصلا والناس تمر من جانبه و لا يتوقف احد لرفعه هنا أمرني الشيخ بالتوقف ونزل بنفسه ولحقته وقمنا بإزاحة البراد عن الطريق ، البلد ليست بلده والطريق أصبح سالكا بتجاوزنا له ولديه موعد مهم وهناك أشخاص في وسعهم حمله عن الطريق، كل هذه القرائن تحمل على ترك البراد في الطريق ولكن الشيخ مجاهد أشرب قلبه التذلل للمؤمنين والسعي في مصالحهم.


كان كثيرا ما يتصل ويسأل عن أشخاص طالهم الأذى ويسأل عن أهلهم وعن حالهم كنت أقف و أتسأل بعد كل اتصال له أليس هو الذي يعيش في حصار وضائقة أليس هو أولى بالسؤال عن حاله ثم لديه ما يشغله في غزة عن غيره الكثير الكثير، ولكنه الوفاء والأخوة في الله.


شيخنا أنهى شرح مقدمة صحيح مسلم وكان بعض إخوانه يسعون له في طباعة الكتاب وأثناء سعينا معهم في خدمته أكد شيخنا انه لا يريد مالا مقابلا لطباعة الكتاب لأن الهدف خدمة العلم وأهله لا التكسب ... كما هو حال كثير من المؤلفين في هذه الأيام.


كان كثيرا ما يتحدث شيخنا عن الشهادة والشهداء وإحدى رسائله العلمية فيهم ومسجده خرج منه أكثر من 70شهيدا ،،، في العدوان الأخير على غزة عرضوا عليه تأمينه كما يحصل مع كل القادة ولكنه رفض وأصر على مواجهة العدوان مع الناس وكان أمر الله قدراً مفعولاً.


رحمك الله يا شيخي كنت عالما ومجاهدا ومصلحا ومربيا
رحمك الله يا شيخي سبقت أفعالك أقوالك


رحمك الله يا شيخي سأبقى محبا لك داعيا لك ولن أنساك ما حييت، سأخبر أبنائي عنك وأربيهم على كلماتك ، علمتنا الكثير حيا وبموتك تعلمنا منك أكثر، سأظل أذكر مواقفك وكلماتك الدافئة ودروسك ، كثير هم الذين ماتوا ومات معهم ذكرهم وأثرهم لكنك يا شيخنا ستبقى في النفوس وأثارك ستبقى على تلاميذك وفي كتاباتك ، ارحل فأنت الحي ونحن الأموات نحن المأسوف علينا وأنت لك الهنا والسعد بإذن الله لك.


رحمك الله يا شيخي ما الدنيا بعدكم إلا ذل وهوان وخذلان معكم كنا نشعر بشيء من كرامتنا وعزتنا


رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي


-----------

بقلم: أحمد عبد العزيز القايدي ، نقلا عن موقع المركز الفلسطيني للإعلام

سعيد صيام والراية إذ يزينها القادة بدمائهم


قبل أيام سألني بعض القوم عن أي القادة يتوقع أن تطاله صواريخ الطائرات الصهيونية أولاً. كان ذلك بعد استشهاد البطل نزار ريان، أجبت بعد قليل من التفكير: (سعيد صيام). كان ذلك تبعاً لطبيعة الرجل وما له من أدوار مهمة في إدارة المعركة، والتي تملي عليه ضرورة التنقل في ظل القصف.


كان وزيراً للداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، ثم تركها بعد ذلك، وبعد الحسم العسكري عاد للمنصب من جديد، ولو كان من صنف رجال الأعمال الذين يتسيّدون مشهد السلطة في رام الله لكان له برج جميل في تل الهوى: يسكن في جزء منه ويؤجر الجزء الآخر، لكنه ظل في بيته وبين أهله وناسه الذي أحبوه ومنحوه أعلى الأصوات في الانتخابات.


هنا في حماس يستشهد القادة وأبناؤهم وذووهم، ويؤسرون ويقضون أعمارهم في السجون. هل ثمة حركة استشهد مؤسسوها جميعاً: واحداً تلو الآخر كما هو حال حماس، هل ثمة حركة توزع قادتها وعائلاتهم بين السجون والمقابر كما هو حال حماس، وإن توفرت نماذج مماثلة في بعض الفصائل الأخرى؟ هؤلاء رجال لم يخرجوا طلباً للدنيا. هم خرجوا من أجل الشهادة في سبيل الله وطلباً لرضاه. تعبت معهم بعض الأنظمة وأجهزتها: هي التي تعودت استقطاب الناس ببعض الامتيازات من هذا الصنف أو ذاك.


بينما يسهل البعض صفقات البزنس والمناصب لأبنائهم، مستخدمين نفوذهم السياسي، يحمل هؤلاء أبناءهم معهم في دروب الشهادة، وإلى زنازين السجون والمعتقلات. ليس بوسعنا الحديث عن نماذج هنا، ففي سجل الشرف والبطولة على هذا الصعيد أسماء يصعب حصرها.


رحل نزار ريان ومعه أبناؤه وبناته وزوجاته، وفي الضفة الغربية استشهد كثيرون، بينما يقبع كثير من القادة وأبنائهم في السجون، وها هو سعيد صيام يرحل ومعه ابنه وشقيقه وابنه وزوجته. يرحل بطائرات الإف 16، هو الذي كان بوسعه أن يكون نزيل الفنادق والفلل الفارهة، ويركب طائرة خاصة، تماماً كما يفعل أولئك الذي يعرف حالهم الكثيرون قبل أن يركبوا ظهر هذا الشعب العظيم ويستثمروا معاناته.


يرحل سعيد صيام، تماماً كما رحل الذين من قبله. يرحلون بصواريخ الطائرات. وقبل سنوات لخص الشهيد البطل عبدالعزيز الرنتيسي الحكاية حين قال، إن الناس يموتون بأشكال مختلفة، وأنا أفضل أن أموت بصاروخ من طائرة آباتشي، وهو ما كان.


بمثل هؤلاء تنهض الشعوب الحرة، وتكبر، وتنتصر. بمثل هؤلاء تكبر القضايا وترتفع الرايات وتتحقق الانتصارات. وهؤلاء وحدهم هم من يحيّرون عدوهم ويعجزونه. أما الذين يطلبون منه بطاقات (الفي آي بي) لكي لا يعانوا مثل شعبهم على الحواجز، وينتظرون الرواتب والتسهيلات فلا يمكن أن يكونوا نداً لعدوهم، ولن يتمكنوا من فرض شروطهم عليه.


لسعيد صيام أن يرتقي شهيداً، ويلتحق بشيخه الشهيد أحمد ياسين، وبأحبته عبدالعزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وجمال منصور وجمال سليم وطائفة من أحبته الآخرين.


لسعيد صيام أن يذهب إلى حياة أفضل أحبها وتمناها في ظل رب عظيم رحيم، هو الذي جاهد من أجل تحقيق حياة أفضل لشعبه، حيث جاهد من أجل أن ينجحوا في التمرد على القمع والحصار.


يرحل سعيد صيام إلى ربه راضياً مرضياً، ومن قبله أكثر من ألف من أبناء شعبه كان يبكي لكل واحد يسبقه منهم، طفلاً كان أم امرأة أم مجاهداً يقاتل في الثغور. كان يدير المعركة ويتفقد أهله وأبناء شعبه، فكان أن التحق بمن رحلوا منهم.
نحبكم أيها الشهداء. نبكي عليكم، وإن بكينا أكثر على أنفسنا، لكننا نشعر بالفخر إذ تتقدمون الركب، لأنكم بذلك تؤكدون لنا أن محطة الانتصار النهائي قريبة بإذن الله.


سينعق كثيرون على موتك الجميل أيها البطل، هم الذين أدمنوا ذلك، لأنك بشهادتك تفضحهم وتعرّيهم، لكن الراية ارتفعت وسترتفع أكثر مع كل دم حر يراق من أجلها.


سلام عليك وعلى كل من رحلوا قبلك على درب الشهادة، وعلى من ينتظرون وما بدلوا تبديلا، سلام سلام.
-----------
بقلم: ياسر الزعاترة

ماذا قدمت حماس للعسكرية الإسلامية؟


طوال أيام الحرب الصهيونية الغادرة على غزة وأنا أتابع لحظة بلحظة أداء مجاهدي حماس الشرفاء على الأرض، واليوم هو الثامن من تلك المعركة الفاصلة والفاضحة والكاشفة والمصيرية في تاريخ الإسلام.
إن مشاغبات الإعلام العلماني، والمحاولات المستميتة التي تبذلها الأقلام المهزومة للتهوين من شأن ما تفعله حماس اليوم بغرض حرمانها من تعاطف وتجاوب الجماهير المسلمة في كل مكان من العالم معها، تلك المحاولات والمشاغبات لم تشغلني ولم تحرك فيَّ ساكنًا للنهوض والرد عليها؛ فهي لا تمثل لي شيئًا ذا قيمة، وهي في نظري لن تغير شيئًا في الواقع الإسلامي الذي تشكل بالفعل على الأرض، بالإضافة إلى أنني اليوم في شغل أهم وأعظم وأخطر؛ إنني أعيش الآن مع حماس تاريخًا جديدًا مسطورًا بدماء المجاهدين الأبطال، مسكونًا بعبق تاريخنا المجيد وانتصاراتنا الماضية.
أرى اليوم أمام عيني أبطالًا يدافعون عن الإسلام ومقدساته وأرضه وقضايا الأمة المصيرية، وكأنني لذت إلى صفحات كتاب من كتب تاريخنا العريق، أسلي به نفسي المكسورة الحزينة في زمن الانهزام والاستسلام.
إن حماس اليوم تعيد كتابة تاريخ أبطالنا البواسل، وتذكرنا بقادتنا الأوائل الذين ضحوا وبذلوا وقدموا أرواحهم فداء عقيدتهم وأرضهم ومقدساتهم.
إن أجدادنا وعظماءنا الذين نتغنى بتاريخهم وأمجادهم وتضحياتهم كانوا ـ كما أبطال حماس اليوم ـ أصدق الناس إيمانًا، وأقواهم يقينًا، وأثبتهم جنانًا، يقفون في وجه الردى، ويقدمون أرواحهم ودماءهم غير خائفين ولا وجلين، متمثلين قول خبيب بن عدي رضي الله عنه: ولست أبالى حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي.
والله لقد ذرفت عيناي الدموع، وأصاب قلبي الحزن والكآبة والوجع عندما سقط أمام عيني البطل الشهيد الدكتور "نزار ريان"، والله لقد شعرت بأنني قد فقدت للتو خالد بن الوليد أو المثنى بن حارثة أو قتيبة بن مسلم أو عبدالرحمن الغافقي؛ لأنني أرى هؤلاء وغيرهم من رجالات الإسلام العظام في أبطال حماس البواسل اليوم، هؤلاء الذين لم ترعبهم صواريخ العدو ولا قنابله الفتاكة، ولم يوهن في عزيمتهم بطش أعدائهم وجبروتهم ووحشيتهم، بل ثبتوا وسط موجات التخاذل والاستسلام العالية، ووسط أعاصير الانهزامية العاتية، وتقدموا بدمائهم وأرواحهم وأهليهم وأبنائهم في سبيل الله، واثقين في نصره، ثابتين على عهده، متوكلين عليه وحده، متمثلين ما قاله محمد إقبال رحمه الله:
كنا جبالًا في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارًاكنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يومًا غاشمًا جبارًابمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارًالم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارًاوكأن ظل السيف ظل حديقة تنبت من حولنا الأزهارًا
أرى أن حماس في هذه الحرب الأخيرة بالذات قد أعطت العسكرية الإسلامية في العصر الحديث الكثيرَ من المنح والمزايا، التي أعادت لها بعض هيبتها المفقودة.
لقد أعادت حماس اليوم الاعتبار إلى أهمية العقيدة والإيمان في العسكرية الإسلامية، تلك العقيدة التي تجعل الجهاد في سبيل الله مقدمًا على المال والولد والأهل والعشيرة، تلك العقيدة التي ينتصر بها الضعفاء القليلون المستضعفون على جبابرة الأرض وطغاتها، والتي تسند العزائم وقت الشدائد، وتقذف بالأمل في القلوب والأرواح، والتي تثبت الأقدام والأفئدة عند المواجهة، والتي تعزي الأنفس وتسليها عند ورود النوازل والمصائب.
ولمن يقول: إن حماس حركة متهورة مغامرة، جلبت على غزة الدمار والخراب بمناوشتها "إسرائيل" صاحبة الترسانة العسكرية الهائلة التي تساندها أقوى دول العالم.
أقول بدون سرد لمبررات حماس، وبدون عرض لمآسي الحصار الظالم الذي يضربه الصهاينة على أهلنا في غزة: ومتى قاتل المسلمون، ومتى واجهوا التحديات العظام والملمات الجسام، ومتى انتصروا على أعدائهم بعدد أو عدة؟
إن تاريخ مواجهات المسلمين مع أعدائهم قديمًا وحديثًا يشهد بأن الفيصل في المعارك هو الإيمان والثقة بالله، واليقين بنصره وصدق التوكل عليه.
انتصر المسلمون بذلك ـ مع الاستعداد بما استطاعوا من وسائل مادية ـ في بدر والقادسية واليرموك وحطين وعين جالوت والعاشر من رمضان، واليوم ينتصرون بها في غزة المرابطة بتأييد من الله وبعون من جنوده، التي أرسلها سبحانه لتقاتل مع المؤمنين المستضعفين؛ فالعقيدة هي التي تربط القلوب بالله، وتصل قوة المجاهدين بالقوة العظمى التي لا تُقهر ولا تُغلب، يقول المولى جل شأنه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 29-30].
أرى أن حماس اليوم قد قدمت للعسكرية الإسلامية خدمة جليلة في مجال الإعداد والتسلح؛ وبالتالي في ميدان الردع الإستراتيجي؛ حيث خطت بالمسلمين خطوة كبيرة في طريق كسر فرض التبعية على العرب والمسلمين في مجال الفكر العسكري وفنون الحرب، وهذا أراه في منتهى الأهمية؛ حيث كان من أهداف اليهود والغرب احتكار هذه الصناعة ومنع المسلمين بكل الوسائل من الوصول إلى أسرارها؛ ليظلوا رهينة لهم في مجال الصناعات العسكرية، يعيشون على ما يمن به الغرب عليهم من نظريات وعتاد وفكر عسكري، وكأن المسلمين ليس لديهم نظريات عسكرية ولا قادة عسكريين أفذاذ يستحقون الانتماء إليهم، وليس لديهم تاريخ عسكري حافل بالفنون والخبرات والخطط، تعلم منه الغرب واليهود أنفسهم، ثم أرادوا بعد ذلك أن يفصلونا عنه ويقطعوا الصلة بيننا وبينه.
لقد طورت حماس أداءها العسكري، وبدأت من الصفر معتمدة على نفسها وعلى خبرات أفرادها المحدودة، وابتكرت وصنعت معدات عسكرية، واستخدمت أساليب عسكرية تفردت وتميزت واشتهرت بها.
إن العالم كله اليوم في عجب واندهاش من صواريخ حماس، التي أرعبت اليهود وجعلتهم يفرون مذعورين بمئات الآلاف من الأراضي التي اغتصبوها من الفلسطينيين وطردوهم منها، تلك الصواريخ التي صنعت شيئًا من توازن القوى، وأضافت شيئًا لإستراتيجية الردع الإسلامية.
إنهم متعجبون مندهشون يتساءلون في جنون: "كيف صنع هؤلاء الصواريخ وكيف طوروها، وكيف تمكنوا ـ وهم معزولون عن العالم محاصرون ـ من امتلاك هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة والمعدات محلية الصنع؟!
ولكننا ـ نحن المؤمنين ـ لا نندهش ولا نتعجب؛ إن "الحمساويين" بصنيعهم هذا ـ بإيمانهم وتمام استعانتهم بالله وصدق لجوئهم إليه ـ أثبتوا للعالم أجمع أنهم هم ورثة داود عليه السلام، وليس اليهود بعلوهم وتجبرهم وطغيانهم؛ فـ"إسرائيل" تعتمد كلية على أمريكا في أسلحتها وطائراتها وصواريخها، أما حماس فهي تعتمد على طريقة داود عليه السلام، الذي يقول الله سبحانه في وصفه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10-11]، إنني والله أتخيل المجاهد "الحمساوي" وغيره من فصائل المقاومة وهو جالس يصنع صاروخه بيده، وكأن الطير والجبال تسبح معه كما كانت تردد وراء داود عليه السلام: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79].
إن حماس ـ في واقع الأمر ـ لم تفد العسكرية الإسلامية فقط بإحداث توازن للقوى بين المقاومة الإسلامية أمام الهجمة الصهيونية الشرسة وفي مواجهة المشروع "الصهيوصليبي" بأكمله، فقط بمجرد إطلاق صواريخها وإرعاب اليهود والتصدي بشجاعة وثبات لزحفهم البرى، إنما فعلت ذلك أيضًا بصورة مختلفة لمن يتأمل المشهد من أعلى؛ بحيث تظهر له الأمور بصورة أكثر شمولًا واتساعًا.
فحماس .. تلك القوة الإسلامية المحدودة المعزولة ذات الإمكانات الضعيفة والموارد المعدومة والجماهير المحرومة، حماس .. تلك الحركة الإسلامية التي تحكمها تلك البقعة الصغيرة المحاصرة من جهات الأرض الأربع، استطاعت بتلك الإمكانات الضئيلة والآليات الفقيرة أن تصمد لليوم التاسع على التوالي أمام هجمات شرسة فتاكة مجنونة، ثم هي تظهر تقدمًا نوعيًّا في عملياتها، وتستمر في إطلاق صواريخها بالرغم من القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل، وهي أيضًا تلتحم مع العدو على الحدود وتصد هجومه البري، وتقتل وتجرح وتأسر، وتمارس جميع فنون القتال بروح معنوية مثالية؛ جعلت الجنود الصهاينة العائدين من تلك المواجهة يعترفون بأنهم قد قابلوا جنودًا لم يروا مثلهم من قبل.
والسؤال ـ للوقوف على إنجازات حماس في هذا المجال ـ هو: ماذا لو كانت قوة المقاومة أشمل وأوسع؟ ماذا لو كانت هناك إمدادات وإمكانات وقدرات عسكرية وموارد مالية وآليات متطورة؟ وماذا لو كان هناك ميدانًا مفتوحًا للقتال، يعطى فرصة أكبر للمناوشة والمناورة والتكتيك والتحرك والكر والفر؟ ثم ماذا لو كان هناك من يدعم حماس ويقف بجانبها من العالم العربي أو الإسلامي؟إذًا لضاعت "إسرائيل"، وأُبيدت ومُحيت من الوجود.
لذلك نقول: إن حماس قد أضافت للمقاومة وللعسكرية الإسلامية عمومًا بعدًا ماديًّا لتوازن القوى مع العدو بصواريخها وآلياتها محلية الصنع، وبأدائها الميداني في قلب المعركة، وكذلك أضافت بعدًا معنويًّا ونفسيًّا لا يقل أهمية لدى العدو؛ حيث لا يستطيع التغلب على هذه القوة القليلة العدد محدودة الإمكانات في ظل تلك الظروف القاسية التي تعيشها، فما بالك بالعرب جميعًا إذا اتحدوا؟! وبالمسلمين جميعًا اذا اجتمعوا على كلمة واحدة وتحت راية قائد واحد؟! وكيف هو شعور قادة "إسرائيل" السياسيين والعسكريين وهم يواجهون هذه الحقيقة الكبيرة المؤلمة؟
هناك شيء آخر بالغ الأهمية أضافته حماس للعسكرية الإسلامية؛ فقد أتاحت حماس في حربها الأخيرة مع "إسرائيل" ظهور تلاحم الجماهير المسلمة، وتعاطفهم وتواصلهم في كل مكان من العالم مع مسلمي غزة ومع القضية الفلسطينية.
فجهاد حماس وثباتها وصبرها وعطاؤها أوجد على أرض الواقع ما يُسمى بالكيان العسكري للأمة، ذلك الكيان الذي لا يُقاس بقوة الجيوش ولا بعدد الجنود والآليات والمركبات والطائرات، إنما يُقاس بالقاعدة العريضة التي تضم أبناء الأمة جميعًا، حين يجمعهم إحساس واحد وشعور واحد وهم واحد وهدف واحد وقضية واحدة.
ولقد اجتمعت الأمة كلها اليوم لنصرة أهل غزة ولدعم مشروع المقاومة.هذا إنجاز كبير يوضع بلا شك في ميزان حماس؛ فالأمة الإسلامية جميعها اليوم تجاهد اليهود بمشاعرها وغضبها ودعائها وصلواتها وصيحاتها وهتافاتها التي تزلزل اليهود وترعبهم.
لقد ألهبت "حماس" حماسَ المسلمين في كل أنحاء العالم؛ فقد رأينا استعداد شباب المسلمين في مصر وغيرها من دول العالم الإسلامي لبذل أرواحهم ودمائهم فداء دينهم وأهليهم وإخوانهم في غزة، ونسمع كل يوم عن تشكيلات فدائية تتكون وتتقدم وتعرض نفسها للاستشهاد في أرض المعركة.
بل الأمة كلها اليوم بشكل غير مسبوق تجاهد في سبيل الله بمالها؛ لقد رأيت بعيني كيف يتسابق الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في بذل أموالهم وما يمتلكون من حلي ومواد تموينية وأدوية لدعم المجاهدين في غزة، كانوا يقدمون المساعدات من ممتلكاتهم والابتسامة تعلو شفاههم والطمأنينة تملأ أرواحهم، وهم ينطقون بكلمة واحدة "من أجل غزة".
وجهاد المال لا يقل أهمية عن جهاد النفس، وقد قدمه المولى جل شأنه على جهاد النفس في أكثر من موضع في كتابه الكريم، يقول سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72].
ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف: 10-12].
ومن سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمامان عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلف غازيًّا في أهله فقد غزا)) [رواه البخاري، (2843)، ومسلم، (5012)، واللفظ له].وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده؛ فان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة)) [رواه البخاري، (2853)].
وأهمية المال اليوم في تجهيز الجيوش وتمويل الحرب لا يخفى على أحد، فالقوة الاقتصادية هي عصب الحرب.وهذا عامل نفسي ومعنوي آخر أقلق اليهود وأضج مضجعهم؛ فهم اليوم في مواجهة دعم أفراد وهيئات وجمعيات خيرية متواضعة الإمكانات من مختلف البلدان الإسلامية، فما بالك بدعم دولة في حجم مصر أو السعودية أو غيرها من دول الخليج العربي؟
إن هذه المشاعر تجعل الصهاينة لا يقللون من قوة المسلمين الاقتصادية والمادية، وتجعلهم لا يعلقون آمالًا كبيرة على إمكانية هزيمتهم والتغلب عليهم مستقبلًا في أية مواجهة شاملة، وتجعلهم يفكرون آلاف المرات قبل الإقدام على عمل أحمق يدفعهم إلى مثل تلك المواجهة.
لقد قدمت حماس للعسكرية الإسلامية اليوم قادةً صادقين، أعادوا إلى أذهاننا صور قادتنا الأوائل، قادة لا يخونون قضيتهم ولا يرضون بالذلة ولا يستكينون إلى هوان، ولا يرضون الاستسلام والخنوع على حساب ثوابتهم، قادة لا يفرون من الميدان وقت اشتداد القتال، بل هم دائمًا في مقدمة ركب الشهداء، ومنهم من استُشهد هو وعائلته بأكملها تحت القصف الغادر الجبان، ومنهم من استُشهد في ميدان المعركة، يقول المولى جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15-16].
وعلى مستوى الحرب النفسية عن طريق القيادات والمتحدثين الرسميين باسم الحركة؛ فهي إلى هذه اللحظة على أرقى مستوى من الأداء.لقد تابعت معظم تصريحات ومداخلات القادة، سواء كانوا خارج فلسطين أو قادة ميدانيين أو مسئولين إعلاميين داخل غزة، كانت اللهجة واحدة وطريقة الخطاب واحدة، والنبرة واضحة وهادئة ومتزنة، الكل يتحدث برصانة وثقة واطمئنان دون توتر أو تلعثم، الجميع واثق بالله وبنصره جل وعلا، لذلك تحدثوا بلغة أرعبت العدو وزلزلت كيانه وأخافته ودمرت معنوياته.
وهذا والله هو سر النصر بإذن الله، كما ذكر علي بن أبى طالب رضي الله عنه، الذي سمعت له في إحدى المعارك أربعمائة تكبيرة، وقد كان من عادته أن يكبر في القتال، فسُئل عن ذلك، فقال: (كنت إذا حملت على الفارس أيقنت أني قاتله، فكنت أنا ونفسه عليه).إنهم واثقون في نصر الله، وأول النصر على الأعداء يبدأ من القلب الذي امتلأ عزةً ويقينًا وإيمانًا وثقةً، كما أن أول الهزيمة تبدأ من القلب الذي امتلأ بالضعف والذلة والمهانة والشك.
إن حماس قليلة العدد متواضعة الإمكانات، تواجه ظروفًا بالغة القسوة بسبب الحصار الإجرامي الظالم، ولكنهم فئة مؤمنة واثقة بنصر الله، فسوف ينصرهم الله كما نصر أجدادنا العظام المعتزين بأنفسهم وعقيدتهم، الواثقين بنصر ربهم، والذين استطاعوا أن ينشروا الإسلام بهذه الثقة وذلك اليقين في أقل من مائة سنة، من جزيرة العرب إلى المحيط الأطلسي إلى أعماق الصين.
"ماذا قدمت حماس للعسكرية الإسلامية؟"، هذه الكلمات المتواضعة أهديها لكل من خذل قضية أمته الأولى، ولكل من تخلى عن شعب فلسطين المضطهد المعذب المحروم، ولكل من هان عليه الأقصى وهو أسير في أيدي اليهود، ولكل من يتفرج على شعبنا في غزة وهو يُذبح ويُباد وتُستباح حرمته على أيدي المجرمين الصهاينة؛ ثم لا يتحرك ولا يتكلم ولا ينصر ويدعم إخوانه، ولكل من ينظر إلى الأرض وهي تحترق تحت أقدام إخواننا وأهلينا؛ ثم لا ينكر قلبه ولا يبدي تعاطفه ودعمه.
أهديها لحكامنا العرب وقادتنا وساستنا، وأسألهم: كيف لو انتصرت "إسرائيل" على حماس في غزة ـ لا قدر الله ـ كيف سترفع أمتنا رأسها؟ماذا سنقول لأبنائنا وكيف نجيبهم عندما يسألوننا عن شعبنا في غزة: "ماذا قدمتم له لحمايته والدفاع عنه في وجه الهجوم الصهيوني الوحشي"؟
يا حكامنا ويا قادتنا، هذا ما قدمته حماس التي نشوه اليوم صورتها ونلصق بها التهم، فماذا قدمنا نحن؟ .
-------------
بقلم : هشام عبد الله