الثلاثاء، 24 فبراير 2009

عبد القادر الحسيني .. درة في تاج الجهاد الفلسطيني






إنه واحد من كبار وأوائل المجاهدين الذين ضحوا بأنفسهم واستشهدوا في أرض المعركة. هو عبد القادر موسى كاظم الحسيني، ولد في استانبول في 8/4/1908م، توفيت والدته بعد مولده بعام ونصف فكفلته جدته لأمه، وما لبثت هي الأخرى أن فارقت الحياة ، فنشأ في كنف والده.
والده شيخ المجاهدين في فلسطين، موسى كاظم الحسيني، شغل بعض المناصب العالية في الدولة العثمانية متنقلاً في عمله بين أرجاء الدولة العثمانية، وكان أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدءوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.
تربى الابن عبد القادر منذ صغره في بيت علم وجهاد، حيث كان هذا البيت بمثابة الحضن الأول له والذي كان يجتمع فيه رجالات العرب الذين يفدون إلى القدس، لأن والده موسى الحسيني كان رئيساً لبلديتها.
درس القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس، ثم أنهى دراسته الأولية في مدرسة (روضة المعارف الابتدائية) بالقدس، بعدها التحق بمدرسة (صهيون) الإنجليزية. أتم عبد القادر دراسته الثانوية بتفوق ثم التحق بعدها بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت. أنتقل بعدها إلى القاهرة حيث درس الكيمياء والرياضيات كما نشر العديد من المقالات الصحفية المعارضة للاستعمار الإنجليزي والهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
آثر العمل في مجال أكثر رحابة يستطيع به ومن خلاله أن يعبر عن آرائه، فالتحق بسلك الصحافة محرراً في جريدة (الجامعة الإسلامية)، وكان الاتجاه الوطني الذي نهجته الجريدة من أهم العوامل التي دفعته للعمل بها.
وعمل محرراً في جريدة الجامعة العربية (كانت تصدر بالقدس، ورأس تحريرها منيف الحسيني)، واستمر يكتب بنفس الحماسة التي عرفت عنه، وسار على الجريدة ما كان على سابقتها.
وعمل كذلك محررًا لصحيفة "اللواء" لسان حال الحزب العربي الفلسطيني، ولم تكن ظروف هذه الجريدة بأفضل من سوابقها.انضم عبد القادر إلى (الحزب العربي الفلسطيني) بالقدس، وتولى فيما بعد منصب السكرتير في هذا الحزب، وبدأت نشاطاته تبرز في الأفق الفلسطيني، مما أثار عليه حفيظة سلطات الانتداب، فأعادت عليه عرضها لشغل وظيفة (مأمور لتسوية الأراضي) بهدف اشغاله في شؤون الأرض والزراعة، وإبعاده عن مجال السياسة.
استطاع عبد القادر تحت ستار هذه الوظيفة أن يتصل بإخوانه المواطنين في القرى الفلسطينية المختلفة، الذين يمثلون القاعدة الارتكازية للثورة، فتعرف عليهم وانتقى منهم خيرهم فاستقطبهم، وشكل منهم خلايا سرية، وبث فيهم روح الحمية والجهاد، وجمع الأموال من موسريهم، واشترى أسلحة ومعدات، وخزنها في أماكن أمينة، وتدرب بعض الشباب على استعمالها.
قرر عبد القادر ولأسباب عديدة أن يتخذ بلدة (بير زيت) مقراً لقيادة الجهاد المقدس، كما قسم فلسطين إلى مناطق قتالية، وولى على كل منطقة منها قائداً من قادته، أما الخلايا السرية وقياداتها فظلت تابعة له مباشرة.


كان عبد القادر أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على بطش المستعمر في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية (ببيت سوريك) شمالي غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى منطقة القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين... وبلغت الثورة الفلسطينية أوج قوتها في تموز عام 1936، حيث انضم إليها من بقي من رفاق الشهيد عز الدين القسام، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها المجاهدون العرب أفواجاً، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة، ولعل أهم هذه المعارك كانت (معركة الخضر) الشهيرة في قضاء بيت لحم، وقد استشهد في هذه المعركة المجاهد العربي السوري سعيد العاص وجرح عبد القادر جرحاً بليغاً، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس، بعد مغامرة رائعة قام بها المجاهدون من رفاقه فهاجموا القوة البريطانية التي تحرس المستشفى وأنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه.عاد عبد القادر إلى فلسطين مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد العديد والعديد من الهجمات الناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحيها.


وفي خريف عام 1938، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي يحمل اسم محمد عبد اللطيف.
وفي بغداد عمل عبد القادر مدرساً للرياضيات في المدرسة العسكرية في معسكر الرشيد، وفي إحدى المدارس المتوسطة، ثم التحق بدورة لضباط الاحتياط في الكلية العسكرية.
أيد عبد القادر ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، وشارك مع رفاقه في قتال القوات البريطانية، لكنه بعد فشل الثورة أُلقي القبض عليه مع رفاقه من قبل السلطات العراقية، وصدر عليهم الحكم بالسجن، وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية العراقية، استُبدل السجن بالنفي عشرين شهراً إلى بلدة زاخو في أقصى شمال العراق.
كما مثُلت أمام المحكمة السيدة (وجيهة الحسيني) زوجة عبد القادر بحجة مساعدتها وإيوائها للثوار، وتحريضهم على القتال، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً.
وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية. فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته.
وفي مطلع عام 1944 تسلل عبد القادر من السعودية إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها، ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وهناك وبسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة، وتدريبه الفلسطينيين والمصريين على صنع المتفجرات، أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده.. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد.
عندما علمت الهيئة العربية العليا نية الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، سارعت الهيئة برئاسة المفتي أمين الحسيني إلى الانعقاد، وقررت مواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة، وتقرر إنشاء جيش فلسطين لممارسة الجهاد الفعلي، واختير المفتي قائداً أعلى لهذا الجيش وأعاد تموين منظمة الجهاد المقدس، ثم حولها إلى جيش الجهاد المقدس الفلسطيني. وأسند قيادته العامة إلى عبد القادر الحسيني، بالإضافة لمهمة الدفاع عن القدس ورام الله وباب الواد.
وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947، تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر ، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد. فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها.
تعتبر هذه القوات طليعة العمل النضالي العربي التي انبثقت تنظيماتها من صميم الشعب الفلسطيني، وكانت في الحقيقة أول مظهر من مظاهر القوات الشعبية التي تحمل في جوهرها صفة الجيش الشعبي في بلد كان يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني.
قامت هذه القوات بتنفيذ جزء كبير من واجباتها، فقد تمكنت من إجبار (115) ألف يهودي على الاستسلام في مدينة القدس نتيجة حصارهم باحتلال مضيق باب الواد وإقفاله، وقاموا بعدة معارك محلية، ونصبوا مئات الكمائن للقوافل اليهودية والإنجليزية، كما قامت فرق التدمير بنسف العديد من المنشآت والمباني مثل معمل الجير، عمارة المطاحن بحيفا، وعمارة شركة سولل بونيه اليهودية.
كما خاضت هذه القوات بقيادة عبد القادر أروع ملاحم البطولة والفداء مثل معركة بيت سوريك، ونسف شارع ابن يهوذا، ونسف مقر الوكالة اليهودية، ومعركة الدهيشة... وقد تكبد اليهود في هذه المعارك الخسائر الفادحة في الممتلكات، وقتل العدد الكبير منهم، وغنم المجاهدون الكثير من الأسلحة والعتاد والتي ساعدتهم على الاستمرار في نضالهم.




الاستشهاد



وقد كانت نهاية جهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل، حيث كان اليهود قد استطاعوا احتلالها، وهي في موقع يمكنهم من التقدم إلى القدس؛ فسارع عبد القادر إلى دمشق حيث القيادة العربية لمنطقة القدس، وطالب بالسلاح والرجال، فرفضوا، فأراد السلاح فقط، فرفضوا، فأراد الذخيرة فقط فرفضوا، فأعلنها "أنتم خونة"، ولم يرجع إلا ببضع بنادق وثمانمائة جنيه فلسطيني، هي كل ما استطاع الحاج أمين الحسيني بشخصه تدبيره له.
وجمع القائد عبد القادر رجاله وسلاحه وهاجم القسطل عند الفجر، وقاتل فيها من بيت إلى بيت، ومن غرفة إلى غرفة، حتى استطاع رفع العلم الفلسطيني عليها قبل غروب شمس يوم 8 من إبريل 1948، ولكنه أصيب عدة إصابات برصاص العدو استشهد على إثرها.


استمرت معركة القسطل الشهيرة أربعة أيام بكاملها من 4ـ 8 أبريل 1948، وانتهت بأن تمكن المجاهدون من انتزاع البلدة العربية من أيدي الصهاينة، إلا أنهم لم يمكثوا فيها سوى بضع ساعات، تمكن الصهاينة بعدها في خضم ذهول المجاهدين بسبب استشهاد قائدهم عبد القادر الحسيني، من شن هجوم معاكس واحتلال البلدة مرة أخرى.
-----------------

بقلم/ أسماء العمدة - لواء الشريعة

الأربعاء، 18 فبراير 2009

الأحد، 15 فبراير 2009

عمر المختار .. شيخ المجاهدين


"عمر المختار" اسم خلدته الذاكرة الإنسانية، أما الذين شنقوا عمر المختار فلا أحد يذكرهم، وإن ذُكروا فدائمًا يقترن ذكرهم بكل ماهو مقيت ومكروه، وهذا درس تاريخي ينبغي أن نؤكد عليه ونحن نعيش مأساة غزة، المدينة الصامدة التي سيظل التاريخ يذكر مقاومتها وصلابتها وشهداءها، وما أحوجنا اليوم أن نستدعي شهداءنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم فداءً لدينهم وبلادهم.
من هؤلاء يأتي عمر المختار، ذلك الرجل الذي حمل في قلبه هموم وطنه، وتصدى ببطولة فائقة للاحتلال الإيطالي لليبيا، سطرتها الذاكرة الإنسانية شعرًا ونثرًا، وفاخرت بها على مر الأجيال، هكذا هم أبطال التاريخ يحتلون الصدارة ويتربعون على قمة المجد، فهم أحياء وإن غابوا عن الدنيا، رجل تصدى لكبار جنرالات "روما"، ومرغ أنوفهم في الوحل ولم يستسلم لإغراءاتهم، ولم تراوده نفسه يومًا في خيانة وطنه وقضيته.
رجل تعلم الإيمان من دينه، وقاتل من أجل قضية عادلة مؤمنًا بأن انتصاره حتمي وإن طال الزمن، رجل أعطى درسًا حقيقيًّا للغزاة مثلما منح درسًا إضافيًّا للتاريخ، الذي أفرد صفحات مشرفة لبطولاته ورجولته ومعاركه الخالدة، التي قضَّت مضاجع جنرالات "روما" بقضهم وقضيضهم، أين هم جنرالات روما؟! لقد تحطمت أحلامهم الاستعمارية البغيضة على صخرة المختار ورفاقه، الذين آمنوا بأن الخلود في الدنيا يكمن في الإيمان بالقضية العادلة في مواجهة قوى الشر والاستكبار، تلك هي الحقيقة الخالدة، وتلك هي المواجهة الرائعة، التي أبداها المختار في روعة متناهية هزت "روما"، وسكنت ذاكرة العالم من أقصاه إلى أقصاه.
أين هم الخونة الذين تآمروا على المختار؟! أين هم الذين باعوا الوطن بالبطن في زخرف ووهم، ثم تبددت أوهامهم مع انتصار الشعب الليبي؟! الخونة لا مكان لهم في ذاكرة التاريخ، بل مكانهم الحقيقي دائمًا مزبلة التاريخ، هكذا علمنا التاريخ ودروسه، التي يجب أن تعيها الشعوب وتؤكد عليها.
عمر المختار اليوم أشهر من علم، وشوارع العالم التي تُسمى باسمه وميادينه شواهد حقيقية على عظمة الأبطال، أبطال التاريخ الذين يضحون من أجل قضايا عادلة، هي المنتصرة في نهاية المطاف مهما طال الزمن أو قصر.
عمر المختار اسم تردده الأجيال والأناشيد والأهازيج بكل فخر، وقدوة يقتدي بها الأحرار في كل مكان، استُشهد المختار، ونال شهادة الخير في الدنيا والآخرة، أما جنرالات "روما" فلا أحد يذكرهم بخير؛ إذ أن صفحاتهم مظلمة بالجرائم وملعونة يلعنها الجميع، تبصق عليها الأجيال وتزدريها وتلعنها، فاللعنة على القتلى السفاحين المجرمين، والخلود لعمر المختار الذي علمنا أن الحياة وقفة عز وأن الرجال مواقف، إنه الموقف البطولي الذي وقفه عمر المختار من التاريخ والحياة.
هكذا هو التاريخ دائمًا ينحني لمواقف الرجال العظام أمثال عمر المختار إجلالًا وإكبارًا، فالمختار رمز تحترمه الشعوب وتنهل من صفحات جهاده الدروس، دروس مكللة بأكاليل الفخار تحتفظ بها الشعوب في ذاكرتها وتخلدها في سيرتها وتعتز به أيما اعتزاز، فنم قرير العين يا شيخ المجاهدين.
كان عمر المختار بالنهار فارسًا مغوارًا، مجاهدًا في سبيل دينه وبلاده، بالليل زاهدًا متعبدًا خاشعًا، حمل القرآن في قلبه وجعل منه نبراس طريقه، يطوي الصحاري طيًّا، يلقى مصيره بصدر رحب حتى لو كان مصيره معلقًا على حبل مشنقة!! هذا هو أسد الصحراء الذي ارتجت لسيرته وبطولاته الإمبراطوية الإيطالية، رجل صدق ما عاهد الله عليه، فأبى أن يكون في زمرة الجبناء وآثر الطريق الوعرة، طريق الحرية، هذا هو البطل الذي حاولوا خداعه، ولكن يأبى التاريخ إلا أن يدخله صفحاته في مصاف المجاهدين والأبطال الخالدين.



النشأة والبدايات


ينتمي البطل الشهيد عمر المختار لعائلتي "غيث" و"فرحات"، وهما من أكبر عائلات قبيلة "بريدان"، أحد بطون قبيلة "المنفة"، وينتهي نسبه إلى قبيلة "مناف" من كبار قبائل قريش، والتي ترجع إلى قبائل "بني مناف بن هلال بن عامر" أولى قبائل الهلالية التي دخلت "برقة".
وُلد عمر المختار سنة 1862م في قرية "جنزور الشرقية" بمنطقة "بئر الأشهب"، شرق "طبرق"، الواقعة بالجهات الشرقية من "برقة" التي تقع بدورها شرقي ليبيا قرابة الحدود المصرية.
والده هو مختار بن عمر، اشتُهر بشجاعته في القتال وإقدامه، بالإضافة إلى مكانته بين قومه، أما أمه فكانت تُدعى عائشة بنت محارب، وذاق عمر المختار مرارة الإحساس باليتم مبكرًا، حيث تُوفي والده بينما كان في طريقه إلى مكة الم?رمة لأداء فريضة الحج بصحبة زوجته عائشة أم عمر المختار، الذي لم يكن قد تجاوز السادسة عشر من العمر وقتها.
تلقى تعليمه وحفظ علوم القرآن الكريم والفقه والسنة والحديث، بالإضافة إلى بعض المهارات والصناعات اليدوية، الذي كان ضمن نهج التعليم آنذاك، وعُرف عنه أيضًا تميزه في ركوب الخيل، إذ عُرِف بشخصيته القيادية واتزان كلامه وجاذبيته مع تواضع وبساطة شديدين.
وانقطع عمر المختار عن التعليم؛ نظرًا لحسه الوطني والقومي المبكر، وإحساسه بأن وطنه في حاجة إلى عمله وجهاده، وهكذا نال المختار حب "آل السنوسي"، واستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه "المهدي السنوسي"؛ لما رأى فيه علامات النبوغ ورزانة العقل، ورغبته وحرصه الشديدين على تلقي العلم.



سمات البطل عمر المختار


ومن السمات التي تميز بها البطل عمر المختار، ملكاته الشخصية الفطرية التي شكلت فيه من صغره ملامح القائد، وساعدته على أن يجد لنفسه طريقًا مباشرًا لقلوب تابعيه ومستمعيه؛ ومنها موهبة فن الخطابة، فقد كان أجش الصوت، رخيم الكلام، عذب اللسان يختار ألفاظه.
امتاز بذكاء متوقد وحضور البديهة، وكان يحرص دائمًا على قيادة المجاهدين بنفسه، حيث قضى معظم أيام حياته في التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة التي كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية، كما عُرف عنه إصراره الشديد على خوض الحرب المقدسة ضد قوات الاحتلال الإيطالية، واستطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15 عامًا، أنهك خلالها تماما القوات الإيطالية التي كانت قواتها مجهزة بأحدث الآليات العسكرية المتقدمة في ذلك الوقت.
أما عن اليوم، الذي سقط فيه الشهيد البطل عمر المختار في أيدي الغزاة، فكان يوم 11 سبتمبر من عام 1931م بينما كان يستكشف مواقع العدو ويتفقد مراكز المجاهدين بمنطقة سلنطة برفقة فرسانه، ليُحاصَروا من قِبَل خمسة آلاف جندي إيطالي، حيث دارت معركة حامية قُتِل فيها جميع من بقي من رفقة المختار وأُسِر هو.
وعُقِدت جلسة لمحاكمته يوم 15 سبتمبر 1931م في مقر إدارة الحزب "الفاشستي" ببنغازي، وصدر فيها الحكم بإعدام المختار شنقًا حتى الموت، ونُفذ في صباح اليوم التالي الأربعاء 16 سبتمبر 1931م، وتم تنفيذ عملية الإعدام مرتين إلى أن فارق البطل الشهيد الحياة، ونقل إلى مقبرة الصابرى بناحية بنغازي.
وهكذا رحل القائد عمر المختار، ولكنه ترك من الأثر في صفحات التاريخ ما لا تنساه ذاكرة الأمم، فكل حبة من رمال الصحراء الليبية تشهد له ولجهاده وبطولاته وإخلاصه لدينه وحبه لوطنه؛ ليغدو صفحة مجسدة من البطولة الخالصة تنحني لها كل هامات أعدائه قبل أحبائه.إن بزوغ نجم عمر المختار وظهوره بقوة على المسرح السياسي والعسكري، عند اشتراكه عام 1899م مع قوة أتباع السنوسية في مقاومة الاستعمار الفرنسي بوسط إفريقيا، وكانت تجربته العسكرية الأولى في منطقة "واداي" عندما شارك المختار في مقاومة الاستعمار الأوروبي وصد الغزو الفرنسي، حيث أظهر في هذه الحرب صرامة وشجاعة أكسبته احترام قادته.



مواقف مشهودة



كان من المعروف عن عمر المختار ثباته وحكمته وصبره ورباطة جأشه، وظهر ذلك جليًّا من خلال مواقفه، والتي نرصد منها أنَّ إيطاليا حاولت بواسطة عملائها الاتصال به، وعرضت عليه بأنَّها سوف تقدِّم له المساعدة إذا ما تعهَّد ملازمة بيته تحت رعايتها، وأنَّ حكومة روما مستعدَّة بأن تجعل منه الشخصية الأولى في ليبيا كلِّها، وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهَّد بأن يكون لاجئًا ويقطع علاقته "بإدريس السنوسي"، وفي هذه الحالة تتعهَّد حكومة روما بأن توفِّر له راتبًا ضخمًا، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورةٍ سرِّية وتوفير الضمانات له، كما طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع عن فكرة مقاومة إيطاليا.
ولكنه رفض كل هذه الإغراءات من أجل الجهاد والوقوف في وجه المعتدين وخروجهم من بلده ليبيا.وقد أكَّد المختار هذا الاتصال لمَّا سُئِل عن ذلك، وقال:(ثقوا أنَّني لم أكن لقمةًَ طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغيِّر من عقيدتي ورأيي واتجاهي، فإنَّ الله سيخيِّبه، ولست من المغرورين الذين يركبون رءوسهم ويدَّعون أنَّهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، إنَّني أعيذ نفسي من أن أكون في يومٍ من الأيام مطيَّة للعدوِّ وأذنابه وأدعو الأهالي بعدم الحرب ضدَّ الطليان).
وموقف آخر يشهد له بالشجاعة والإصرار على الجهاد ضد الأعداء دون الالتفات إلى ما يقوله الآخرون، فعندما خرج من مصر عام 1923م قاصدًا برقة لمواصلة الجهاد، اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن، وحاولوا أن يثنوه عن عزمه؛ بدعوى أنَّه قد بلغ من الكبر عتيًّا، وأنَّ الراحة والهدوء ألزم له من أيِّ شيء آخر، وأنَّ باستطاعة "السنوسية" أن تجد قائدًا غيره لتزعُّم حركة الجهاد في برقة؛ فغضب عمر المختار غضبًا شديدًا، وكان جوابه قاطعًا؛ حيث قال لمحدِّثيه: (نَّ كلَّ من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيرًا لي؛ لأنَّ ما أسير فيه إنَّما هو طريق خير، ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكلُّ من يحاول ذلك فهو عدوٌّ لي).
أما صبره فيدل عليه هذا الموقف: حيث أنه وبعد أن ضيَّق العدو الإيطالي الخناق على المجاهدين في برقة، بعث برسالة إلى أحد أصدقائه في مكَّة جاء فيها: (إنَّ المجاهدين يعانون من نقص في كلِّ شيء ضروري للحرب، ضدَّ عدوٍّ يمتلك كلَّ شيء حتى الطائرات، وإنَّه لكي يقاوم المجاهدون فإنَّهم لا يملكون إلا صبرهم).
ورغم تلك الظروف البالغة الصعوبة، فقد أصرَّ عمر المختار على البقاء في أرض الوطن وعدم مغادرته، وكان يقول: (لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربِّي، والموت أقرب إليَّ من كلِّ شيء؛ فإنِّي أترقَّبه بالدقيقة)، كما أنه كان كثير الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى: (اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة).
هكذا يكتب الرجال تاريخ الشعوب المجاهدة، فينحاز المعنى للمعنى، وتنفتح الذاكرة على الأحداث، ليكون الخلف وفيًا للسلف، يكتب هو الآخر تاريخ الشهادة، ويرسم معالم التحرر بوهج الكلمات القادمة من رحم كريم، فتصير الشهادة أمانة تتوارثها الأجيال.

-------------

بقلم/ أنس حسن

وزير الداخلية الشهيد






منصب وزير الداخلية في المنطقة العربية من المناصب المكروهة شعبيًا بسبب أساليب القمع والاستبداد التي تُمارسها وزارات الداخلية العربية، بخلاف تلفيق التهم للأحرار، وقمع المعارضة الشريفة والزج بها في السجون والمعتقلات.
ودائمًا المنصب في المنطقة العربية هو عنوان تزوير إرادة الشعوب والتعذيب، وتحتفظ منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية بسجل أسود في انتهاكات حقوق الإنسان لوزراء الداخلية العرب، وكل شهر وكل عام تصدر المنظمات الدولية والعربية تقارير تحصي فيها كم هائل من انتهاكات حقوق الإنسان العربي.
لكن في غزة حكاية أخرى فريدة ونادرة في وطننا العربي المغلوب والمقهور شعوبه دائما، ففي غزة تمت انتخابات نزيهة وجاءت حركة حماس بإرادة الشعب الفلسطيني إلى الحكم، وكان لافتًا ذلك الرجل سعيد صيام الذي حصد أعلى الأصوات في الإنتخابات؛ فقد حصل على ما يزيد من سبعين ألف صوت، وكيف لا يحصد تلك الأصوات وهو ابن فلسطين، وابن المقاومة، وأيضًا هو الشيخ الداعية خطيب مسجد اليرموك، وهو المصلح الإجتماعي الذي عرفته العائلات الفلسطينية بإصلاحه ذات البين بين الفلسطينيين.
فكان اختياره وزيرًا للداخلية في الحكومة التي شكلتها حركة حماس نقطة ملفتة وبارزة جدًا في عالم وزراء الداخلية العرب؛ فلأول مرة يرشح لمنصب وزير الداخلية رجل جاء بإرادة الشعب!!!، رجل مصلح اجتماعي وداعية إسلامي، رجل تربوي تعّلم وتربّى على يديه الآلاف من شباب غزة
فاندهش وزراء الداخلية العرب من هذا الوزير الذى يخالفهم فى كل شيء، بل لم يُعيَّن من قِبل حاكم لمهارته فى القمع، بل جاء بإرادة شعب فرفضوه لأنه ليس من طينتهم، ولم يدعى لاجتماع واحد لوزراء الداخلية العرب!!!
ولكن سعيد صيام لم يبالي، واستلم مهام منصبه فكان خير الرجال، أحبه الصغير والكبير ومضى يحارب الجريمة وتجارة المخدرات في غزة فازداد حب الشعب له، ولكن على الطرف الآخر العملاء والخونة والمجرمين حاولوا النيل منه ومن وزارته ففشلوا.
وشكل سعيد صيام القوة التنفيذية لتكون يدًا قوية تردع الخونة والمجرمين داخل غزة، وبفضل الله أحبط سعيد صيام الإنقلاب الأمريكي الدحلاني في يونيو 2007 فاشتد حنقهم وغيظهم من سعيد صيام الذي تمكن من القيام بواجبات منصبه بطريقة فريدة؛ حيث عمل على رضا الله ثم رضا الشعب الفلسطيني، وبفضل الله أحبط محاولات أكابر المجرمين في غزة، والعملاء الذين فشل فى إيقافهم كل وزراء ياسر عرفات، رحمه الله.
وكان ملفتًا أن سعيد صيام وزير الداخلية الفلسطينية هو الذي يرعى المقاومة، ويؤمن المظاهرات والمسيرات.. لا يقمعها، ويؤمن عمل فصائل المقاومة.. لا يقبض عليها ويعتقلها.
وفي ظل الحرب والعدوان الصهيوني الهمجي الوحشي العنصري على غزة لم يختفي الرجل، بل كان وسط أهله وشعبه ورجاله يضبط الأمن في ظل الحرب، ويساعد كل محتاج ويدفع مرتبات العاملين معه، بل ويوصلها إلى كل موظف يعمل معه في بيته.
وفي مساء الخميس 15 يناير ليلة الجمعة كان ميعاد البطل المجاهد سعيد صيام مع الشهادة، ولم يكن وحده بل كان معه ابنه وشقيقه وعائلته ليثبت للجميع أن قيادات حماس لا تختبىء وإنما وسط الشعب يقاومون بفضل الله.
يقينًا أعتقد أن الخونة من عملاء دحلان هم من قاموا بإرشاد العدو الصهيوني إلى مكانه، فقامت طائرات العدو بتدمير المنزل وتسويته بالتراب. على كل حال استشهد سعيد صيام (نحسبه كذلك ولانزكي على الله أحد) ليصبح أول وزير داخلية عربي يستشهد، ليضاف إلى مكارمه الأولى كـ أول وزير داخلية عربي يُنتخب، و أول وزير داخلية يحبه شعبه، وأول وزير داخلية مجاهد مقاوم للعدو الصهيوني، ثم أول وزير داخلية يُستشهد.
وكما قيل قديمًا بين أهل الحق وأهل الباطل الجنازات، فقد كان سعيد صيام أول وزير داخلية يشهد جنازته عشرات الآلاف وسط الحرب والتدمير، وتحت القصف غير خائفين، وتحاصرهم النيران والصواريخ والقنابل الفوسفورية الحارقة، ورغم ذلك يخرج عشرات الآلاف من أهل غزة لتوديع وزير داخليتهم الشهيد المحبوب، والدعاء له، ويبكون فراقه، ويهتفون بالثأر له، ويدعون الله أن يجمعهم به في الجنة، بينما الكثير من وزراء الداخلية فى المنطقة العربية عندما يموتون لا يعرفهم أحد، وينكرهم الناس، ويدفنون سرًا أو تحت الحراسة، ولا يخرج في جنازتهم إلا عدد محدود معروف، والجماهير تلعنهم، ويدعو كل مظلوم عليهم.
فهنيئًا لك ياسعيد صيام، يا أبو مصعب، حب الناس واختيار الله لك بالشهادة، وأسعدك الله في الجنة برضوانه يا أعظم وزير داخلية لم تعرفه، ولن تعرفه المنطقة العربية.
وهنيئًا لكل الشهداء في غزة، وأسأل الله أن يثبت أهل غزة، وينصرهم على اليهود ومن عاونهم.
------------
بقلم: ممدوح إسماعيل
-----------------------------

سعيد صيام

نشأته
هو سعيد محمد شعبان صيام، ولد في 22 – 7 – 1959 في مخيم الشاطئ في غزة، وتنحدر عائلته من قرية الجورة من قضاء المجدل عسقلان في جنوب فلسطين. كان متزوجا و له ستة أبناء، ولدان وأربع بنات.
دراسته وعمله
تخرج عام 1980 من دار المعلمين في رام الله حاصلا على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، و أصبح عضوا في اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة التي حصل منها على شهادة بكالوريوس في التربية الإسلامية.
عمل معلما في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة من العام 1980 حتى نهاية العام 2003 حيث اضطر إلى ترك العمل بسبب مضايقات إدارة وكالة الغوث على خلفية انتمائه السياسي.
كما كان عضو اتحاد الموظفين العرب في وكالة الغوث لعدة دورات، وترأس لجنة قطاع المعلمين لمدة سبع سنوات متتالية، وكان عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة. وعضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل مع الشهيد المهندس "إسماعيل أبو شنب".
عمل خطيبا وإماما متطوعا في مسجد اليرموك في مدينة غزة، وعمل كذلك واعظا وخطيبا في العديد من مساجد قطاع غزة.
شارك في لجان الإصلاح التي شكلها الإمام الشهيد الشيخ أحمد ياسين، لحل النزاعات بين الناس وذلك منذ مطلع الانتفاضة الأولى، التي عرفت بـ "انتفاضة المساجد" أو "انتفاضة أطفال الحجارة.
نشاطه السياسي
على الصعيد السياسي مثَّل حركة حماس في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، وكان عضو القيادة السياسية لحركة حماس في قطاع غزة حيث تسلم دائرة العلاقات الخارجية في الحركة. ويعتبر من أبرز قادة حماس السياسيين الجدد في القطاع و يلقب بالرجل الحديدي في حركة المقاومة الإسلامية حماس.
انتخب عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة "التغيير والإصلاح" ممثلة حركة المقاومة الإسلامية حماس. في العام 2006 كلف بمنصب وزير الداخلية والشئون المدنية في الحكومة الفلسطينية العاشرة. أسس قوة داعمة للقوى الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة، سميت بالقوة التنفيذية.
تم تعيينه وزيرا للداخلية في الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة في 3 يونيو 2008 في إطار توسيع الحكومة وتعيين 6 وزراء جدد.
تشكيل القوة التنفيذية
كان من ضمن مخططات العرقلة التي واجهتها حكومة حماس عقب تشكلها وتوليها السلطة السعي لزيادة حالة الفلتان الأمني والاضطراب من قِبل بعض الانقلابيين الساعيين لإسقاط الحكومة الشعبية، حتى يسهل الزعم بعجز حكومة حماس عن السيطرة على الأوضاع الأمنية التي تمثل المشكلة الأكبر في الداخل الفلسطيني.جاءت حالة الفلتان الأمني تزامناً مع صمت مريب من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، والتي غضت بصرها عن حوادث الانفلات الأمني الذي يقوم بها منتسبون لها، إضافة لرفضها المستمر تنفيذ أوامر وزير الداخلية "سعيد صيام".وفي ظل تلك الأوضاع لم تجد الحكومة الفلسطينية المنتخبة حلاً سوى تشكيل قوة جديدة أنشأها وزير الداخلية "سعيد صيام" بعد تشكيل حماس للحكومة في مارس من العام 2006 وأطلق عليها "القوة التنفيذية"، وكانت ذات تركيبة متعددة، حيث أعضاؤها من مقاتلي فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة، وفي يوم 17/5/2006 انتشرت "القوة التنفيذية" في شوارع المدن بهدف واضح هو: حفظ الأمن والنظام، والقيام بالدور المفقود الذي كان يفترض أن تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، من فض للنزاعات، والمحافظة علی المؤسسات الحكومية والوطنية والإسلامية، وحفظ الأمن العام للمواطن الفلسطيني.وعندما أصدر الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" قراره بعدم شرعية تلك القوة، صدر بيان من هيئة رئاسة الجهاز التشريعي أن المادة 69 الفقرة 7 من القانون الأساسي الفلسطيني نصت على أن الأمن الداخلي من اختصاص مجلس الوزراء، كما نصت المادة رقم 3 من قانون الأمن رقم 8 عام 2005 على صلاحية وزير الداخلية لتشكيل أو استحداث أي قوة يراها مناسبة لمساندة الأجهزة الأمنية في حفظ النظام وفرض الأمن، كما أن المادة 69 من القانون الأساسي يمنح الوزير صلاحية تشكيل مثل هذه القوة.
اعتقاله
تم اعتقال صيام أربع مرات إداريا من قبل الجيش الإسرائيلي خلال فترة الانتفاضة الأولى و التي كانت قد اندلعت في 7 ديسمبر 1987، و تم بعدها إبعاده إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992 لمدة عام كامل.
كما اعتقله جهاز المخابرات العسكرية الفلسطيني عام 1995 ضمن اعتقالات شنتها السلطة الفلسطينية ضد كل من حماس و الجهاد الإسلامي بسبب سلسلة من العمليات الاستشهادية في إسرائيل.
محاولات الاغتيال
قصف سلاح الجو الإسرائيلي في حزيران 2006 مكتب صيام و ذلك في أثناء الهجوم على غزة بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي التي قام بها عناصر مقاتلة من كتائب عز الدين القسام، وفصائل مجاهدة أخرى.

استشهاده

أعلن الجيش الإسرائيلي في يوم 15 يناير 2009 اليوم العشرون للعدوان على غزة (ديسمبر 2008) عن اغتياله لسعيد صيام في حوالي الساعة 7 مساء الخميس مع شقيقه رياض صيام وولده و قيادي آخر في حماس. و ذلك من خلال قصف منزل شقيقه الكائن في حي اليرموك بمدينة غزة بواسطة صواريخ جو أرض أطلقتها طائرة إف 16.
حماس نعته وقالت إنه لحق بإخوانه القادة الشهداء الذين ارتقوا من قبل أمثال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة والمهندس إسماعيل أبو شنب وجمال منصور وجمال سليم والشيخ صلاح شحادة وأخيرا بالشهيد القائد الشيخ نزار ريان الذي ارتقى هو الآخر في غارة مماثلة استشهد هو و15 من أفراد أسرته.
للمزيد حول الشهيد
· الشهيد سعيد صيام.. المحارب الهادئ.
· الشهيد الوزير النائب صيام .. 50 عاما قضاها في طاعة الله وخدمة الشعب الفلسطيني.
· سعيد صيام .. شهيد الصف الأول.

والدي الشهيد.. أهلي الشهداء (2) بقلم الحبيب: بلال نزار ريان


أبو بلال نزار عبد القادر ريان العسقلاني عالم عامل عابد زاهد ومجاهد استشهد مرابطًا على ثرى فلسطين الحبيبة .. لقد قالها رحمه الله في آخر لقاء بيننا: نتمنى أن تسيل دماؤنا جميعاً مقابل أن تحيا الأمة، وتعيش بكرامة. عاش عزيزًا كريمًا، ونال شهادة أغاظ الله بها قلوب الحاقدين المجرمين، فقد أكرمه الله بالشهادة لتكون وسام عز وشرف تخرس بها كل الألسنة المتطاولة على الجهاد والمجاهدين.

والدي الحبيب نزار عبد القادر ريان: ولد في معسكر جباليا للاجئين في السادس من آذار (مارس) عام 1959 حيث ترعرع بين أهل هذا المخيم، وشاركهم معاناة الهجرة وآلامها، وعانى من تسلط العدو ومرتزقته الخونة، وتجبر الاحتلال على أهله وجيرانه وأحبابه..فمثل أي إنسان حر وكريم يأبى الظلم على نفسه وأهله وشعبه حمل هم القضية الفلسطينية، وصمم على حقه في العودة إلى دياره التي هجر منها ظلمًا وعدوانًا، وظل ينافح عن هذا الحق حتى قدم في سبيل ذلك حياته وستة عشر فرداً من أسرته.

نزار ريان الأب الحاني والابن البار والأخ الصادق والحبيب العاشق، وكل معاني الإنسانية الرائعة .... تميز بسعة الصدر ورحابته، وقد كان صدره متسعًا للجميع لكل الشرفاء وأهل الكرامة ..

لقد كان رحمه الله علمًا ونبراسًا لطلبة العلم ، فلقد أسس المكتبة العامرة، وهو في بداية المرحلة الإعدادية لتكون عامرة بالعلم وأهله، أسسها قبل أن يؤسس منزلا ليسكنه، وكانت أكبر مكتبة خاصة في قطاع غزة، ولقد كان محبًا للعلم وأهله فهو التلميذ الوفي لأساتذته، والأستاذ العزيز بعلمه، المتواضع بأخلاقه مع تلامذته وطلابه، وبالرغم من انشغاله بقيادة العمل السياسي في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس إلا أن ذلك لم يشغله عن طلب العلم فلقد حصل على درجة الأستاذية "بروفيسور" في علم الحديث الشريف، ولم يثنه ذلك عن مواصلة درب الجهاد والمقاومة، فكان قائداً سياسياً وفي نفس الوقت جندياً في كتائب القسام، ولم يمنعه جهاده ورباطه من مواصلة التأليف والتصنيف، فقد صنف كتبًا عدة في الرقائق والأخلاق والسياسة الشرعية وعلوم الحديث وأكثرها تأثيرًا في النفس كتاب: "وأظلمت المدينة" وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كتب رسالته التحضيرية لنيل درجة الماجستير بعنوان "أحاديث الشهادة والشهيد"، وقد قام بجمع الأحاديث المتعلقة بفضل الشهادة وأحكامها من جميع كتب السنة، وكان يحدث إخوانه قائلا: "لا يليق أن أكتب في هذا الموضوع ثم لا ألقى ربي شهيدًا"، أما رسالة الدكتوراه فكانت بعنوان مستقبل الإسلام وأي مستقبل كتبته لنا أبتاه! وأعظم رسالة سطرها بدمه، ودم زوجاته الأربع، وأبنائه الاثني عشر هي رسالة الصمود والتحدي للعدو المجرم الجبان.

بيتنا العامر: " دار العز يا دارنا " لقد كان بيت والدي الحبيب نزار ريان عامرًا بالمكتبة العامرة وبأهله الكرام الطيبين، باب البيت كان دائما مفتوحًا لا يرد أحدًا، كان ملاذا للخائفين، وعونًا للمحتاجين، وفرجة للمكروبين، ومدرسة لكل طالب علم جادّ.

يشهد الله أن والدي رحمه الله كان ينفق على المحتاجين أكثر مما ينفق على نفسه وأهله، ولا يبخل عليهم بل يجود عليهم بكل ما يستطيع، ويتمنى أن يفعل لهم المزيد، كان لا يخرج من باب البيت حتى يملأ جيبه بالمال لينفقه على المحتاجين الذين يصادفهم في الطريق، كان يبذل كل ما يستطيع ليحل مشاكل الناس لم يكن بعيدًا عنهم بل كان فردًا منهم يشاركهم أفراحهم وآمالهم، ويحمل همومهم وآلامهم، حتى إنه كان لا ينام الليل يفكر في راحتهم وفي سبيل تفريج كربتهم. أذكر أنه قبل الحرب بقليل ضاق الحال بالناس بشكل لم يسبق له مثيل وكان الوالد متأثرًا بشكل كبير، ودموعه في عينيه يومها، أقسم بالله أنه يود بيع المنزل لإنفاق ثمنه على المحاصرين، فرجوته قائلا: أين يذهب أولادك وزوجاتك فهم أمانة في عنقك فرجوته كثيراً إلى أن يسر الله له الشهادة، ودمر منزله بالكامل والمنازل المجاورة له.

إنني لم أحزن على نفسي رغم ألم الفراق الذي يهز أعماق الفؤاد، إنما حزنت على هؤلاء الناس الذين سيفتقدون والدي أكثر مني، سيفتقدون من كان لهم عونًا وقلبًا رحيمًا ويدًا معطاءة؛ لكن الله أسأل أن يعوضهم ويرزقهم خيرًا ..


نظرت إلى أطفال جيراننا فتذكرت موقفا لوالدي لن أنساه ما حييت: في الجهة الخلفية لبيتنا يوجد ساحة صغيرة، وبها عدة مراجيح قام أبي بتفصيلها لدى حداد في المعسكر، فكان أطفال الجيران على الباب ينظرون لإخوتي، وهم يلعبون ويتضاحكون، فرآهم والدي من نافذة المكتبة العامرة، وناداهم جميعًا، وأنزل إخوتي عن المراجيح، وترك أولاد الجيران يلعبون قرابة الساعة أو يزيد وهو فرح بذلك ويضحك معهم، ويطل عليهم بين الفينة والأخرى من نافذة المكتبة إلى أن اكتفوا. وقال لهم: متى شئتم تعالوا؛ فالباب مفتوح لكم.

في بداية الحرب خرج الوالد للسوق يشجع الباعة ويحثهم على البيع بشكل طبيعي في ظل الحرب، ويثبت الناس ويدعم صمودهم ويذهب لأعراس الشهداء ولزيارة المصابين، ويقسم لهم أن الله ناصرهم وأنه سيهزم العدو الجبان، ولن يتمكن من دخول القطاع، وأذكر يوم أن كان العدو على تخوم مخيم جباليا في معركة أيام الغضب، فأقسم الوالد على الإعلام أنهم لن يدخلوا معسكرنا؛ فبر الله قسمه وأتم وعده، ولم يتمكن العدو من الدخول.

طلب مني أن أصرف له بعض المال، قال لي: يا بني؛ الآن الناس في حرب، وأكثرهم محتاجون، ولا يجدون قوت يومهم، فصرفت له، وأنفق ما أنفق، واستشهد وبعضها تخضب بدمه حين استشهاده، رحمة الله عليه.


ووالدي رحمة الله عليه كان عملة نادرة، وشخصية فريدة، ولو بقيت أكتب عنه عمري كله لن أوفيه حقه، فعز أن تجد والدًا مثله، أو ابنًا مثله، أو أخًا مثله، أو جارًا مثله، أو زميل دراسة أو عمل مثله، أو أن تجد في الدنيا عابدًا عالما عاملاً بعلمه مجاهدًا، سامحه الله لقد رفع السقف عالياً، وأتعب من بعده حقاً! رحمك الله يا قرة العين، وخلجة القلب، ورفيق الدرب، كنت لي أبًا وأخًا وصديقًا، ومثلا أعلى. جمعنا بك عن قريب في الفردوس الأعلى.


يا حنين الشوق فينا **** حل بيـنٌ يا حنينا

هل تذكرت الليالي **** عطرها ينسي الحُزونا

يوم أن كنا سويًا **** في رياض تحتوينا

في رياض الحب كنا **** نستقي منها الفنونا

-----------

منقول من الجزيرة توك
-------------
أسماء الشهداء في الغارة الوحشية على منزل الشيخ نزار ريان هم
الشيخ نزار عبد القادر محمد ريان
الزوجات وهم:
هيام عبد الرحمن ريان - أم بلال، نوال إسماعيل ريان - أم عبد الرحمن، إيمان خليل ريان - أم علاء، شيرين سمير ريان - أم أسامة
ومن الأبناء وهم : غسان نزار ريان، عبد القادر نزار ريان، عبد الرحمن نزار ريان، أسامة نزار ريان، أسعد نزار ريان
ومن البنات هم : آية نزار ريان، مريم نزار ريان، زينب نزار ريان، عائشة نزار ريان، ريم نزار ريان، حليمة نزار ريان

والدي الشهيد .. أهلي الشهداء (1) بقلم الحبيب: بلال نزار ريان


والدتي الغالية الحبيبة أم بلال الأم الصابرة المجاهدة عاشقة الشهادة في سبيل الله، كيف لا وهي أول من قدمت ابنها للشهادة في سبيل الله وودعته، ونام في حضنها قبل خروجه للعملية الاستشهادية، فلقد كان أخي إبراهيم الشهيد ورفيقه عبد الله شعبان "رحمهما الله" أول من اقتحم المستوطنات الصهيونية: "مستوطنة إيلي سيناي" بتاريخ 2-10-2001 م ولم يكمل إبراهيم يومها عامه السابع عشر، ومكنه الله عز وجل –بصحبة رفيقه- من قتل أربعة جنود وإصابة ما يقرب من عشرين، والإثخان في العدو، ويومها قال عدو الله شارون: " إنها ليلة صعبة على دولة إسرائيل".


لقد كانت والدتي رحمها الله هي وجميع زوجات أبي "خالاتي" رحمهن الله يذهبن إلى بيوت الشهداء يواسينهم ويصبرنهم، ويخففن عنهم المصاب حتى في آخر يوم من حياتهن ذهبن إلى بيوت العزاء، وكان آخر بيت ذهبن إليه هو بيت الشهيدة - زوجة الشهيد - فاطمة صلاح رحمها الله ، كلهن بلا استثناء كن يتمنين الشهادة في سبيل الله، ويدعين الله أن يرزقهن الشهادة، فصدقن الله فصدقهن الله ،سيفتقدك المرابطون يا حبيبة القلب في منتصف الليل، وأنت تجودين بأفضل ما لديك من طعام وحلوى.


خالتي أم عبد الرحمن زوجة أبي الثانية رحمها الله، كم كانت محافظة على صلواتها في المسجد، هي وباقي زوجات أبي وكانت تحافظ على قيام الليل والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هي وباقي الخالات الطيبات.


أذكر موقفًا في معركة أيام الغضب عندما اشترى والدي رحمه الله مستلزمات الإسعاف الأولي، وجهزها لخالتي أم عبد الرحمن لإسعاف المجاهدين والمرابطين، _ فهي تحمل شهادة عليا في التمريض وعملت فترة طويلة في تدريس التمريض في أحد أرفع معاهد غزة _ فأحضر لها والدي الأدوات اللازمة إن احتاج الأمر لذلك، وعلى الفور أعدت نفسها وهيأتها لهذا الأمر، وكانت فرحة بذلك فرحًا شديدًا وفخورة به.


خالتي أم علاء الزوجة الثالثة لوالدي خالتي الحنونة صاحبة القلب الطيب الرقيق -وكلهن طيبات طاهرات- لقد كانت رحمها الله معطاءة جدًا، تعطف على الجميع، وتحمل هموم الآخرين وتواسيهم حتى إنها كانت تبكي لهموم الناس وآلامهم، وتدعو الله أن يفرج عن المسلمين كربهم.لقد أكرمها الله بأن رابطت ليلة مع والدي من ليالي الرباط المباركة، ولقد كانت تتهيأ رحمها الله لمناقشة رسالة الماجستير في قسم التفسير بكلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة، ولكن الله شرفها بالشهادة في سبيله، وهي أعظم من أي شهادة من شهادات الدنيا شهادة كتبتها بدمائها الطاهرة .

خالتي أم أسامة بن زيد الحافظة لكتاب الله، الحاصلة على درجة البكالوريوس بكلية أصول الدين، وطالبة الماجستير بقسم الحديث الشريف بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة, والمدرّسة للتربية الإسلامية بمدارس الابتدائية، لقد كانت كباقي زوجات والدي الحبيب معطاءة محبة للخير والجهاد، رحمهن الله جميعًا، وأسكنهن الفردوس الأعلى، وجمعنا بهم عن قريب.


أما إخوتي الأحباب والذين كلما تذكرتهم وتردد صدى ضحكاتهم في أذني، وفي الصورة المقابلة لها أتذكر كيف مزقتهم يد الغدر الصهيونية إلى أشلاء ولم ترحم طفولتهم وبراءتهم، إن قلبي على هؤلاء يتفطر ويبكي دماً، ولن يشفي غليلَنا إلا زوالُ إسرائيل، أسأل الله أن يتم ذلك عاجلاً غير آجل، لكن عزاؤنا أنهم مضوا في سبيل الحق .. في سبيل الله .

في المكتبة مع بعض الإخوةإخوتي الذين مضوا مع والدي أحد عشر طفلا أكبرهم غسان ذو الستة عشر ربيعًا : غسان فقد إحدى حبيبتيه في أيام حصار المجاهدين في بيت حانون، وخرج في مسيرة مدنية لفك حصارهم، ومكن الله لهم ذلك، وأول كلمة قالها بعد أن علم بفقد عينه وهو في المستشفى: الحمد لله أنني أستطيع أن أقنص بعيني الثانية.غسان كان نائما في غرفته لحظة القصف، كان مستلقيًا على سريره متخففا من أعباء يعرفها قلة من الناس، لكن هي كلمة قالها لي والدي الحبيب: ما أجمل أن ينام الإنسان ويستيقظ فيرى نفسه في الجنة. نحسبهم شهداء في جنة الفردوس ولا نزكي على الله أحدًا .


أخي عبد القادر


أخي وحبيبي عبّود "عبد القادر" الطفل المدلل المحبوب من الجميع، كلما كان العدو الصهيوني يقصف ويشن غاراته كان يختبئ في حضن والدتي ويقول إذا استشهدت أستشهد في حضن والدتي، وكان له ما تمنى فدفن في حضن والدتي رحمهما الله رحمة واسعة.


أختي آية وهي بعمر عبد القادر في الصف السادس الابتدائي كانت طفلة بريئة جدا كانت مفعمة بالحياة سلبها إياها العدو الجبان، أصرّت على أن تموت بجلبابها ومنديلها، عفيفة طاهرة كبيرة –على صغر سنها- وكان لها ما أرادت. رحمة الله عليها.
حبيبتي مريم في الصف الرابع الابتدائي؛ مريم التلميذة المتميزة المتفوقة في دراستها، والتي كانت تحلم بمستقبل واعد وغد أفضل تنتظر الحرب أن تضع أوزارها لتعود إلى مقاعد الدراسة لكن اليهود الحاقدين حرموها من حقها في العيش بسلام أو أن تكمل دراستها كباقي أطفال العالم.




زينب


أختي زينب الطفلة البريئة التي لم تعرف من الدنيا شيئًا بعد، والتي لم تمنعها الحرب من مواصلة لعبها لعلها كانت تجد في اللعب متنفسا بعيدا عن الخوف والرعب، صاحبة أطيب قلب عرفته.


أخي عبد الرحمن وأختي ريم الحلوة وأختي حليمة الأميرة كلهم كانوا في عمر واحد –خمس سنين لكل منهم- كانوا سوية في البستان في روضة الخلفاء الراشدين يذهبون معًا، ويعودون معًا، صورتهم هذه لا تكاد تغيب عن ناظري أبدًا، لقد كانوا ثلاث زهرات جميلة، أحرقتها آلة الدمار الصهيوني، ولم تشفع لهم براءتهم فقلب عدوّهم أقسى من الصخر فكيف يلين ؟ فحسبي الله ونعم الوكيل.

أسامة بن زيد ذو السنوات الثلاث، كان أول ما نطق: "أنا عند بابا"، فاستشهد بين ذراعي أبيه، فحسبي الله ونعم الوكيل.


عائشة أصغر منه بشهرين، صغيرة كانت، لكنها في منتهى الذكاء وخفة الظل، لم يصعب عليّ أن أرى في عينيها فرحتها بإخوتها الشباب، فكانت أكثر الصغار تسليمًا علينا.. رحمة الله عليها.


أخي أسعد


وانتهاء بأصغر شهدائنا، ذي العام والنصف أسعد، سماه أبي على اسم عمي الشهيد أسعد، أخي أسعد صاحب الوجه الغض النضر، لم يرحمه العدو الجبان فوجد شهيدا بين أحضان والدته خالتي أم عبد الرحمن، رحمة الله على أسعد، كنت أحبّ أن أراه أكثر..


بأي ذنب قتل أخوتي الصغار بهذه الوحشية والهمجية ؟ ألأنهم أبناء نزار ريان ؟؟؟؟كان بإمكان العدو الجبان أن يستهدف الوالد بسهولة عندما كان يخرج للصلاة والمسيرات والسوق، ولو انتظر قليلا، لخرج لصلاة العصر وحيدًا، لكن قادة هذا الكيان المسخ أصرّوا على إبادة العائلة، وتدمير المنزل على رؤوس أهله.
والله إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراق أهلنا وأحبابنا لمحزونون، لكن عزاءنا أننا اخترنا هذا الدرب؛ درب الجهاد والمقاومة، درب العزة والكرامة، درب التضحيات، ولن نحيد عنه ما حيينا .

فأبي وأمي وخالاتي وإخوتي الاثني عشر أخاً وأختًا سطروا بدمائهم أروع ملاحم البطولة والفداء، سطروا رسالة التحدي والصمود، فلن نتنازل عن أي شبر من بلادنا فلسطين.كل فلسطين بلادنا وأرضنا الحبيبة سنعود يا حيفا، سنعود يا يافا، سنعود يا نعليا، سنعود يا عسقلان، سنعود يا قدس، وسنصلي في المسجد الأقصى، وسينطق الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله.


هذا وعد الله لنا ولن يخلف الله وعده.

التقي الخفي الدكتور إبراهيم المقادمة



سنة النشر:2008

دار النشر :مركز الإعلام العربي-القاهرة

عدد الصفحات :72


يعرض الكتاب لتجربة وحياة أحد الشخصيات القيادية البارزة في حركة حماس، فالدكتور إبراهيم المقادمة شغل مواقع مؤثرة داخل أروقة حماس، وتقلب في سلم المهمات بين الجوانب التربوية والتثقيفية، والأقسام الجهادية والعسكرية.
وقد جمع المقادمة بين عديد الصفات التي أهلته للعب دور بالغ التأثير داخل حركة حماس، ولم يكن دور المقادمة مكشوفًا إعلاميًا، وإن كان عطاؤه قد لمسه أبناء حماس، وأدرك أهميته الكيان الصهيوني، والذي لم يألو جهدًا من أجل النيل من هذه الشخصية المحورية.
في ختام رحلته العامرة بالعطاء نال د.المقادمة ما كان يحلم به، وارتفع شهيدًا مخلفًا الكثير من الآثار والأعمال التي ستظل محفورة في ذاكرة أبناء الشعب الفلسطيني.
أصل الشهيد المقادمة يرجع إلى بلدة بيت دارس داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، حيث ذاقت أسرته مرارة التشرد عندما هجرتها قوات الاحتلال من بلدتهم، حيث انتقلت الأسرة إلى مدينة غزة مستقرة في معسكر جباليا، إلا أن جرافات الاحتلال الإسرائيلي لاحقتهم، حيث هدمت منزل المقادمة عام 1970 إلى جانب عشرات من منازل الفلسطينيين، فانتقلت الأسرة بعد ذلك إلى مخيم البريج، وكان عمره في تلك الأثناء لا يتجاوز عشر سنوات.
عرف الشهيد المقادمة بشدة البأس، وقوة الشخصية التي ورثها عن والده المعروف بالشهامة وشدة المراس، حيث بدت عليه معالم الرجولة والذكاء الشديد من صغره.
ويعرض الكتاب لنبوغه الدراسي، حيث حصل على الترتيب الأول في مدرسته الثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بكلية طب الأسنان، وعاد إلى فلسطين ليتنقل بين مستشفياتها إلى أن فتح عيادة أسنان في معسكر جباليا، والتي أغلقها بعد ذلك لاستشعاره أنها تعيقه عن عمله الإسلامي، حيث انتمى الدكتور المقادمة إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1968م، ومارس نشاطًا دعويًا واسعًا.


صفاته ومناقبه


ويؤكد الكتاب على أن الدكتور إبراهيم المقادمة لم يكن مجرد شخصية عسكرية أو سياسية فحسب، وإنما كان له من العلم نصيب كبير، فكان في العقيدة عالمًا، وفي التفسير كان مجتهدًا، وفي الحديث له نظرات، ومع الفقه وقفات، كما كان شاعرًا ومفكرًا، وصاحب نظرية في التربية، رغم أنه حاصل على بكالوريوس في طب الأسنان.
•ومن أبرز صفات الدكتور المقادمة أنه عرف بالتواضع الجم، فيروي الذين عايشوه داخل السجن جانبًا من تواضعه حين كان يعد الطعام، ثم يوقظهم لتناوله، بالرغم من انشغاله في إعداد الدروس والمحاضرات والدورات، وعكوفه على الدراسة.
•وكان يتحلى الشهيد المقادمة بالصبر الجميل، وهو الذي اشتد بلاؤه في محبسه بالسجون الإسرائيلية، بفقدان ولده الأكبر أحمد عام 1990، فلم تفت هذه المحنة من عضده، فحين أُبلغ بالنبأ الحزين واقتُرح أن يفتحوا بيتًا للعزاء داخل السجن، طلب تأجيل ذلك لحين إتمام درسه اليومي الذي عادة ما يلقيه بعد صلاة المغرب.
•وزهد الشهيد المقادمة في الدنيا مدركًا أنها رحلة قصيرة، حيث دائمًا ما كان يتبرع في معتقله بملابسه الجديدة، ويقوم بتوزيعها على زملائه.
•وكان بارًا بأمه، حيث تعلق بها بالرغم من كبر السن، وكثرة الأبناء، إلا أنه كان يبثها مع كل كلمة التذكير بالنبع الذي شرب منه هذا التفاني، والحث الخفي على الصبر والصمود، وتعاضد الآمال بمستقبل مشرق.
•وكانت حماسة الجهاد من أبرز سمات الشهيد، فكان متحمسًا لمواصلة الجهاد، مهما بلغت العقبات، فكان يرى ضرورة أن يعيش السياسي بروح الاستشهادي، حتى يكون قويًا اجتماعيًا فاعلاً.


اعتقاله


ويكشف الكتاب عن الدور البارز الذي قام به الدكتور المقادمة في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، والذي على أثره اعتقل مع الشيخ أحمد ياسين، فقضى في السجن 8 أعوام ونصف، كان فيها للدكتور المقادمة دور بارز في السجون الصهيونية، في إطار التربية والتنظيم لحركة حماس، حيث تشهد له الحركة الأسيرة داخل السجون تأسيسه لـ "جامعة يوسف" داخل السجون، والتي كانت تمنح أبناء حماس شهادة علمية في تخصصات متعددة، تجمع بين العلوم الشرعية والدراسات السياسية والتاريخية والفلسطينية والأمنية.
وبعد خروجه من السجون الإسرائيلية عام 1992، ازداد صلابة وثباتًا على المبدأ، مجددًا نشاطه بصورة أكثر عنفوانًا، محرضًا الناس على الجهاد، حتى اعتقل في سجون السلطة الفلسطينية عام 1996بتهمة تأسيس الجهاز السري لحركة حماس في غزة، وتعرض لتعذيب شديد للغاية، وكان ذلك الوقت مسايرًا لرياح اتفاقية أوسلو في المنطقة، فعمد الدكتور الشهيد إلى توضيح مخاطر تلك المرحلة، وما ستجلبه تلك الاتفاقية على الشعب الفلسطيني من خراب ودمار، حيث ألف كتابًا تناول فيه الاتفاقية بالتحليل، مما أدى لاعتقاله إداريًا لمدة 6 أشهر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكان الشهيد برغم ذلك يزداد حماسة لمواصلة الجهاد، فكان كثيرًا ما يردد: "لابد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد".


العطاء الفكري


ويصف الكاتب الدكتور المقادمة بأنه أحد مفكري جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في فلسطين، حتى وصفه بأنه عالم، ولكن ظروف حياته الصعبة وقضبان السجن الطويل حالت دون طباعة الدراسات التي أعدها، والكتب التي ألفها، ومحاضراته التي كان يلقيها.
ويشير الكتاب إلى تاليف الدكتور المقادمة لعدة كتب بأسماء مستعارة لظروف السجن، ويعد كتابه "الصراع السكاني في فلسطين" من أشهر الكتب التي ألفها داخل سجن عسقلان عام 1990تحت اسم الدكتور محسن كريم.
واستعرض الكتاب بين جنبات صفحاته عدة مقالات للمفكر الشهيد الدكتور المقادمة، ومنها مقالة الحل الأمريكي الصهيوني أسوأ من الحرب، وأمريكا والوهم الكبير، ورسالة إلى علماء الإسلام، نعم من البحر إلى النهر، وحقائق من الجهاد، الضغط على المقاومة.
وكان شعر الدكتور المقادمة أحد نتاجه الفكري الثري، فعند التأمل في شعره يلمس المرء ثقافة أدبية، ورهافة حس، وإشارات إنسانية لها دلالاتها، وقد نشرت للدكتور المقادمة بعض القصائد في صحيفة (روزاليوسف) بالقاهرة، وعندما جاء أنيس منصور- الصحفي المصري- لزيارة غزة وزار الفصل الذي يدرس فيه إبراهيم المقادمة "الطفل النابغة"، وقف إبراهيم الصغير ليحاور الصحفي، وبعدما خرج من الفصل قال لمرافقيه: "لقد شعرت بنفسي صغيرًا أمام هذا الطفل!!".


الاستشهاد


ليلة استشهاد الشهيد المقادمة رأى رؤية حدث بها ابنه أبا بكر على مسمع من زوجته، حيث ناداه وقال له: "يا أبا بكر، إن رسول الله– صلى الله عليه وسلم- قد دعاني إلى مأدبة الغداء". ثم أوصاه بأمه وأهله، وكانت صبيحة الرؤيا، يوم السبت 5/1/1424هـ الموافق 8/3/2003، وفي تمام الساعة (8.10) ظهرت طائرتان من نوع أباتشي الصهيونية (أمريكية الصنع)، في سماء مدينة غزة، وحلقتا على علو منخفض، وأطلقتا ما لا يقل عن خمسة صواريخ باتجاه سيارة مدنية من نوع ميتسوبيشي بيضاء اللون كانت تسير في حي النصر شمال مدينة غزة، فأصابت ثلاثة صواريخ منها السيارة إصابة مباشرة، مما حول السيارة إلى كتلة من اللهب، جعلت كل من فيها أشلاء، واستشهد على إثرها ثلاثة شهداء، وكان رابعهم الشهيد الدكتور القائد إبراهيم المقادمة.
وخرجت مدينة غزة عن بكرة أبيها لتودع الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة والشهداء الثلاثة من أبناء حركة حماس، في مسيرة جماهيرية حاشدة شارك فيها أكثر من 200 ألف من أبناء فلسطين، يتقدمهم قيادات حماس بينهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والأستاذ إسماعيل هنية، وسط صيحات التهليل والتكبير، ودعوات الثأر والانتقام.

الأربعاء، 11 فبراير 2009

الرجل الكتيبة "الشيخ القائد صلاح شحادة"



سنة النشر:2008

دار النشر :مركز الإعلام العربي-القاهرة

عدد الصفحات :72


يتناول الكتاب سيرة واحد من أهم الشخصيات القيادية في تجربة الجهاد الفلسطينية؛ فصلاح شحادة لم يكن بالرجل العادي الذي مر كعابر سبيل على حواف المشهد النضالي، لقد انغرس شحادة منذ البدايات في وضع اللبنات الأولى للعمل المسلح في فلسطين، وعمل على تطوير دولاب العمل الجهادي بشكل دءوب، وهذا ما جلب عليه حنق الاحتلال، الذي جعل صلاح شحادة يتصدر قائمة أهدافه، وبعد حياة حافلة بالعطاء والعناء من أجل فلسطين قضية وشعبًا رحل شحادة ظافرًا بالشهادة، ولم يجن قاتلوه من اغتياله سوى تسجيل جريمتهم في سجل مخازيهم، فجذوة الجهاد التي أشعلها شحادة ورفاق دربه صارت عصية على أن يخمدها أحد مهما بلغ جبروته.


بطاقة تعريفية


ولد صلاح الدين مصطفى علي شحادة في مخيم الشاطئ، يوم 24 شباط/فبراير 1952، وهو الأخ الأصغر لست بنات، ونزحت أسرته إلى قطاع غزة من مدينة "يافا" بعد أن احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948م، وأقامت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين.
التحق بعد شهادة الثانوية بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية، وفي السنة الثالثة بدأ التزامه بالتوجه الإسلامي يأخذ طابعًا أوضح، بعدما انتظم مع جماعة الإخوان المسلمين، وبدأ الحياة الجهادية والعمل في الدعوة إلى الإسلام فور عودته من مصر إلى قطاع غزة.
تزوج في العام 1976 وهو أب لست بنات، ولدت الأخيرة أثناء اعتقاله، وعمل باحثًا اجتماعيًا في مدينة العريش في صحراء سيناء، وعين لاحقًا، مفتشًا للشئون الاجتماعية في العريش، وبعد أن استعادت مصر مدينة العريش من الصهاينة في العام عام 1979م، انتقل صلاح للإقامة في بيت حانون، واستلم في غزة منصب مفتش الشئون الاجتماعية لقطاع غزة.
صفاته ومناقبه
اتسمت شخصية صلاح شحادة بالجد وروح المسئولية والتوثب للجهاد منذ الصبا، حيث يروي الكاتب أنه كان يؤوي المطاردين منذ كان صبيًا لا يتجاوز 15 عامًا، وكان ممارسًا للرياضة، وقد حاز على الحزام البني في المصارعة اليابانية، والحزام الأسود في لعبة الجودو.
تميز شحادة بقوة البنيان، وكان يعلق على هذا الأمر بروح الدعابة فيقول: إنه يخشى من مصافحة الناس، مخافة أن يتسبب في كسر ذراع أحد.
مكث شحادة في السجون الإسرائيلية خلف القضبان 14 عامًا، ورغم قسوة تلك التجربة التي يعتبر البعض سنينها عديمة الجدوى، إلا أن شحادة كان يخطط ويستفيد من كل دقيقة في يومه، وكان يقول: "يوم في الزنازين كساعة خارجه"، ويقول عنه الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي: "قضيت مع شحادة أحلى سنوات عمري داخل السجن عام 1988، ثم التقيته ثانية في عام 1995، وكان شحادة الخطيب في المعتقل، والمسئول عن تدريب الشبان في طابور الصباح..كان يمارس معهم رياضة قاسية، حتى أن إدارة السجن شكته عدة مرات، وادعت أنه يدربهم تدريبات عسكرية".
وقد أدار الشهيد القائد عام 1989 أحد العلميات العسكرية من داخل المعتقل، حيث استطاعت الخلية العسكرية التي يرأسها خطف جنديين وقتلهما، وإخفاء جثة أحدهما، وفي هذه المرة يحكي شحادة: "أشرف على تعذيبي إسحاق مردخاي، وأخذ يقول لي: "أنت رجل عسكري مثلي، مُرْ جنودك أن يسلموا جثة سعدون(أحد الجنديين القتلى)". فسألته: هل سلم المجاهدون سلاحه؟ وعندما رد عليّ بالإيجاب قلت له: من الخطأ أن يفعلوا، فطلقة رصاص واحدة أفضل عندنا من جندي منكم، لأننا بالطلقة سنقتل جنديًا آخر.
شهادة تاريخية
ويروي الكاتب على لسان الشهيد صلاح شحادة بداية تأسيس الجهاز الأمني لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين فيقول: "بدأنا تأسيس الجهاز الأمني عام 1980/1981، وبدأ الجهاز وكان عبارة عن مسدس وقنبلة، حتى أصبح قويًا، وتكونت مجموعة قوية وصلبة تنظم العمل العسكري داخل الجهاز، وكان في تلك المجموعة الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المجاهدين، كنت أنا آخر واحد في هذه المجموعة، والأخ إبراهيم المقادمة، ولم يعرف أحد من أفراد هذا الجهاز إلا في عام 1989، حيث كانت أول ضربة له، والتي عرف الناس على أثرها أن حركة حماس هي الوجه الآخر لجماعة الإخوان المسلمين، وأن لها جهازًا أمنيًا يعمل بدقة، لدرجة أن رجال المخابرات قالوا: كيف تخرجون فجأة إلى السطح وكأن لكم دولة".
ويقرر الكاتب أن حركة حماس أحدثت بقيادة الشيخ صلاح شحادة نقلة نوعية في مواجهة العدو الإسرائيلي، من خلال عمليات التفجير الاستشهادية داخل الكيان، وأحرزت العديد من الانتصارات على جهاز المخابرات الصهيوينة، برغم الصعوبات الجسام التي تواجه تلك العمليات التي كانت تنفذ في العمق الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل مجرد تسلل مواطن فلسطيني أعزل إلى الكيان يعتبر نصرًا أمنيًا على أجهزة الأمن الصهيوني، فكيف إذا كان المتسلل يحمل متفجرات يصل بها إلى العمق الصهيوني في تل أبيب ونتانيا أو حيفا...إلخ، ثم يقوم بتنفيذ عملية في حافلة أو في سوق أو مستوطنة..إنها بلا شك انتصارات أمنية للقائد صلاح شحادة وأبطاله المنفذين ومن خلفهم، وإخفاقات أمنية لأجهزة الأمن الصهيوني، وكل ذلك بفضل الله، ثم المجاهدين الصادقين.
ويستعرض الكتاب لموقف من جملة المواقف التي تعرض لها القائد صلاح شحادة داخل السجون الإسرائيلية، والتي تعبر عن رؤيته للوجود اليهودي في فلسطين، حيث يقول الشيخ شحادة: من المواقف داخل السجن أنه كان هناك لقاء مع المخابرات الصهيونية، وقد سألوني ما هي نظرتي لهم؟ فأنا قلتها بصراحة: نظرتي لكم أنتم ضحايا مشروع غربي، مفروض علينا في الشرق الأوسط، وهو مشروع الحاجز البشري الغريب في المنطقة، بريطانيا عندما أعطتكم وطنًا على أرض فلسطين لم تكن في يوم من الأيام تحب اليهود أكثر من البريطانيين، أرادوا أن تكون بلاد الشرق الأوسط سوقًا للسلاح، وكذلك ألا تنهض فيها خلافة جديدة، فأنتم حاجز بشري، وضحايا مشروع غربي، فيجب أن تستيقظوا، ولا تدافعوا عن هذا المشروع بحجة الدفاع عن النفس، لماذا يعطونكم السلاح، ولماذا لا يموت أبناؤهم الغربيون؟ وأنتم الذين تموتون؟


الاستشهاد


يروي "إليكس فيشمان"- المحلل السياسي في جريدة يديعوت- عملية اغتيال القائد الشهيد فيقول: كان واضحًا للأوساط الاستخباراتية أن ثمة أحدًا ما من الخارج يدير شبكة العمليات الاستشهادية بصورة وثيقة، حيث إنه برغم الحضور المكثف للجيش في المناطق والعمليات المكثفة من الاعتقالات والإحاطات..تواصل خلايا حماس في الضفة الغربية الحفاظ على صلة دائمة مع أوساط داخل الخط الأخضر، توفر لهم معلومات عن أهداف ممكنة لعمليات استشهادية، ثمة شخص ما يطرح الأسئلة، وثمة شخص ما يتلقى الإجابات، وثمة شخص ما ينقلها إلى الميدان، ومن أجل تصفية الخلايا السرطانية التي ترفض الزوال يجب الوصول إلى الدماغ.
وكانت المفاجأة أن الدماغ يقيم في غزة، وفجأة في الأشهر الأخيرة أشارت المعلومات الاستخباراتية إلى هذه الظاهرة الجديدة: "صلاح شحادة"، الرجل الذي يعتبر رقم "1" لعز الدين القسام في قطاع غزة، وبدأ الجهاز الاستخباراتي يحكم الطوق على هذا الشخص.
1-مجلس الوزراء الصهيوني المصغر قرر (تصفية) شحادة، وشعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز (الشاباك) يكثفان نشاطهما في جمع المعلومات الاستخباراتية.
2-مايك هيرتزوغ– السكرتير العسكري لوزير الدفاع الصهيوني "بنيامين بن اليعيزر"- ينقل معلومات نُقلت إليه من عملاء للعدو عن تواجد شحادة وزوجته ومرافقيه في أحد المنازل الجديدة في قطاع غزة، ثم يصادق على عملية الاغتيال، ثم يعرض الجنرال "موشيه فركش" على شارون صورًا جوية للمنزل، بعد المصادقة السياسية، يأمر رئيس أركان الجيش الصهيوني "موشيه يعلون" طائرة حربية من طراز(أف 16) بالإغارة على المكان.
فكان الاغتيال ظهر يوم الاثنين 22/7/2007، حيث أعلن الميجور جنرال "دان هالوتز"، أن الصهاينة ألقوا قنبلة بلغت طنًا على المنزل الذي كان يقطنه الشهيد صلاح، فاستشهد هو وزوجته وثلاث من بناته، في مجزرة أشرف عليها رئيس وزراء الكيان الصهيوني شخصيًا، ليكون بحق "رجل تحاربه دولة".

الدبلوماسي الوقور الشهيد "إسماعيل أبو شنب "




قليلة هي الشخصيات التي استحوذت على رضا الشعب الفلسطيني بكل فئاته وشرائحه، فالتنافس السياسي والاحتقان التنظيمي كثيرًا ما يشكل حاجزًا نفسيًا يحول دون تقدير الرجال بعيدًا عن الأهواء، وإسماعيل أبو شنب "أبو حسن" من هذا الصنف النادر الذي استولى حبه، والقناعة بصدقه على عموم أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله.


كان أبوشنب توافقيًا إلى أقصى الحدود، وكان يغلب توحيد الكلمة على كل ما عداه، ولقد كانت مناسبة استشهاده هي الأخرى توافقية بامتياز، ففي ذلك الظرف كانت العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينة على وشك الانفجار في قطاع غزة، وجاء استشهاد أبوشنب لينزع فتيل الصراع.


ومن الكلمات التي يتذكرها الكثيرون في هذه المناسبة قول أحد قادة الفصائل الفلسطينية عن أبوشنب: إنه كان قائدًا وحدويًا في حياته وحتى في مماته.


الميلاد والنشأة:


ولد إسماعيل حسن محمد أبو شنب "أبو حسن" في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، في 28/3/1950، لعائلة طردت من قرية "الجية" قضاء المجدل داخل أراضي 1948، وسكن في ذلك المخيم حتى بلغ سن الرابعة عشرة، وبعد وفاة والده انتقل إلى مخيم الشاطئ قرب غزة، وترعرع وعاش في أزقته وشوارعه، ونشأ في أسرة متدينة مكونة من شقيق واحد وثلاث شقيقات، وكان والده يحفظ القرآن كاملاً، وشجعه على حفظ القرآن متمًا حفظ نصف القرآن في السادسة عشرة من عمره، وذلك إلى جانب ما أرسته والدته في نفسه من معانٍ رفيعة.


التعليـم


درس أبو شنب الثانوية العامة ثلاث مرات: الأولى في بيرزيت عام 1966، والثانية في غزة 1967، ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق في مصر، إلا أنها لم تُرض طموحه، فقرر إعادة الشهادة الثانوية للمرة الثالثة في مصر عام 1968، حيث التحق بكلية الهندسة جامعة المنصورة، وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1977، وبعد تخرجه عمل في بلدية غزة بقسم الهندسة، ثم عمل معيدًا لعدة سنوات في كلية الهندسة جامعة النجاح الفلسطينية في نابلس قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة في بعثة حصل خلالها على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة كلورادوا عام 1982، ثم عين قائمًا بأعمال رئيس قسم الهندسة المدنية عام 1983-1984، حتى أغلق الاحتلال جامعة النجاح، ثم عين محاضرًا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة، وعميدًا لكلية المجتمع والتعليم المستمر بالجامعة، ورئيسًا لكلية العلوم التطبيقية، وعمل حتى استشهاده مديرًا لمركز أبحاث المستقبل في غزة.


تكوين شخصيته الإسلامية


تأثر أبو شنب بالشيخ أحمد ياسين- مؤسس حركة حماس- منذ كان صغيرًا، فأصبح ملازمًا له، حيث كان يسكن في نفس مخيم الشاطئ الذي يقطن فيه الشيخ ياسين آنذاك، حيث كان يتسم الشيخ ياسين برغم إعاقته بأنه ذو تأثير واضح في الحياة الاجتماعية والثقافية للمخيم، وفي نهاية الستينيات تعرف على العمل الإسلامي من خلال الشيخ ياسين.


كما كان لعدد من الشخصيات الإسلامية أمثال الدكتور موسى أبو مرزوق- نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق- والشهيد فتحي الشقاقي- مؤسس حركة الجهاد الإسلامي- دور في تكوين شخصية أبي شنب الإسلامية، كما أتاحت له رحلة الدراسة في مصر الالتقاء بقادة الإخوان المسلمين مثل: الشهيد د. إبراهيم المقادمة- "القيادي في حماس"-وغيره من قادة الإخوان المسلمين، حيث تأثر بفكرهم الدعوي، وعندما عاد من الولايات المتحدة ظهرت شخصية الشهيد إسماعيل أبو شنب كقائد إسلامي في صفوف حركة حماس.


جهاده


ويقدم الكتاب للدور المميز الذي قام به "أبو شنب" خلال الانتفاضة، حيث كان له دور هام في قيادتها منذ الشرارة الأولى لإشعالها، حيث كلفه الشيخ أحمد ياسين منذ اليوم الأول لاندلاعها بمسئولية قطاع غزة في تفعيل أحداث الانتفاضة، وكان نائبًا للشيخ ياسين، حيث عمل منذ اليوم الأول في الانتفاضة على متابعة كل الأحداث التي تقوم بها حماس، وعمل على تقويتها من خلال العمل على تطوير أساليبها، وتنظيم الأجهزة المتعددة وترتيب حركتها.


وحين تم اعتقله الاحتلال في 30/5/1989 حتى الإفراج عنه في 2/4/1997، لم يتوقف أبو شنب عن العمل، فمنذ اللحظة الأول من اعتقاله انتقل لمرحلة جديدة من العمل الجهادي مهيئًا نفسه لتلك المرحلة، مدركًا صعوبة البداية، حيث أخضع لتحقيق قاس لمدة ثلاثة شهور من قبل المخابرات الصهيونية في سجن الرملة، وبعد هذه الفترة من التعذيب نقل إلى زنازين العزل لمدة 17 شهرًا لم ير خلالها النور، وبعد انقضاء فترة العزل عام 1990 أصبح ممثلاً للمعتقلين في الرملة، ثم انتقل إلى سجن عسقلان، حيث أمضى بعد ذلك باقي مدة محكوميته البالغة ثماني سنوات، وقاد خلال هذه الفترة الحركة الأسيرة بصورة رائعة، بشكل لم تشهد الحركة قائدًا مثيله، حيث خاض هو وإخوانه المعتقلون إضرابين كان لهما أثر بالغ على تحسين حياتهم داخل السجن، وذلك في عام 1992وعام 1995.


واضطلع أبو شنب بعد الإفراج عنه عام 1997 بدور مهم كقائد سياسي في حركة حماس، حيث كان يمثلها في الكثير من اللقاءات مع السلطة والفصائل الفلسطينية، وكان يعرف بآرائه المعتدلة في فترة شهدت فيها علاقة حماس مع السلطة الفلسطينية توترًا شديدًا؛ بسبب اعتقال عدد كبير من قيادات حماس في سجون السلطة الفلسطينية.


صفاته ومناقبه


كان المهندس يوصف بأنه صاحب فكر سياسي، وقدرة كبيرة على الإقناع، حتى إنه أضحى يعرف بأنه صاحب الشخصية المرنة المغناطيسية المحورية، كما أنه في ذات الوقت محاور لا يشق له غبار، خاصة مع وسائل الإعلام الدولية، وحتى الصهيونية، فضلاً عن كونه صاحب قيم وأخلاق ومبادئ في العلاقات الرسمية والإنسانية مع الآخرين، فكان لا يدخر جهدًا لمد جسور الثقة والتعاون والمحبة والاحترام بين الفرقاء، وكان دائمًا ما يغلب الحس العام على الحس الحزبي الخاص، فهو رجل الوحدة الفلسطينية الحقيقي، يمعن النظر والفكر في قراءة الواقع وتطوراته الوطنية والسياسية، ويجيد استخلاص العبر، ويتقن صياغة الدروس والجمل المفيدة، ولا يسمح للمزايدات والمغالاة بالتسرب بين السطور، فدائمًا ما حقن الدم الفلسطيني، ومنع الفتنة، وأوصد الأبواب أمام الاقتتال والصدام الداخلي.


أفكاره ومبادؤه


ويستعرض الكتاب موقف الشهيد أبي شنب من اتفاق أوسلو ونتائجه، حيث أورد كلمات للشهيد قال فيها: "هذا الاتفاق يحمل بذور فنائه، فلن يصمد أمام الاستحقاقات الحقيقية لتطلعات الشعب الفلسطيني، التي أوهم البعض من أبناء الشعب الفلسطيني نفسه في أنه سيحققها.. وعندما اصطدم الجميع في التفاوض على القضايا النهائية وجدوا أن الموقف الصهيوني بعيد تمامًا عما يقصده، أو يريده الفلسطينيون، وعندما فجر شعبنا الانتفاضة، فكانت هي الرد الفلسطيني العملي على التعنت الصهيوني في تطبيق الاتفاق".


كما يعرض الكتاب لوجهة نظر الشهيد أبي شنب في وجود السلطة الفلسطينية الناتج عن اتفاق أوسلو، بأن وجود السلطة لم يخدم القضية التحررية، بل جعل العالم العربي كله ينفض يده من القضية الفلسطينية، ويقول بأن هناك سلطة فلسطينية فتـتحمل مسئوليتها، كما أن وجود السلطة أعفى الاحتلال من مسئولياته جهة المدنيين الفلسطينيين، فأصبحت السلطة تحمل أعباء الوضع الفلسطيني الداخلي بكل إشكالياته، وتريح الاحتلال من هذه الاشكاليات، لذلك فإن السلطة رغم أنها نتاج أوسلو، إلا أنها لا تشكل إيجابية مطلقة من وجهة نظر البعض في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.


وحول الآثار والأبعاد التي خلفها اتفاق أوسلو، يقول أبو شنب: "اتفاق أوسلو أخّر القضية الفلسطينية عشر سنوات، وأوقف مد المقاومة المتصاعد، وساعد في انفضاض الأنظمة العربية عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية، وأيضًا عزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي بشكل أو بآخر، كما أن التفاوض الفلسطيني انخفض سقفه عن التطلعات الفلسطينية في عودة اللاجئين، وفي تحرير كامل التراب الفلسطيني، وتراجع إلى أن أصبح سقفًا مقصودًا به تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م، كما تم إلغاء الميثاق الفلسطيني من أجل إقناع الشارع الصهيوني بعدول منظمة التحرير الفلسطينية عن الإرهاب، وهذه عيوب كبيرة وسلبيات وقعنا فيها خلال العشر سنوات الماضية تراجعت فيها قضيتنا الفلسطينية إلى هذا المستوى الذي وصلنا إليه".


الاستشهاد


قصفت المروحيات الصهيونية حوالي الساعة الواحد والربع من ظهر يوم الخميس 21/8/2003م سيارة الشهيد بخمسة صواريخ، أمام المقر الرئيسي لوكالة الغوث الدولية للاجئين في شارع محافظة غزة، في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، وقد خرج أكثر من 150 ألف فلسطيني من جميع طوائف الشعب الفلسطيني بعد ظهر يوم الجمعة 22/8/2003م لتشييع جثامين الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في القصف الصهيوني، وألقى ذوو الشهداء نظرة الوداع الدنيوي على جثامين بارود وأبي العمرين، ولم يتمكن ذوو القائد أبي شنب من وداعه بسبب احتراق وتشوه معالم جثته من شدة القصف، وكان في مقدمة مسيرة التشييع الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.

-------------

سنة النشر:2008
دار النشر :مركز الإعلام العربي
عدد الصفحات :64

-----------

نقلا عن موقع القدس أون لاين

الاثنين، 9 فبراير 2009

أسماء بعض الشهداء من قادة "حماس" وأبنائهم



قدمت حركة حماس وقياداتها نموذج في الجهاد والمقاومة، حيث دفع قادتها بأغلى ما يملكون من أجل عزة الأمة وفداء لهذا الدين، فلم يبخلوا على دينهم بأموالهم وأنفسهم وبفلذات أكبادهم.


وإليكم كوكبة من شهداء قادة حماس وأبنائهم والذين طالما ألحوا على الله بالدعاء بأن يرزقهم الشهادة في سبيله :

- الشيخ الشهيد أحمد ياسين + زوج ابنته.
- الشيخ الشهيد صلاح شحادة + زوج ابنته محمد + ابن أخيه بلال (عملية استشهادية(، + زوجته وابنتيه
- الشيخ الشهيد عبد العزيز الرنتيسي+ زوج ابنته علاء.
- الشيخ الشهيد جمال منصور.
- الشيخ الشهيد جمال سليم.
- الشيخ الشهيد إسماعيل أبو شنب.
- الشيخ الشهيد إبراهيم المقادمة + ابني شقيقته القائد القسامي مصعب الجعبير، ومحمد.

- الشيخ الشهيد الدكتور نزار ريان وزوجاته الأربع وإحدى عشر من أولاده.

- الشيخ الشهيد الوزير سعيد صيام وابنه وشقيقه.


أسماء القادة من حماس الذين فقدوا أقاربهم


- إسماعيل هنية (ابن أخته عادل قائد في وحدة التصنيع).
- الدكتور محمود الزهار فقد اثنين من أبنائه وهما (خالد وحسام (تصدي للاجتياح)، وزوج ابنته القائد أحمد عوض
- الدكتور نزار ريان (ابنه إبراهيم (عملية استشهادية).
- الشيخ محمد طه (ابنه ياسر (قائد ميداني وحدة التصنيع).
- الشيخ عبد الفتاح دخان (ابنه طارق (مجاهد قسامي).
- الشيخ حماد الحسنات (ابنه ياسر (قائد قسامي).
- الشيخ أحمد نمر (ابنه حسام (قائد قسامي).
- الشيخ أبو ماهر تمراز (ابنه صهيب (عملية استشهادية).
- الشيخ مروان أبو راس (ابنه عاصم (وحدة التصنيع).
- الدكتور علي الشريف (ابنه علاء).
- القائد القسامي أحمد الجعبري (ابنه محمد + أخويه حسن وفتحي).

جمال منصور .. شهيد لن تنساه فلسطين



كان الشهيد الشيخ جمال منصور القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، من الرموز المرموقة في ساحة الجهاد الفلسطيني، وقد ساهم في تجذير الحركة وربطها بمجتمعها وبمحيطها الفلسطيني والعربي بل والدولي.
ولد في مخيم بلاطة القريب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 25 شباط (فبراير) 1960، ويوم استشهاده كان متزوجًا وأبًا لثلاثة أطفال، وقد استشهد هذا البطل عن عمر يناهز الأربعين .
ينتمي جمال منصور إلى قرية سلمة قضاء يافا، فهو من مواليد مخيم بلاطة، وكان يسكن مدينة نابلس، يعني جمع أطراف الحياة الفلسطينية جميعا من مخيم وقرية ومدينة.
كان والداه يحدثانه باستمرار عن يافا، حتى أصبحت جزء منن الذاكرة المتكررة التي نقلها إلى أطفاله، كما كان يقول. وعن دراسته وتخصصه العلمي فإن كان يحمل درجة البكالوريوس في المحاسبة وإدارة الأعمال.
برز كمتحدث باسم حركة "حماس" في الضفة الغربية، وشغل موقع الناطق الرسمي باسم وفد الحركة للحوار مع السلطة الفلسطينية عام 1994.
أُبعد جمال منصور إلى مرج الزهور عام 1992، مع زمرة المجاهدين الذين يقودون "حماس" والمقاومة الفلسطينية الآن، كما اعتقلته السلطة الفلسطينية مرات عدة منذ دخولها إلى مدينة نابلس.
كان جمال منصور مؤسسًا للكتل الطلابية في الجامعات، فكان يعتبر العمل النقابي الطلابي من أهم مراحل حياته، إذ إنه يعتبر الانطلاقة الأساسية والتوجه للعطاء وللتعامل السياسي ومعالجة القضايا العامة والتصدي لمشاكل المجتمع وهي مشاكل الشباب بالتحديد، وهي جزء مهم من هذا العمل إذا أصلح هذا القطاع في هذه المرحلة من عمر الشباب ومن عمر المجتمع، ولهذا كان من الطبيعي والمنطقي أن أصبح الشباب الإسلامي الذي اشترك في هذه التجربة هو الذي يقوم بدور قيادي في كل مستوي من مستويات الفصائل في إطار الحركة الإسلامية في الداخل والخارج.
من ثوابت جمال منصور الثقافية والفكرية أنه في العمل النقابي لا يتم نسخ تجربة وإنما يتم بناء تجربة وشخصية قادرة على أن تشق لنفسها طريقها بشكل مستقل قادرة على التفكير والإنجاز والإبداع.
كان جمال منصور يرى أنه إذا ظن أحد أن المواجهة مع الاحتلال هي مواجه فقط مع هذا المشرع في شقه السياسي يكون قد خسر المعركة منذ بدايتها، فمعركتنا حضارية ثقافية اجتماعية، هي معركة إنسانية ومعركة رؤية ومشروع، فإذا غاب عنا هذا التصور نكون قد خسرنا من البداية معظم أوراقنا قبل أن ندخل المجابهة، ولذلك كان الإنسان الفلسطيني يستهدف في كل المواجهات على المستوى النفسي وعلى المستوى الاجتماعي، ولهذا قال المسئول عن إدارة السجون الصهيونية في السبعينات: مهمتنا في السجن خمس سنوات أن يخرج الإنسان عالة على المجتمع، وقد كان هذا تحديا للمجتمع الفلسطيني وللشباب الفلسطيني فأصبح من يخرج من السجن ويقضي خمس سنوات يشكل حالة متقدمة من الوعي الفلسطيني التي تحمل من هو عالة في خارج المجتمع العادي، أصبحت السجون الصهيونية مدارس بناء كيانات جديدة، بناء مستويات متقدمة، أصبحت السجون جامعات.
أول مرة اعتقل فيها جمال منصور كانت وعمره 19 عاما، وكان مجموع مرات استضافته في السجون الإسرائيلية ما مجموعه 16 مرة، في معظمها كانت تحقيق اعتقال إداري تخللها الإبعاد إلى مرج الزهور كقضية اعتقال ثم إبعاد وثلاث سنوات قضاها في سجون السلطة. وكان جمال منصور يرى أن فترة السجن إما أن تكون استهلاك للإنسان وقضاء على إنسانيته وفترة انتظار، أو تكون فترة بناء انتظار للدور القادم، ولذلك كانت مهمته الأساسية في السجن في الفترة الأولي هي بناء علاقة وطنية مشتركة مع قوى كانت ترى في مرحلة من المراحل أن الحركة الإسلامية ليست جزءً من النسيج الوطني في البلد.
كان جمال منصور يحمد الله أنه رغم ظروف الاحتلال استطاع أن يبني بيتًا وعائلة، ويقول: رغم كل الظروف كنت انتزع الأطفال من بين ظروف الاعتقال، وقد تحديت مرة أحد المحققين الصهاينة وقلت له إنكم في خارج السجن تعيشون حياة عادية، كم ولدا لك؟ قال ولدين، فقلت له الحمد لله من بين 14 مرة اعتقال قد انتزعت خمسة أطفال، أنا أعيش حياتي الطبيعية رغم كل شيء، ونتحدى الاحتلال ونتحدى الواقع الصعب لكي يكون المستقبل أجمل.
كان جمال منصور يؤمِن بفلسفة ثابتة شكّلت عموداً فقرياً للتصوّر السياسي الذي عمِل من خلاله؛ ذلك أنّه يعتبر نفسه حيثما وجد صاحب قضية ينبغي أن يعمل من أجلها بحسب الظرف المتاح ولا مجال للاستنكاف أو التعذّر بالعوائق مهما كانت طبائعها؛ فإن كان في حافلة فإنّ رسالة تستوعبها المسافة الزمنية المخصّصة للسفر ستفرِض نوعية العمل السياسي المطلوب من خلال برنامجه الدعوي الشامل، وكذا في المتجر أو مكان العمل بما يسمح الظرف المتاح ضمن الحكمة الراشدة، ومن هنا فإنّ فترة الاعتقال شكّلت نمطية فريدة للأسلوب الدعوي؛ ففي السجن كانت مسألة العلاقة بين الفصائل الوطنية، وخصوصاً تلك التي كانت ترى في الحركة الإسلامية جسماً خارجاً عن نطاق النّسيج الوطني، ومن نحو آخر فإنّ رؤية الشباب الإسلامي لكلّ ما هو غير إسلامي رؤية تشوبها الشكوك والمخاوف.

ولعلّ من أهم الإنجازات الحكيمة التي نجح في إحرازها توقيع أول اتفاق –في السجون – بين الحركة الإسلامية و الفصائل الوطنية الأخرى بعد سنة واحدة من أول اعتقالٍ له في الانتفاضة الأولى؛ وقضى الاتفاق في حينه أن هناك أرضية واحدة للعمل السياسي على الساحة الفلسطينية؛ ذلك أنه لن يستطيع تنظيم من التنظيمات أن ينفرد بالساحة الفلسطينية دون غيره، وقد كان الشهيد أول الموقّعين على هذه الوثيقة الداعية إلى وحدة وطنية، بل وأضحى أبرز الفاعلين في تكريس مبادئها من خلال ترجمته العملية على الخصام الفكري و التسامح مع الذين سجنوه وآذوه لاحقاً من أبناء السلطة المحسوبين على تيارات وطنية معروفة.
كانت فلسفته العقلية في إطار الحوار والمناقشة والالتقاء المشترك تؤمِن بأنّ الإنسان الذي لا يملك حرية وإرادة ؛ فذلك عبدٌ حتى وإن كان في إطار تنظيم سياسي. وقد ساعد هذا التصوّر في بناء شخصية فريدة حظيت بقبول واسع لدى القيادة العريضة للحركة الإسلامية، ولدى الأوساط السياسية العاملة في الساحة الفلسطينية.
كان جمال منصور سياسياً لبقاً واجتماعياً موفّقاً ومفكراً ملهماً، إلاّ أنّ ذلك لم يصرفه عن مقارع الفرسان ومطاعن العظماء مع المجاهدين الأوفياء؛ فعلى الرغم من حساسية موقعه وظروف مسيرته إلاّ أنّ عالم الشهادة والشهداء ظلّ حلمه المنشود وغايته الموعودة وأمنيته المشتهاة.
كانت غبطة الاستشهاديين وحُب طريقهم، دَيدنَ حديثه ومجال تفكيره، يقول الشهيد: "علاقتي مع الاستشهاديين علاقة البعض من الكل؛ إذ كُنت أحسّ أن أمنياتي في الحياة الدنيا كهؤلاء الشباب؛ لعلّ نوعاً من الغبطة لا الحسد كان يشكّل جُزءاً من هذه العلاقة المتشابكة".
كان جمال منصور من أولئك القلائل الذين يدرسون المستقبل على ضوء التصوّرات الحكيمة الملهمة، غير عابئين بما يحمله الواقع السياسي من إفرازات سيئة وسلبية، بل قدرة إبداعية ملهمة فريدة على قراءة ما وراء الحدث ضمن معالم السنن والثوابت، ومن هنا فقد كان دائم التفاؤل بقرب النصر وزوال الغم.
اعتقد أنّ المستقبل القريب سيفتح آفاقاً رحبة للعمل الإسلامي؛ تصبح الحركة الإسلامية حينها مدعوّة لتحمّل العبء الأكبر من الهموم السياسية العالمية المنوطة بالعالمين العربي و الإسلامي؛ لأنها المرشّح الوحيد المؤهل لوراثة القيادية الجديدة للقضية الفلسطينية بعد سقوط المشروع السلمي و انهياره.
كان جمال منصور يدرِك أن ذهاب القادة لن يدع حداً لتمدّد الصوت الإسلامي وانتشاره؛ لأن اغتيال القادة سيبرز أناساً آخرين تأخذ الراية وتستكمل الدرب؛ فذهاب صلاح دروزة زرع في كلّ القلوب حسرة وجمرة، لكنه في الوقت نفسه رفع فوق رؤوسهم راية وفي داخلهم شعلة.
بنى الشهيد جمال منصور رؤيته على أن التوجّسات الإسلامية حول المشروع السلمي تنبع من تجارب كان لها ثقلها على الساحة الفلسطينية؛ ذلك أن الإسلاميين يرون أن إفرازات أوسلو وما تبعها من تفاهمات أمنية شكّلت فجوة حقيقية بين أنصار السلام المزعوم وأصحاب المشروع المقاوم، وأنّ هؤلاء الأخيرين لا يمكن لهم أن يثقوا بسجّانيهم ومتتبعي آثارهم لصالح العدو الغاصب. ذلك التوجّس قد يحتاج إلى شيء من التأمل للنظر فيما هو أبعد منه، لعلَلٍ تستحق الوقوف عليها، فمرحلة أوسلو قد ولّت إلى غير رجعة، ودفنت في أرضٍ لا خلاق لها؛ ومن هنا فإنّ حركة المدّ المقاوم ماضية بإذن الله، ولا مجال للعودة ثانية إلى مربعات الخداع المضلِّل.
الجديد عند الشهيد جمال منصور أنه كان يرى أصحاب المشروع السلميّ لا يمكن وصفهم بالخيانة (رغم وجود علامات استفهام على بعض منهم)، بل هم في نظره أصحاب مشروعٍ خاطئ، ولا شك بأنّ قطاعاً واسعاً منهم أدرك مواطن خطئه؛ وهؤلاء أخوة للإسلاميين ولا يصحّ أن يُجعًل منهم أعداء للحركة الإسلامية. لأن هؤلاء سيعودون لمربع الحركة الإسلامية عاجلاً أم آجلاً.

و هو يرى أن الحركة الإسلامية ليست كباقي الحركات؛ فهي الأم الحنون التي تحتضن أولادها حتى و إن ناصبوها العداء و المخاصمة؛ و من هنا فإن واجب الحركة الإسلامية أن تنتهج سياسة التوريط الإيجابي في العمل المقاوم، و تدفع بالتوجّهات الفكرية نحو مربع المقاومة و الجهاد. و من هنا فإنّ السعي الجاد لتقريب وجهات النظر وبناء الأسس الداعمة للوحدة الوطنية على أرضية المقاومة و طرد الاحتلال، جانب مهم من متطلبات الحركة العاقلة.
استشهد البطل جمال منصور وسط مدينة نابلس في 31/7/2001 ، بحادث استهداف صهيوني فريد يؤكد مدى خوفهم من أمثال هذا البطل.
-------------------
بقلم: أحمد وهدان

إنَّ مِنَ الحماس لَسِحرًا!.. صيام من باب الرَّيان





حركةٌ يُغتال قادتها كلِّ بضعة أشهر مرَّةً أو مرتين, ويؤسر أبطالها منذ فجر انطلاقتها, وتُحاصَر وتُحارَب بيد أعدائها وأعوانهم, وتُهاجم وتُرمى بقيح الكلام من أقبح النفوس، وبرغم كل ذلك وأكثر فإنها لا تتأثر وتظلُّ شامخةً؛ رأسها يعلو فوق السحاب، وجذورها تضرب في قلب الأرض, ولا يُضيرها ما ينسج حولها من مكائد وما يُرمى به جدارها المنيع من قذائف.

استشهد "عيَّاشها" فعيَّشت المغتصبين في نار عملياتها الاستشهادية, واغتيل مؤسِّسها فأسَّست حكومة للشعب الفلسطيني، وتربَّعت على سُدَّتها, وحوصرت غزَّتُها فأخرجت الشعوب من الدول العربية والإسلامية والغربية (كفنزويلا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وتركيا واليونان وبلجيكا وبوليفيا والنرويج، والقائمة تطول) لتحمل تلك الجموعُ راياتٍ خضراءَ وأعلامًا فلسطينية, وتهتف بصوت هادر: "كلنا غزة".

في مظاهر استشهاد القادة والحرب والحصار, سطع نجم حماس وعلا صيتها، برغم أنها الحلقة الأضعف؛ فما الذي سيجري اليوم بعد أن أصدرت هذه الحركة المباركة بيان الانتصار؟!

لا ينفع المالُ الأنامَ ولا الغنى ما لم يكن تاج الأنام حماس
ولا يكون التاج في الحربِ إلا مِشعلاً مُسرَّجًا تمُدّه الدماء بالثبات وتزيده المقاومة إصرارًا على المواقف, ولا يكون المشعل إلا في القمة ليشمل في حدود نوره كلّ محب وصديق، وليهتديَ به كل ضالٍّ للطريق، ولا تكون القمة إلا لحماس ومن دعم صمودها وبارك جهادها.


"الكيان الصهيوني أصبح اليوم عاجزًا عن النصر".. هذا ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في قمة الدوحة, والتي مثَّل فيها الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع العزَّة, وعن يمينه الجهاد الإسلامي، وعن شماله الجبهة الشعبية القيادة العامة, في صورةٍ تُعجِب الأطهار وتغيظ الأعداء والفُجَّار؛ توحدت فيها قوى المقاومة خلف نبراسها ومشعلها.

وفي اللحظة التي حاصر فيها العدو الصهيوني حركة حماس, وأراد أن يُطيح بحكمها في غزة, خرجت له في قمَّة يُنصت لها الملوك وتُصفِّق لها الشعوب؛ لتتحدث باسم المقاومة وتهاجم الكيان المسخ وتتوعّده بهزيمةٍ سرعان ما تحقَّقت باندحار الجيش الصهيوني وهو يجرُّ أذيال الخيبة وأشلاء الضحايا.



صيام من باب الرَّيان



رحل في هذه الحرب إلى الجنان قادةٌ ورموز حمساوية لا مثيل لها في العالم أجمع, وسطَّرت تلك الرموز بدمائها وأشلاء أهلها طريق العزَّة ورسمت خارطة النصر، فزادت دماء الريّان من ثبات حماس وصلابتها, وأشعلت حروق صيام نار الثأر في قلب المقاومة؛ وما لملمة الكيان الصهيوني لأوراق الحرب وتراجعه عنها بحجج واهية, بعد اغتيال المجاهد سعيد صيام, إلا خير دليلٍ على خوفهم من ردة الفعل القسَّامية.

لم يشترك نزار الريان وسعيد صيام في الاسم الذي جمع بين الصيام و جزاء أهله فحسب, بل تشابهوا أيضًا في أن استشهادهم؛ جاء في يومٍ سُنَّ فيه الصيام، فحملت شهادتهم الزَّكية رسالة نديَّة بهيَّة توضِّح للجميع التحام حماس مع شعبها وتقاسمها الهموم معه ودفاعها عنه, واختلاط دماء رموزها مع دماء أطفاله، وبيَّنت هذه الشهادة كيف أنَّ الله مع هذه الحركة حتى في تنسيق أيام الاتخاذ والاصطفاء!.

"إما النصر وإما الشهادة"، كانت الشهادة في يوم الخميس للقادة, ونُقل بيان النصر الأول في ليلة الخميس 21/1/2009م عبر (القدس) إلى أبناء حركة حماس في العالم.




بالهنا يا هنيَّة





لم يُسبَق للتاريخ الحديث أن شهد رئيسًا للوزراء يجهر بصوته المغوار قائلاً: "إننا نُقبِّل رءوسكم وأيديكم والأرض من تحت نعالكم أيها الرجال الأحرار الأبطال"، ولا أحرار ولا أبطال بعد اليوم إلا في غزَّة، ولم يشهد التاريخ الحديث قائدًا يحمل همَّ شعبه كما حمل ابن حماس همَّ الإسلام, ولم يشهد العالم رئيسًا منتخبًا لا يُعارضه عاقل إلا رئيس وزراء حكومة المقاومة الفلسطينية.

"ستنتصر غزَّة".. هذا ما قاله القائد إسماعيل هنيَّة في يوم 12/1/2009م, يوم رفع أكفَّ الضراعة يدعو لشعبه المظلوم, وتُردد الأمة من خلفه "آمين".

وفي يوم 18-1 كانت استجابة دعاء المظلوم والإمام العادل حاضرةً في خطاب أبي العبد: "نحن في لحظة تاريخية وانتصار تاريخي.. إن هذا الانتصار يفتح الباب واسعًا أمام حتمية النصر الأكبر"، عينه على الأقصى ودعاؤه للأسرى وقلبه مع اللاجئين؛ فمن اللحظةِ الأولى لهزيمة الصهاينة ربط الانتصار بانتصارٍ قادم يعيد كامل الحقوق المسلوبة؛ فهو لا ينسي أنَّه قد صرَّح ذات يوم بما في قلبه وفكره, وردد بصوته الجهور ثلاثًا: "لن نعترف بإسرائيل"!.



القسَّام.. جيشٌ لا يُقهر



هل يشرب القسَّامي ويأكل؟! وهل يشعر بالنعاس؟! وكيف يقتل الصهاينة دون أن يتأثر؟!
أسئلةٌ يطرحها الصغار ويحار في أجوبتها الكبار؛ فما الذي سنقوله عن ذاك القسامي الذي يواصل الليل بالنهار وهو يُقارع مدفعيةً من دبابةٍ أو طائرةٍ أو زورق, ويتمكَّن برغم شدَّة المواجهة من صهر الرصاص المسكوب, وتوسيع بقعة الزيت اللاهب!، وكيف لنا أن نشرح أن جنديًا أعزل إلا من قليل السلاح, يجندلُ جيشًا مُعزَّزًا بأطنان القنابل ومُحمَّلاً بكل المُعدَّات القتالية المتطورة؟! وكيف نستوعب أن قطاعًا مُحاصَرًا من الجو والبر والبحر؛ يجبر الأعداء على الهرولة لعقد اتفاقياتٍ تمنع من تسلُّحه وإمداده ببعض الذخائر؟! (مع علم الصهاينة المُسبق بأن شيئًا لن يمنع "الأشباح" من تحقيق مُرادهم, وأنهم إذا ما أرادوا إدخال السلاح فلن يحول بينهم وبين ذلك حائل أو مانع).

حربٌ معلنة لاجتثاث كتائب القسَّام من قطاع العزَّة؛ تقابلها الكتائب بإعلان تخطيطها وعملها على أسرِ جنودٍ صهاينة, وهو ما طبَّقته فعليًّا في أرض المعركة, يوم استدرجت جنودًا مُدجَّجين بالسلاح وأوقعتهم أسراها قبل أن تقصفهم الطائرات الصهيونية التي فتَّتت الجنود بنيرانها الصديقة!.

عظمة كتائب العز لم تقف عند حدِّ الدفاع عن غزَّة والاستبسال على أعتابها, وردِّ العدوان وإركاع العدو، بل إنها تخطّت هذا إلى مرحلة صيدِ الجنود؛ لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال.



أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا؟!


هذا قول الذين كفروا يوم كانوا يتمتعون بقوة وفخامة وهيبة, ولكنَّ ذعر قادة الصهاينة وقلقهم من إشاعات "إنترنتيَّة", ومناظر جنود النخبة وهي تهرب كالفئران الصغيرة خوفًا من طلقات قناصٍ قسَّامي, وصور حرق علم الكيان الصهيوني في مختلف دول العالم وإسقاط سمعته وهيبته في الوحل؛ أعدَّت إجابةَ على هذا الأسئلة، وبيَّنت أن الذين كنزوا القوة وادَّعوا الهيبة خسروها في أولِّ مواجهة, وأول الغيث قطرة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ (مريم: من الآية 75).
----------------
بقلم: أسامة الكباريتي

كيف أكون جندياً للمقاومة؟؟!!


بيان صادق... كيف أكون جندياً للمقاومة؟؟!!
ودَّع زوجته و أولاده, في نظرةٍ قد تكون الأخيرة أرسل بدمعةٍ من قلبه سلاماً لهم, تعلَّقت فيه طفلته الصغيرة ليبقى ويحميها من أصوات الطائرات, لكنَّها لم تُدرك بأن حمايتها تتطلب أن يكون أباها جُندياً في المـقاومة, قد لا تراه بعد اليوم!
كيف تُصبح جندياً في المقاومة, دون أن تخسر روحك أو أهلك أو بيتك!؟ كيف تُساندهم وأنت تنعم بالأمن والأمان!؟ كيف تأخذ شيئاً من أجرهم دون أن تحمل سلاحك معهم؟ وكيف لك أن تدا
وكيف لك أن تداوي جرحاهم دون أن تكون طبيباً يُسمح له الوصول إليهم!؟
تتَّسعُ الجراحٌ وتضيق الآمال في عين طِفل يعشق الكرة, استيقظ بصاروخٍ أبقى أقدامه في سُبات عميق!و تُذبح معاني الطفولة في عين صغيرةٍ تتباهى بجمالِ وجهها؛ لتصحو على تشوِّهٍ وحروق خلطت تعابير الوجه البريء, وأنهت لحظة الجمال.

ما أصغر الدنيا في عينِ أمٍ رُزقت مولوداً بعد عشرِ سنوات من الحِرمان, وعندما اشتدَّ القصف وعلت أصوات المدافع و زمجرة الطائرات المُرعبة؛ خرجت من غرفتها مسرعة وهي تحمل كرسيَّ الطفل؛ غافلة من شدَّة الصدمة عن أنها قبل دقائقٍ قليلة كانت قد نقلت الطفل من الكرسيٍّ الصغير إلى المهد؛ فيدفن هناك دون أن يُتعبَ أحداً في إهالةِ التُرابِ على وجهه الغض الطرِّي!
أين نحن عن ذاك العجوز الذي مضى به قطار العمرِ بعيداً, وأوقفه في محطةٍ لا تُمكِّنه من العودة إلى الماضي إلا في مخيلته الهزيلة. ما الذي سيفعله هذا العجوز عندما يرى أنَّ ابنه الكبير وسنده الذي وضع حمل كهولته عليه- بعد الله- أنَّه وأبناءه وزوجته, قد ذهبوا إلى غير رجعة! كيف سيعيش من ضاقت به الدنيا وأهله معه, كيف سيعيش إن رحلوا إلى تحت ركام منزلٍ بناه بعرقه وكدِّه!؟

طفلٌ صغير, لن تستطيع تحمَّل الشظايا التي مزَّقت جسده, ربما أفقدته القدرة على الأحلام في المُستقبل, وربما لن يتوقف أثرها عند هذا الحد! إنه لا يفهمها ولا يعرف ما هذا اللون الأحمر الذي أوجعه!؟ يراه مؤذياً قد وسَّخ نظافة يده, نسي أن يبتسم لك في الصورة؛ اعذره فالوجع أفقده الشعور!

غارة جوية إرهابية أفقدته أطراف صديقه, وإن كان وجهه يبدو مُتفحماً إلا أنَّ لديه أملا بأن يظلَّ رفيق دربه حياً.انظر في زوايا المكان, ستجده إصبعاً مرفوعاً يشهدُ بأنَّ الله أكبر!
بدأت الحرب على غزَّة لتختم عام 2008 بالدماء الطاهرة الغزِّية, ولتُسطِّر تلك الدماء رِسالةً لن يعود العام ليمحوها: " إننا ظُلمنا وكان العربُ على ظُلمنا من الشاهدين". وسُنسأل جميعاً ماذا قدَّمنا لهؤلاء؟
كيف يمكنني المساعدة وأنا طالبٌ جامعي.. وأنا امرأة مربيَّة لا أعمل.. وأنا رجل أعمال و وقتي لا يسعفني.. وأنا فتاة في مُقتبل العُمر لا دخلَ لي بالسياسة... وأنا مهندسٌ وأنا عاملٌ وأنا طبيب, وأنا كهل عجوز قد بلغتُ من الكِبر عِتياً!؟
للمساعدةِ أبوابٌ عدَّة لن يعجز أحدنا عن اختيار أحدها ليزداد قرباً من الله وبعداً عن النار بإنقاذ أهله في قطاع غزَّة المنكوب الصامد:
- تعرية جرائم الاحتلال الصهيوني والمشاركة - في هذه الحملة أو في غيرها- لتوعية الناس الذين لم يصلهم خبر شلال الدماء النازفة والهدَّارة.( من خلال الندوات, اللقاءات, عروض بسيطة تستخدم بعض صورِ المعاناة, مواضيع تُكتب وبيانات ومناشير تُوزَّع؛ تضامناً مع قضية غزَّة العادلة).
- متابعة أخبار الحرب الصهيونية الطاحنة عبر القنوات التي تنقل صوت الشعب الجريح, والبعد عن وسائل الإعلام التي تحاول النيل من الشعب و من مقاومته بشتى الوسائل والطرق.
- المشاركة في المُظاهرات والمسيرات والفعاليات التي تُقام؛ لأنها تُبقي القضية حيَّة, و رغم فائدتها البسيطة لأهل غزَّة إلا أنَّها تشحن نفوسنا وتزيد من غليانها, وتُربِّي الجيل القادم على التمرد على الظالمين, وتزرع في نفوس الصغار الحاضرين معاني خالدة من قبيل" الله غايتنا..الرسول قدوتنا.. والقرآن دستورنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". وتُبقي سيرة الغزاوي الذي سقى دين الله من دمه؛ حيَّة تطرب الآذان على الهتاف بها و ترديدها.
- الدعاء خيرُ سلاح يستطيعه الجميع؛ وقد كفل الله استجابته " ادعوني استجب لكم".فلنُعاهد أنفسنا على صلاة حاجة يومية, ندعو فيها لأهلنا في غزَّة, حتى يجعل الله عليهم القصف برداً وسلاماً, وليشفي جراحهم بدوائه بعد ان عزَّ الدواء!
- الصيام يومياً حتى تنتهي الأزمة, فإن شاركتهم وحرمت نفسك من الطعام بضع ساعات من اليوم؛ فإنهم قد حُرموا الطعام في اليوم كُلِّه, ولم يُحرموا من القصف والدماء والصراخ والعويل, ودموع فقدانِ الأحبة!
- التبرُّع بالأموال عبر الجهات المختصة والموجودة في كل بلد, التبرُّع بمواد عينية من أهمها ( الأدوية والأدوات الطبِّية).
- مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية, فإن كنا عاجزين عن دعم أهل غزة بالدواء والخبز, علينا أن نتوقف عن دعم الكيان الصهيوني بالسلاح!!
- لو هُدم بيتك وقُتل أباك وأمُك, وجُرحت أختك مما تسبب ببتر ساقيها؛ هل ستطرب على الأغاني, وتستمتع بأخبار العُشَّاق والفنانين؟
" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" صدق رسول الله.

الأحد، 8 فبراير 2009

ميرفت مسعود .. من محراب الصلاة لميدان الشهادة


امرأة في الأربعين من عمرها كانت الأجدر بأن تتحدث عن الاستشهادية الفلسطينية الثامنة " ميرفت مسعود" بوصفها أمها.
أم علاء مسعود (40 عامًا).. اقتنصتُ دقائق من بين المهنئات لها بشهادة ميرفت؛ كي تحدثنا عن بكرها التي أحبت الوطن، وضحت من أجل أهلها ومن ربيت في أحضانهم، وكي تسرد لـ" القدس أون لاين" تفاصيل من يومياتها وبعضًا من ملامح شخصيتها:
ميرفت مسعود.. في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها بتفوق في شهادة الثانوية العامة، حيث أهلها معدلها 90.3 % للانتساب لكلية العلوم، وخلال الأشهر القليلة الماضية أبلت بلاءً حسنًا في دراستها، يشهد بذلك أساتذتها وزميلاتها، إلا أن الجريمة الإسرائيلية البشعة في بيت حانون على مدار ستة أيام من القتل والتدمير والخراب، الذي حل بأرجاء المدينة شجرًا وحجرًا وبشرًا غيرت كل شيء، كانت تنظر لممارسات الاحتلال كأي فلسطينية يؤلمها منظر الأطفال الجرحى، تتساءل عن ذنبهم، وتبكي حال الأمهات الثكالى، ويعجزها الكلام إلا بثرثرات غاضبة ساخطة على القادة العرب العاجزين الذين لا يحركون ساكنًا أمام هذه المذابح.
تقول أم علاء بمزيد من الصبر والجلد: في اليوم الثالث لاجتياح بيت حانون، السبت تحديدًا، عادت ميرفت من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة غير آبهة بما قد ينالها في سبيل تحقيق هدف أسمى هو نصرة المحاصرين، وفك وثاق المقاومين في البلدة، قالت الأم: إن ابنتي لطالما صارحتني بأمنيتها الخالصة بالشهادة، لكني لم أكترث يومًا، فكل الفلسطينيين يأملون أن ينعموا بالشهادة، لم أعلم أنها بدأت التخطيط لتنفيذ أمنيتها الخالصة بالشهادة، لم أصدق أنها رحلت مفجرة جسدها في جنود الاحتلال الذين عاثوا في بلدة بيت حانون فسادًا، تمنيت أن أودعها، أن أنثر قبلاتي على وجهها، لكنها لم تدعني أفعل ذلك خشية منعي لها من تنفيذ أمنيتها بالشهادة، تجهش الأم بالبكاء وتغيب في لحظات صمت طويلة..


من فتح إلى سرايا القدس


أكدت أم علاء أن ابنتها الملتزمة دينيًا وأخلاقيًا مارست نشاطها الوطني لمدة ثلاثة أعوام مع كتائب شهداء الأقصى، على ذات الدرب الذي رسمته مع ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، لكنها ما لبثت أن حولت نشاطها إلى "سرايا القدس" بعد أن رفضت كتائب الأقصى تجهيزها لتنفيذ عملية في العمق الإسرائيلي انتقامًا لأرواح الشهداء، وفداءً لحرية الأسرى المنسيين خلف غياهب السجون الإسرائيلية، توضح الأم أن سبب استبعاد الكتائب لابنتها ميرفت لتنفيذ عملية استشهادية، أنها لا تريد أن تحمل العائلة المزيد من الألم على فراق أبنائها الشهداء قبلها بعامين، حيث كان قد قام ابن عمها نبيل مسعود بتنفيذ عملية استشهادية في ميناء أسدود، أودت بحياة عدد من الصهاينة، بالإضافة إلى إصابة آخرين، تابعت: بعد الرفض، وبالأخص في أوج المعركة الضارية في بيت حانون، استعانت ميرفت بسرايا القدس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، علّها تمنحها المباركة بتنفيذ عملية، وبالفعل تم ما أرادت حيث تواصلت معهم عبر الهاتف النقال والاجتماعات السرية..


يوم الاستشهاد


عشية يوم الاثنين، آثرت ميرفت الصيام وقد تعودت عليه منذ فترة بعد استشهاد نبيل ابن عمها، يومها أصرت على أن تتناول مع أمها طعام السحور، تقول أمها: "بينما أنا أعد السحور كانت هي قد استيقظت من نومها في وقت سابق، وأخذت تصلي وتقرأ القرآن كعادتها، إلا أنها هذه المرة أطالت في القراءة والدعاء والتسبيح، حتى قبل رفع آذان الفجر بدقائق لا تتجاوز العشرة، تناولت خلالها لقمة خبز ورشفة من كأس شاي، ثم نوت الصيام"، وتضيف: "التفت إليَّ حينها لتطلب مني الرضا والسماح، ولم تنفك عني حتى سمعت دعائي لها بالرضا الخالص من قلبي، وكيف لا أرضى عنها وهي فرحة عمري الأولى وابنة بطني الرحيمة بي، المطيعة المهذبة، الخلوقة العطوفة على أشقائها الصغار، خاصة صابرين ذات الأربع سنوات".
وتتابع الأم: "شعرت أن شيئًا سيصيبها، لكني لم أعرف ما هو، وكلت أمري لله وذهبت لهدهدة أصغر أبنائي نبيل ( عمره عام ونصف)، أما هي فقد استكملت صلاتها ودعاءها حتى شروق الشمس، بعدها ارتدت ملابسها وأقبلت مودعة، كنت أظنها قد خرجت للجامعة لتلقي دروسها ومحاضراتها كعادتها اليومية، لكن وجهتها كانت لبيت حانون استعدادًا لتنفيذ عملية فدائية انتقامًا للشهداء والجرحى الذين سطروا بدمائهم طريق المجد والعزة".
الأم انتظرت عودة ابنتها، لكنها لم تعد، عن هذه اللحظات تقول: "كنت أتابع على شاشة تلفزيون فلسطين أحداث بيت حانون وارتفاع عدد الشهداء، بانتظار عودة ميرفت لتناول طعام الإفطار سويًا"، تخون الأم دموع الفقد وتبلل وجنتيها وتواصل: "وبينما أتابع التفاصيل عن كثب وإذا بأحد شهود العيان يتصل مباشرة بالمذيع، ليؤكد له أن فتاة فلسطينية لا يعرف هويتها، فجرت نفسها بمجموعة من الجنود الصهاينة الذين احتلوا أحد المنازل السكنية في بيت حانون، واستباحوا حرمتها. تصمت قليلاً.. حين سمعت الخبر طرقت الفرحة الممزوجة بالفخر باب قلبي، ناديت ابنتي نعمة 16عامًا لتغير مؤشر القناة إلى مرئية الأقصى، وغيرتها بالفعل، وكان التأكيد على نبأ العملية الفدائية التي نفذتها إحدى خنساوات فلسطين، تركتني نعيمة وراحت تزف خبر العملية إلى جدتها في البناية المجاورة، وقتها أتتني ابنة سلفي تسألني عن ميرفت وبعينها حيرة وألم لم أعهدها من قبل، انتابني شعور بالألم في صدري، كدت أن أختنق لمجرد التلويح بفكرة أن ميرفت من نفذت العملية، سرت أروح وأغدو في ساحة المنزل أريد أحدًا يتصل بالهاتف النقال الخاص بميرفت ويطمأنني عليها، فلم أجد حتى جاءني الخبر مؤكدًا من أحد المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون، بأن ميرفت من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية ثأرًا لدماء الشهداء والجرحى الذين خضبوا بدمائهم تراب بيت حانون"، حينها تحولت مشاعر الفرح إلى ألم لا حدود له، امتزجت الدموع بمشاعر الفخر والاعتزاز بصنيع ابنتي التي ما زالت في مقتبل العمر تنتظر ربيعًا ورديًا تتفتح فيه، وتنثر عبيرها، لكنها آثرت التضحية والفداء على نعيم الدنيا وزخرفتها الزائلة، آملة في البقاء الخالد في جنان عرضها السماوات والأرض.
نفذت ميرفت عمليتها الجريئة في صفوف قوات خاصة صهيونية، ترجلت بالقرب من منازل المواطنين ببيت حانون، فأوقعت بينهم القتلى والجرحى، وفقًا لشاهد عيان، فإنها تقدمت باتجاه القوات الراجلة ترتدي جلبابًا وخمارًا، ولما سألوها إلى أين تسير، أشارت أنها تريد الولوج إلى بيتها القريب من المكان، فسمحوا لها غير أنها ما لبثت أن عادت، وهنا كانت الشكوك قد ساورت القوة الخاصة، فأمروها بخلع النقاب مرة واثنتان، وفي الثالثة بعد أن صوبوا بنادقهم تجاهها خلعته مستديرة بسرعة البرق وقفزت باتجاههم مفجرة جسدها بركانًا في صفوفهم، فأسقطتهم أرضًا بين قتيل وجريح، وتناثرت أشلاء جسدها معبقة المكان برائحة المسك..
رحلت ميرفت إلى جنان الخلد بإذن الله، تاركةً مشاعر الفخر والألم تختلط في قلوب أفراد أسرتها، خاصة صابرين ذات السنوات الأربع والتي كانت بمثابة الابنة المدللة لدى ميرفت، تنتظر صابرين عودة أمها الثانية حاملة إليها أصناف الحلوى ومشاعر الدفء والحنان.. الانتظار سيطول قليلاً لحين تدرك صابرن أن الجنة التي ذهبت إليها ميرفت ليس لها مكان في الأرض، وأن الانتظار سيطول إلى نهاية الدنيا..

-------------

دنيا مطر/غزة