الثلاثاء، 21 أبريل 2009

رحلة شهيد



من أشعار الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.. ماذا دهاك؟!

الشعر عبارة عن حوار بين الشهيد ونفسه
-----------
ماذا دهاك يطيب عيشك في الحزن؟

تشري النعيم وتمتطي صهو الصعاب!

ماذا عليك إذا غدوت بلا وطن؟

ونعيت رغد العيش في ظل الشباب؟


يا هذه يهديك ربي فارجعي!

القدس تصرخ تستغيثك فاسمعي!

والجنب مني بات يجفو مضجعي!

فالموت خير من حياة الخنع!

ولذا فشدي همتي وتشجعي!


ها أنت ترسف في القيود بلا ثمن!

وغدًا تموت وتنتهي تحت التراب!

وبنوك واعجبًا ستتركهم لِمْن؟

والزوج تسلمها فتنهشها الذئاب!


القيدُ يُظهر دعوتي يومًا فاعي!

وإذا قُتلتُ ففي إلهي مصرعي!

والزوجُ والأبناءُ مُذ كانوا معي..

في حفظ ربي لا تُثيري مدمعي!

وعلى البلاء تصبري لا تجزعي!


إني أخاف عليك أن تُنفى غدًا

ويصير بيتك خاويًا يشكو الخراب!

وتهيم بحثًا عن خليلٍ مؤتمن

يبكي لحالِك أو يُشاطرك العذاب!


إن تصبري يا نفسُ حقًا تُرفعي

في جنةِ الرحمنِ خيرُ المرتعِ!

إنّ الحياةَ وإن تطُل يأتي النعي!

فإلى الزوالِ مآلُها لا تطمعي

إلا بنيل شهادةٍ فتُشفعي!


إني أراك نذرتَ نفسك للمحن!

وزهدتَ في دُنيا الثعالبِ والكلاب

وعشقتَ رملاً يحتويكَ بلا كفن

فرجوتُ ربي أن تكون على صواب!


أنا لن أبيت مُنكسًا للألمعِ

وعلى الزناد يظلُ دومًا إصبعي

ولئن كرهتِ البذلَ نفسي تُصفعي..

من كلِ خوارٍ ومختالٍ دعي!

وإذا بذلت الغالِ مجدًا تَصنعي!


إني أُعيذُكَ أن تذِلَ إلى وثن!

أو أن يعود السيفُ في غِمدِ الجراب

أو أن تقضي حياتك كما تُحب فلا ولن

أو ترضى حياة لا تُظللها الحراب!

إلى العلا .... بلا حساب
إلى العلا ..... بلا حســــــــــــاب

-------------------
رحمك الله يا شهيدنا
وإنا لله وإنا إليه راجعون!

السبت، 18 أبريل 2009

أحمد الرنتيسي يتحدث عن الذكرى الخامسة لاستشهاد والده "أسد فلسطين"




غزة - المركز الفلسطيني للإعلام

كان متدفقًا في حديثه.. تأخذك قدرته على التعبير واستحضار الآيات القرآنية، ولكن لا عجب؛ فهو ابن القائد "أسد فلسطين" الدكتور عبد الرنتيسي.. التقيناه في منزل العائلة المتواضع؛ لنعيش معه ظلال الذكرى الخامسة لاستشهاد والده.
كانت آثار الإصابة التي ألمّت به خلال محاولة الاغتيال الأولى لوالده لا تزال باديةً عليه، ويعاني من أثرها إعاقة في رجله ويده.
تحدَّث بوفاءٍ وقوةٍ وإيمانٍ وهو يتحدث عن والده ومسيرته.. كان يستشعر مسؤولياته كابنٍ لقائدٍ عظيمٍ في حركةٍ عظيمةٍ عبَّدت طريقها بدم قادتها، ودفعها صدق منهجها ومسارها نحو الأمام.. طوال الوقت كان يشخِّص الطريق نحو النصر الذي بشَّر به والده: صدق المنهج والقرب من الله عز وجل.
جلسة رائعة وودودة مع أحمد (26 عامًا) الموظف في "الجامعة الإسلامية" بغزة، ولديه ولدان: عبد العزيز وإبراهيم، وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته "شبكة فلسطين للحوار" ونشر الجمعة (17-4).
* كيف تعيشون أجواء الذكرى الخامسة لاستشهاد والدك؟
** بسم الله الرحمن الرحيم.. إذا أردتُ أن أتحدث عن الوالد رحمه الله في الذكرى الخامسة لاستشهاده، فنحن لم نشعر أنه فارقنا؛ فرغم أنه فارقنا جسدًا فإن روحه حاضرةٌ معنا، وهي حاضرة في كل مواقف البيت والأسرة، نشعر به معنا، لم نفتقده روحًا بفضل الله، وبقيت ذكراه بمواقف عزته ورجولته وقوته في الحق، الذكرى الطيبة التي تركها، بقيت لنا فخرًا أمام الناس والجيران والأهل بفضل الله.

* برأيكم.. ما أبرز المحطات والتحولات في حياته التي انعكست عليه وعليكم كأسرة وعلى حركة "حماس"؟
** كان يقول دائمًا: "نقطة التحول في حياتي هي حفظ القرآن الكريم"، فكان يقول لنا باستمرار إن ذلك أدى إلى تغيير مجرى حياته؛ فقد حفظ رحمه الله القرآن في غضون ثلاثة أشهر أثناء فترة اعتقاله في إحدى الزنازين الانفرادية في سجون الاحتلال الصهيوني، ولم يكن مجرد حفظ، بل كان حفظًا وفهمًا وعملاً.
وكان يقول إنه بعد أن أتم حفظ القرآن يشعر بمعية الله في كل كلمة وموقف يقفه، ويشعر أنه مُوفَّقٌ في مواقفه؛ ولذلك لم يكن يخشى إلا الله.
ومن المواقف والمحطات البارزة التي كان يفتخر بها وقفته إبان الإبعاد إلى مرج الزهور، وكذلك وقفته ضد الاعتقال السياسي.
ففي مرج الزهور عندما جرى إبعاده مع مئات القادة أصر على البقاء في المخيم، واتفق مع باقي الإخوة والقادة على ذلك؛ حيث بقوا هناك رغم البرد والأجواء الصعبة، ويومها قال: "لأمرِّغنّ أنف رابين في التراب"، وكان له ذلك؛ حيث شكَّلت عملية الإبعاد رافعةً لحركة "حماس"، وأجبر الاحتلال فيما بعد على إعادة المُبعَدين بعد صمودهم وثباتهم.
أما ما يخص الاعتقال السياسي فقد كان ذلك عام 2002 عندما رفض أن يسلم نفسه إلى أجهزة أمن السلطة التي كانت تمارس الاعتقال السياسي، ومن ثم التف حوله أبناء الشعب الفلسطيني، هذا الموقف الذي يُشكَرون عليه، وكان قراره هذا عاملاً في توقف الاعتقال السياسي حتى عملية الحسم العسكري؛ حيث عادت تلك السلطة إلى ممارساتها في الضفة الغربية.

* ما بين الاعتقال والإبعاد والمطاردة توزعت حياة الشهيد القائد.. كيف انعكس ذلك عليكم كأسرة؟
** بصراحةٍ.. عندما تكون حياة الإنسان كلها لله فهو يتوقَّع كل ما سيقابله من ابتلاءاتٍ وأشواكٍ وصعوباتٍ، خاصة إذا كان صُلبًا، ويقول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم؛ فكان رحمه الله دائمًا يعلمنا ويفهمنا هذه الأمور، وهو بفضل الله رغم ما حدث معه من اعتقالاتٍ كان يستغل فترة الزيارة للتخفيف عنا، وكان يقابلنا بوجهٍ بشوشٍ ويشاركنا همومنا من داخل المعتقل.
وعندما خرج من المعتقل، رغم انشغالاته الكثيرة بقضية فلسطين والأمور الحركية والدعوية، كان إذا دخل البيت تمثَّل بالرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وكان مهما حدثت معه مواقف ومضايقات تزعجه يحاول إبعاد القلق عنا، ويدخل ببشاشته التي اعتدنا عليها، ويداعب الأحفاد.
وأشير هنا إلى أننا ستة أولاد للشهيد: أنا وأخي محمد، وأربع شقيقات، ووالدي رحمه الله لم يحضر زواج ثلاثة من شقيقاتي؛ لكونه كان في المعتقلات الصهيونية، وشقيقتي الرابعة حضر حفل زواجها، وكذلك حفل زواج محمد، أما أنا فخطب لي يوم استشهاده رحمه الله.

* عُرف الشهيد بقوة الشكيمة والقرارات الصارمة.. كيف كان داخل الأسرة؟ ومن أين جاءت هذه القوة و"الكاريزما" التي كان يتمتع بها؟
** إن أردت أن أتحدث عن صلابة والدي في وجه الأعداء ولينه بين أهله وأصحابه، فأقول إن ذلك كان نابعًا بالأساس من فهمه وتطبيقه لما جاء في قوله الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: 54)
فقد منحه الله الفضل؛ فكما ذكرت كان رحمه الله قد حفظ القرآن وطبَّقه، فكان أن أكرمه الله بهذا الفضل، وعلم بتفسير هذه الآية أن القوة على الكافرين لا تكون إلا بخفض الجناح للمؤمنين؛ لذلك عندما تواضع بين أهله وإخوانه وجيرانه أعزَّه الله على المنافقين والكافرين.
ومن كثرة لينه لا أذكر أنه ضربني يومًا، سواءٌ أنا أو إخواني.. هذا القائد وهذه الشخصية المؤثرة القوية، كيف يتعامل بكل هذا التودد عندما يشاهدونه عن قرب؟!، كانوا يتصورونه مزمجرًا لا يضحك ولا يمزح؛ فرحمه الله ربانا من خلال مفاهيم الإسلام، وكأنه كان يعلم أسس التربية النفسية الحديثة.

* عملتَ كمرافق للشهيد.. كيف وجدته كأبٍٍ وقائدٍٍ؟ وما أبرز المفارقات التي صادفتكم خلال العمل؟
** في الواقع.. لم أكن مرافقًا للوالد بشكلٍ رسميٍّ، ولكنني كنت أفضِّل الوجود معه وبجانبه دائمًا، وكنت أحرص على ذلك؛ إذ لم أتخيل يومًا أن أسير في جنازته، وكنت أتمنى دائمًا أن أسبقه إلى الشهادة، أو استشهد إلى جانبه ومعه، ولكن قدر الله نافذ، وحتى يوم محاولة الاغتيال الأولى -وكأنه كان يتوقَّع ذلك- طلب مني عدم الخروج معه، ولكنني أصررت على ذلك.

* كعائلةٍ لواحدٍ من أبرز قادة فلسطين.. كيف تستشعرون المسؤولية الملقاة عليكم؟
** هذا الأمر ليس هينًا؛ فسيرة الوالد بقيت نفتخر بها، والأمانة تحتم علينا الحفاظ على هذه السيرة.
من جانبنا نحاول أن نكون عند حسن الظن، وكما ربانا نحافظ على تراثه، ونسير على نهجه، ونحافظ على العادات التي كان يقوم بها من صلةٍ للأرحام وزيارةٍ للعجائز في العائلة حتى في أحلك الظروف، واليوم عندما أقوم بهذا الدور أشعر بالسعادة وأنا أسمع دعواتهم لوالدي رحمه الله.
أما الوالدة فقد صبرت واحتسبت وأكملت المشوار دون أي ترددٍٍ أو تراجعٍٍ، ومن فضل الله أن منَّ علي وجعلني ابن قائدٍٍ وداعيةٍٍ.

* تعرَّضتَ لإصابةٍ خلال محاولة اغتيال الشهيد الأولى.. كيف وقعت هذه الحادثة في ظل الاحتياطيات الأمنية؟
** الحادثة وقعت في 10-6-2003م، وقبلها بيوم كان والدي عائدًا من منزل الشيخ الإمام أحمد ياسين رحمه الله، وفي أحد المفترقات شاهد أحد المرافقين طائرات الأباتشي تتأهَّب للقصف فنبَّه من كان معه ونجحوا في النزول من السيارة وتمكَّنوا من الاختفاء، ومن ثم غادر والدي المكان مشيًا على الأقدام.
وإثر هذه الحادثة استشعرنا أن والدي قد يُستهدف، فلزم البيت فترة، إلا أنه وصله نبأ إصابة أحد زملائه الأطباء بمرضٍ مزمنٍ فأصر على الذهاب إلى المستشفى لزيارته.
وفي حوالي الساعة الحادية عشرة ذهبت لأحضر السيارة التي أدخلها دائمًا "الكراج" كاحتياطٍ أمنيٍّ، والتي كان زجاج مغطًّى بالـ"بيرسون" العازل للرؤية، ويصعد أبي إلى السيارة هو ومرافقه وهي في "الكراج"، ويجلسان بالمقعد الخلفي فلا يعرف أحد أنه موجود في السيارة، ثم أخرج أنا بطريقة عادية وأفتح باب "الكراج" وأخرج السيارة وننطلق في طريقنا.. كانت هذه إحدى وسائل الاحتياطيات الأمنية التي كنا نتبعها.
وبالفعل انطلقنا باتجاه المستشفى، وكان الخطأ يومها أننا حدَّدنا المسار (المستشفى) على الهاتف الجوال، ويبدو أنه تم رصد المكالمة، وبعدها بقليلٍ تم قصف السيارة؛ فبعد أن قطعنا مفترقًا أصاب صاروخٌ مقدمة السيارة التي كنت أٌقودها بسرعةٍ كبيرةٍ.. لم تتوقف السيارة وظلت تسير بشكلٍ متعرجٍ، وملأ الدخان المكان فلم أرَ شيئًا.
بعد الصاروخ الأول خرج المرافقون من السيارة وبقيت أنا وأبي، ثم أطلقت الطائرة الصاروخ الثاني لكنه أخطأ هدفه وبعده ابتعدنا قليلاً عن المكان وحَجَبنا برجُ الشفاء عن مجال إطلاق الصواريخ؛ ما أعطانا فرصة للخروج.. خرج أبي، وكان الباب المجاور لي مغلقًا فخرجت من الشباك، كنت قد أصبت ولكني ما زلت أعي ما يدور حولي.. هبّ أربعة شبان لإنقاذي، وبعدها أطلق صاروخ ثالث.. غبت عن الوعي وبقيت خمسة أيام في المستشفى في غيبوبة لإصابةٍ في القلب ونزفت كثيرًا، ولكن عناية الله وقدره أبقتني على قيد الحياة.
استيقظت من غيبوبتي وأبلغوني أن والدي أصيب فلم أصدق.. اعتقدتهم جميعًا استشهدوا؛ فالموقف كان عظيمًا، ولم أقتنع إلا بعدما تحدثت مع والدي عبر الهاتف؛ حيث غادر المستشفى بعد ثلاثة أيام كإجراءٍ أمنيٍّ رغم أنه أصيب بجروحٍ خطيرةٍ في ساقه حينها، وعلمت أن المرافق استشهد.

* وماذا عن تفاصيل حادثة الاغتيال التي كنت شاهدًا على أجزاءٍ منها؟
** الحادث وقع بعد عشرة شهور من الحادث الأول، وبعد شهرٍ تقريبًا من اغتيال الشيخ أحمد ياسين؛ حيث تولى والدي قيادة الحركة، وازدادت بعدها الاحتياطيات الأمنية؛ لأننا كنا نتوقع الاستهداف.
قبل الحادث بشهرٍ لم نر والدي مطلقًا، وقبلها قليلاً لم كنا نراه، إلا أنه يومها جاء إلى البيت قبيل الفجر بساعةٍ متخفيًا، أراد أن يجلس معنا لمدة ساعة واحدة قبل أن يخرج قبل أن يبدأ النهار.
كانت إحدى شقيقاتي موجودة في البيت، وأصررنا على أن يبقى ويقضي معنا النهار؛ ولرغبتنا بقي في البيت، وكان يومًا مميزًا لشوقنا إليه.
راقبت تعبيرات وجهه في ذلك اليوم.. ما زالت منطبعة في ذهني حتى الآن، فقد لاحظ الجميع أن وجهه كان يشع نورًا لم نعهده من قبل بهذا الشكل.
جلسنا وتسامرنا.. يومها فُتح موضوع زواجي، وجرى التشاور على اختيار العروس؛ حيث اختار ابنة الدكتور إبراهيم اليازوري، وبالفعل أرسل عصرًا زوج شقيقتي الشهيد علاء الشريف ليخطبها لي.
صلينا المغرب يومها، وقرَّر أن يغادر، وكان في العادة يغادر بعد العشاء انتظارًا لحلول الظلام، ولكنه خرج بعد المغرب؛ حيث لبس أجمل لباسه، ومازحته إحدى شقيقاتي بأنه عريس اليوم فابتسم، وبعدها بقليلٍ سمعناه يترنم "أن تدخلني ربي الجنة".
نزلنا إلى "الكراج" ركب أبي السيارة وهي فيه، ثم أخرجت أنا السيارة وانطلقت إلى شارع اللبابيدي؛ حيث كانت تنتظره السيارة في شارعٍ مظلمٍ يخلو من المارة بعد صلاة المغرب.
تم هناك تبادل السيارتين؛ ثم انطلقت السيارتان كلٌّ في اتجاهٍ مختلفٍ.
بعد حوالي دقيقة ونصف سمعت صوت انفجارٍ مكتومٍ ولكني لم أسمع صوت طائرات، وللوهلة الأولى عرفت أن المقصود أبي.
رجعت إلى البيت.. لم أكن أتخيل مشاهدة والدي وهو جثة متفحمة، ثم جاء الخبر أنه أصيب.. قامت والدتي وتوضأت وصلت ودعت لنا بالثبات، وجاء الخبر بأنه نال الشهادة ومعه مرافقه أكرم نصار والسائق أحمد الغرة.
بعد ذلك هنأنا بعضنا بنيله الشهادة؛ فقد كانت أمنيته الأثيرة، ثم بدأنا باستقبال المهنئين المتوافدين إلى المنزل.
* ترددت اتهامات لأقطاب الأجهزة الأمنية البائدة وعملاء عن دورٍ في تتبع القائد، سواء في محاولة الاغتيال الأولى أو الثانية، وآخرون تحدثوا عن حدوث اختراقٍ في دائرة المرافقين.. هل تكشفت لديكم الآن حقائق عن الجهة المتورِّطة؟
** الحقيقة.. المرافقون في الحالتين استُشهدوا؛ لذلك لم يكن الزج بهم إلا من بعض الفئات المغرضة.
الحادثة الأولى للاتصال دورٌ كبيرٌ في تقديرنا عندما تم تحديد وجهتنا إلى المستشفى وبعدها تم رصدنا على ما يبدو.
وفي الحادث الثاني الراجح أنه تم رصد المرافق أكرم نصار الذي أصرَّ يومها على المجيء ومرافقة السائق الذي ينتظر والدي؛ لاشتياقه الشديد إليه، ومن الممكن أنه تم رصد عملية تبديل السيارتين رغم الاحتياطيات الأمنية التي جرت، والواقع فإن طائرات الاستطلاع لم تكن تغادر السماء في تلك المرحلة، وفي النهاية هو قدر الله النافذ؛ فالحمد لله على كل حال.

* بعد استشهاد القائد حدثت تحولاتٌ كبيرةٌ.. هل كانت هذه التحولات حاضرةً في ذهن الشهيد، لا سيما أنه كان يردِّد باستمرار: "سننتصر يا بوش"، مع الإشارة إلى ما يردده البعض أنه لو أن الشهيد كان حيًّا لما حدث كذا أو كذا؟
** الحركة بعد استشهاد الوالد والشيخ أحمد ياسين وغيرهما من القادة ازدادت قوةً وصلابةً.. لو لم يقدِّم القادة أرواحهم لما وصلت الحركة إلى ما وصلت إليه من قوة، ولو دخلت انتخابات لما فازت بها؛ فدماء الشهداء القادة كانت وقودًا وحياة أخرى لهذه الحركة والدعوة.
ومع تقديرنا لكل هذه التضحيات، أقول: الحركة لا تقوم على شخصٍ واحدٍ حتى لو كان والدي، والأمر في الحركة كما هو معروف بالشورى، ووالدي يسمع ويطيع حتى لو كان مخالفًا لرأيه، بل ويتبناه ويردده؛ فهذه الحركة خرجت وانطلقت من أجل الله وفي سبيله.

* وماذا عن عبارته التي أصبحت لحن المحتفلين بالانتصارات "سننتصر"؟
** الحقيقة أنني أستشعر أن والدي قالها وهو متأكد أن الانتصار سيتحقق؛ ليس لقوة الحركة، ولا لصلابتها، وإنما لأنه كان يعلم سلامة المنهج وأنها تسير في مرضاة الله، وأن من يسير في معية الله لا يمكن أن يهزم؛ لذلك أنا مطمئنٌ أن كل هذه الانتصارات دلالةٌ على صحة المسار، وأنا على ثقةٍ بأن النصر الأكبر قادمٌ بإذن الله لا محالة بتحرير الوطن والقدس وإقامة شرع الله في أرضه.

* هل مرت عليك لحظات تمنَّيت فيها أن لو كان الشهيد كان حيًّا؟
** تمنيت وقت انسحاب الاحتلال واندحاره من غزة أن لو كان حيًّا بيننا يشهد الانتصار الذي بشَّر به وحقَّقته المقاومة ضد الاحتلال.
ذات الشعور راودني أيضًا يوم الحسم العسكري؛ تمنيته حاضرًا وهو يشهد انهيار قوة الظلم، وهو الذي طالما تعذب وذاق الويلات على أيديهم، وأظنه أن لو كان موجودًا حيًّا لفرح بما تحقق بإذن الله تعالى.

حوار مع الدكتور عبد العزيز الرنتيسي






"الصَّقر" حيٌّ لا تقل "الصقر" ماتْ ..... أوَهل يجف النيل أو نهر الفرات؟*
عُذراً لصاحب الأبيات الشجيَّة, ورحمات الله على روحه التقّية؛ فلقد كُتبت مثل هذه الكلمات رثاءً للشهيد المهندس يحيى عيَّاش, وخطَّها الرنتيسي في قصيدةٍ تتفجّر منها معاني الحماس والوفاء؛ ليؤكد على أن طريقاً بُدأ بالتضحية لن ينتهي إلا بالنصر, وأن بذوراً غُرست في أعماق الأرض لن تخرج إلا أزهاراً وأشجاراً وارفة الظلال. وفي ذكرى استشهاد القائد, لم أجد أفضل من كلماته حتى أُعبِّر عن ذات الحالة التي أراد الدكتور إيصالها يوم ارتقى مهندس الكتائب؛ فلن تجفَّ فينا المبادئ التي غرسها القادة العظام, ولن تنحني منَّا الهامات الباسقات مهما اشتدت ضراوة الأيام. وحتى نأخذ من معاني الكرام ونقيس على أحداث أيامنا, فلقد قمت بجمع أسئلتي و توجهت إلى مكتبة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي- رحمه الله- وكان هذا الحوار بين سؤالٍ وإجابة!

- يحاول البعض اللعب على وتر تغيُّر حماس بعد استشهاد الياسين والرنتيسي, وأؤلئك الذين يلمزون في الحركة لا يرون جانباً إيجابياً فيما وصلت إليه حماس, ولا يُقدِّرون اختلاف الظروف وتغير أوراق اللعبة وأدواتها في هذه الفترة من عمر الحركة؛ فكثيراً ما نسمع بأن حماس غيَّرت مبادئها بعد استشهاد ثلة من الرعيل الأول. ما رأي الدكتور عبد العزيز في هذا الأمر؟
د. عبد العزيز الرنتيسي:" كم من قائل بأن الحركة قد غيرت مبادئها، وقد أصبحت الآن تقبل بما رفضته بالأمس، ثم يكتشف بعد حين ثبات الحركة على مبادئها وأنه كان قد جانبه الصواب ولكن لا يراجع نفسه ليستدرك الأمر حتى لا يقع في سوء التقدير مرة أخرى، ولا أعتقد سببا لتكرار القراءة الخاطئة من مفكر ما إلا أنه يجامل هواه على حساب الحقيقة"(1)

- نفهم من هذا الكلام أنَّ هذه الظاهرة لم تولد بعد استشهاد القادة, ويبدو أن هناك من كان يلمز حماس بتغير منهجها وانحرافها عنه حتى في حياة الياسين والرنتيسي؛ لكن كيف نرد على من يعتقد بأن حركة حماس مرتبطة بشخص, فإن مات أو قُتل, انهارت الحركة وعادت إلى درجة الصفر!؟
د. عبد العزيز الرنتيسي: " يُسقط هؤلاء المفكرون هذه الصور السيئة على حركة حماس.. ولا يفهمون روابط الأخوة التي تربط قيادة الحركة بعضها ببعض، وتربط القيادة بالقاعدة، وتربط القاعدة بالقاعدة، ولا يستطيعون أن يتفهموا عملية اتخاذ القرار في حركة حماس والتي تستند إلى رأي الأغلبية من خلال الشورى الملزمة، وينسون في غفلة من أمرهم أن تأليه الفرد ليس من أعراف هذه الحركة الإسلامية، بل يتناقض مع مبادئها التي هي مبادئ الإسلام". (1)

- ما رد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي على من يقول بأن جناح الصقور قد غاب عن الحركة وخلت الساحة لجناح الحمائم!؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " أنه من الجهل بالحركة أن نصنف قادتها إلى صقور وحمائم، ولكننا في واقع الأمر حمائم مع أبناء شعبنا على اختلاف بعدهم وقربهم منا.. وصقور مع أعدائنا لا نبالي بما يحيق بنا طالما أننا ندافع عن الشعب والوطن والمقدسات". (1)

-نتيجة لما ذكرتم فقد حوربت حركة حماس وقُيِّدت مع الشعب في كثير من المواطن, وتوِّجت الهجمة عليها بالحرب الأخيرة التي استهدفت الحركة واغتيل على إثرها العالم نزار ريان والشيخ سعيد صيام؛ ماذا يقول الدكتور بعد هذه الهجمة التي استهدفت الحركة وقادتها وأبناءها؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: "أقول لكم و أطمئنكم: لو رحل الرنتيسي و رحل الزهَّار و رحل هنية و رحل نزار و رحل صيام و رحل الجميع، والله لن نزداد إلا لُحمة و ولن نزداد إلا حبًّا، فنحن الذين تعانقت أيادينا في هذه الحياة الدنيا على الزناد، وغدًا ستتعانق أرواحنا- بإذن الله- في رحاب الله". (2)" اليوم تشتد الهجمة على حماس، ولا يعني اشتداد الهجمة أن العدو في وضع جيد، أو انه قريب من تحقيق أهدافه، بل على النقيض تماما هذه الهجمة تعكس حالة الخوف والإحباط واليأس الذي يعيشها الاحتلال، ولو نظرنا إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي أحالت حياتهم إلى جحيم أدركنا الحقيقة التي تقول أنهم على حافة الانهيار المعنوي والنفسي الخطير، والمعركة في فلسطين على غير ما يهوى اليهود الصهاينة بدت واضحة بين الإسلام بما يملك من طاقات روحية ومبدئية هائلة، وبين يهود صهاينة يملكون آلة دمار كبيرة ولكنهم جبناء، فهم يعلمون أن حماس لن تتراجع أمام ضرباتهم، ويدركون أن القضاء على قادة حماس السياسيين المعلنين سيؤدي إلى شيء واحد فقط وهو ظهور قيادة سرية وهذا حدث يوم اعتقلوا مؤسسي حماس بما فيهم الشيخ أحمد ياسين عام 1989م، وهذا لم يضعف الحركة في الماضي وحتما لن يضعفها في المستقبل، ونخلص من كل ذلك أن حماس أيا كان حجم الهجمة عليها فالنتيجة الأكيدة أن الحركة ستزداد قوة وانتشارا، كما أنها ستكرس حق الشعب الفلسطيني في كامل وطنه وهذا يعني أن كل التنازلات التي جرت عبر المفاوضات ستصبح أثرا بعد عين، أي أن سقف التطلعات السياسية للشعب الفلسطيني سيرتفع إلى مستواه الشرعي". (3)

- بما أننا وصلنا إلى موضوع المفاوضات, فقد نقلت الأخبار بأن السلطة الفلسطينية " تتخوف" من امتناع حكومة نتن ياهو عن استئناف المفاوضات بين الجانبين, على ضوء رفض نتن ياهو حل الدولتين, واعلان وزير خارجيته بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود. ما قول الدكتور عبد العزيز في هذا الأمر؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: "كنت دائما ولا زلت على قناعة تامة أن الصهاينة اليهود لن يسمحوا في يوم من الأيام بقيام دولة فلسطينية مستقلة على طاولة المفاوضات ولو على جزء يسير من أرضنا المغتصبة فلسطين، فالمشروع الصهيوني الرامي إلى قيام ما يسمى ( بإسرائيل الكبرى ) لا زال محط أنظار الصهاينة الأشرار، وهم يؤمنون أن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ربما يقطع الطريق على هذا المشروع، كما أن الصهاينة يعتقدون أن قيام دولة فلسطينية يشكل خطرا استراتيجيا على مستقبل الكيان الصهيوني، إدراكا منهم أن الأمة العربية والإسلامية ستستمر في رفضها للوجود الصهيوني على أرض إسلامية لها ارتباط وثيق بعقيدة المسلمين، وأعتقد أن المفاوض الفلسطيني بات اليوم يشاركني قناعتي هذه، ولكنه لا زال يسعى إلى المفاوضات وكأنها أصبحت هدفا لذاتها، فما الذي يريد أن يحققه المفاوض الفلسطيني من هذه المفاوضات؟" . (4)

- إذاً ما هي الرسالة التي يوجهها الدكتور للمفاوض الفلسطيني!؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " قل لي بربك أيها المفاوض الفلسطيني.. لماذا تسعى إلى المفاوضات؟!!! (4)لقد فاوضت م.ت.ف العدو الصهيوني على مدى حوالي التسع سنوات منذ مؤتمر مدريد، وذلك من خلال السلطة المنبثقة عنها، وتعاونت معه أمنيا، واعتقلت المجاهدين عام 1996م، وشكلت من قوات الأمن الفلسطيني سياجا أمنيا يحمي الاحتلال ومستوطناته، وألغت ميثاقها، وآمنت "بعِجْل" السلام الصهيوني، واعترفت بما يسمى دولة "إسرائيل" أي تنازلت عن 78% من فلسطين، ولكن العدوان على شعبنا لم يتوقف، فبناء المستوطنات، وشق الطرق الالتفافية، وتهويد المقدسات لم يتوقف للحظة واحدة بينما كانت طاولة المفاوضات عامرة بالمتحدثين عن السلام الشامل والدائم والعادل، ولنا عندئذ أن نتساءل أليس هذا هو الاستدراج بعينه؟ ألم توفر طاولة المفاوضات الغطاء المطلوب لتلك الممارسات العدوانية التي تتناقض مع السلام، وتجعل قيام دولة فلسطينية أمرا مستحيلا وقد نجح العدو الصهيوني بتقويض مقوماتها عبر عزل الشعب الفلسطيني في معازل متناثرة؟فإذا كنا نجمع على أن العدو يفر من السلام ولا يريده ولا يؤمن به، وإذا كان إحراجه أمرا مستحيلا ومعه أمريكا بخيلها ورجلها، وإذا أيقنا أن عدوانه المتواصل علينا خيار استراتيجي لأنه وسيلته الأساسية في تنفيذ المخطط الصهيوني، فلماذا لا يقر جميعنا بأن المقاومة هي الخيار؟!!!! " (5)

- حركة حماس في الفترة التي سبقت حرب الفرقان, قامت بتعليق العمل العسكري و وقف إطلاق الصواريخ, مما دفع لاتهامها من قبل البعض بأنها انجرَّت إلى مربع التسوية وهجرت المقاومة, خاصة وأنَّ خروقات الاحتلال في فترة الهدنة لم تتوقف؛ فلماذا أباحت حماس لنفسها وقف العمل العسكري في ذلك الوقت!؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " حقيقة الأمر أننا نؤمن أن تعليق العمل العسكري لن يؤدي إلى أي إنجاز سياسي لصالح الشعب الفلسطيني على صعيد استرداد حقوقه السليبة، كما أننا نؤمن أنه لن يؤدي إلى وقف مختلف أشكال العدوان على شعبنا الفلسطيني، ولذلك لم يكن هدفنا من التعليق إلا صيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإزالة العقبات من أمام مشروع المقاومة المسلحة." (5)

- في الوقت الأخير سادت الساحة الفلسطينية أخبار "الحوار الوطني الفلسطيني", وانشغلت الأطراف الفلسطينية بآمال تحقيق الوحدة الوطنية. لكنَّ إرجاء الحوار إلى وقتٍ آخر, دفع البعض لتحميل حركة حماس مسئولية فشل الحوار. كيف تُبرر حركة حماس موقفها من الحوار الفلسطيني؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " إذا تحدثنا عن الحوار فلم يعد لهذا المصطلح العظيم من مضمون، لأننا نفهم الحوار على أنه سلوك وطني وإسلامي يضع كافة القضايا التي تهم المتحاورين تحت المجهر بهدف التوصل لما هو أفضل لقضيتنا ولشعبنا، وأن يكون هناك استعداد مسبق لدى الأطراف المتحاورة أن تفتح أسماعها وأبصارها وأفئدتها للرأي الآخر، وأن يكون لديها استعداد للتخلي عن موقفها لصالح المصلحة العليا إذا تجلت في الرأي الآخر، بينما نرى مفهوما آخر للحوار يفرغه من مضمونه، فقد أصبح في عرف البعض أنهم وحدهم يحتكرون الصواب دون غيرهم، وأن على الآخرين أن يتخلوا عن قناعاتهم وإلا فالحوار يعتبر فاشلا قبل انعقاده، وعندها يجرد الحوار من معناه الجميل ليصبح ضغوطا وإلحاحا وتخجيلا، من طرف على طرف آخر كي يتخلى عن ثوابته التي يؤمن أن المصلحة الوطنية العليا تكمن في التشبث بها، فالحوار ليس وسيلة ضغط من أجل دفع هذا الطرف أو ذاك لتغيير محضنه الفكري أو الثقافي أو السياسي، وليس وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب، ونجاح الحوار يكمن في قبول الطرف الآخر كما هو، ثم يجري البحث في التحول المطلوب كنتيجة للحوار، وليس كشرط مسبق لنجاح الحوار، فهناك من يقيد نجاح الحوار بتحقيق الهدف الذي حدده كنتيجة مسبقة للحوار، فإن تحقق كما يرجو يصبح في عرفه الحوار ناجحا، وأما إذا لم يتمكن من تحقيق ما يشتهي فلا يتردد في الإعلان عن فشل الحوار، ثم لا يلبث أن يحمل صاحب الرأي الآخر الذي لم يقترف ذنبا إلا أنه تشبث برأيه الذي اقتنع بصوابيته، وأبى أن يكون إمعة، مسئولية ذلك الفشل المزعوم." (6)

- تساءل الدكتور عبد العزيز في إحدى مقالاته " هل السلطة في ظل الاحتلال إنجاز وطني أم إنجاز للاحتلال؟"(7). فما هو المطلوب من السلطة حتى تصبح انجازاً وطنياً يجمع الشعب في بوتقة المقاومة؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: "أن تعلن السلطة عن وفاة أوسلو، وعن تحللها من التزاماتها كما جاءت في الاتفاقيات التي وقعت عليها، وأن تنحاز إلى خندق المقاومة كخيار استراتيجي، وما من شك أن لهذا الخيار تكاليفه، فهذا يعني بوضوح نهاية السلطة كمشروع دولة، ولن تكون التكاليف إذن باهظة لأن مشروع الدولة غير قابل للتنفيذ، ولكن من مزايا هذا الخيار أنه سيحافظ على السلطة كإطار وطني ثوري، وبالتالي سيصون الوجود الفلسطيني، ويحفظ القضية الفلسطينية من التصفية، ويجمع الصف الفلسطيني في بوتقة واحدة، ويعزز قدرة المقاومة على تحقيق أهدافها، ففي التحلل من التزامات أوسلو، يصبح التسلح مشروعا وليس جريمة مخجلة... وستصبح المقاومة عندئذ عملا مشروعا وليست إرهابا، فمقاومة الاحتلال لم تفقد مشروعيتها إلا في أوسلو، وسيصبح العدو أمام أمرين اثنين: إما أن يذعن لشروط شعبنا الفلسطيني المجاهد، أو أن يواجه حرب استنزاف طويلة الأمد، باهظة التكاليف لا يريدها ولا يتمناها، ولا يمكنه تحمل تبعاتها." (8)

- إذاً هل يُشجِّع الدكتور عبد العزيز انضمام حماس وباقي القوى الفلسطينية إلى السلطة إن تمرَّدت على أوسلو؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: "اندثار أوسلو يعتبر مصلحة عليا للشعب الفلسطيني ، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام مشاركة كل القوى في صناعة القرار الفلسطيني المستقل ، و يهيئ الأجواء لميلاد سلطة مستقلة وقوية".(9)

- قام النظام المصري باعتقال مجموعة من الأفراد قيل أنهم يُهرِّبون السلاح للمقاومة الفلسطينية المحاصرة في غزة. وفي ذات الفترة قام النظام الأردني بالحكم على ثلاثة أردنيين أُدينوا برصد مواقع عسكرية اردنية لصالح حماس؛ ما هي رسالة الدكتور عبد العزيز للحكام العرب الذين يزيدون من الضغط والحصار على المقاومة الفلسطينية؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " يا قادة العرب شعوبكم تتحرق شوقا لنجدتنا ونصرتنا، تتلظى على جمر العار لحرمانها من نصرة المسرى، تتوق إلى الجهاد في سبيل الله، دفاعا عن كرامة أمتنا التي مرغها الصهاينة في التراب، فلماذا تسلطوا عليهم الكلاب الأمريكية؟ ولماذا تجلدوا ظهورهم بالهراوات البريطانية؟ فإن كنتم قد تخاذلتم عن نصرتنا، ألا يسعكم أن تغضوا الطرف عمن يريد نصرتنا ؟؟ليت الذي لم يكن بالحق مقتنعا يخلي الطريق ولا يؤذي من اقتنعا. يا قادة العرب لماذا هذا الولاء الأعمى لمن نهانا رب العزة عن اتخاذهم أولياء (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)، فربما تقولون كما قال الذين من قبلكم (نخشى أن تصيبنا دائرة) فاقرءوا إذن قول الله عز وجل ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين )، وربما ابتغاء العزة عندهم، فأذكركم باستنكار الله ذلك قائلا سبحانه ( أتبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا )، ولذا أما آن لكم أن تتدبروا قول الله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، فإلى متى تبتعدون عن هذه الحقائق القرآنية الدامغة ؟؟ ألا ترون أن ابتعادكم عنها سبب هزائمنا ؟؟يا قادة العرب ألا ترون أنه لولا جهاد شعبنا في فلسطين لاقتحم العدو عليكم عواصمكم، فهو الذي لم يتخل بعد ولن يتخلى عن مشروعه وحلمه في ما يسمى بإسرائيل العظمى، فلماذا لا تدعمون صمودنا كي نحمي عواصمكم ؟؟" (10)

- في ظل الحكومة الصهيونية اليمينية, قال وزير الخارجية أفيغادور ليبرمان, بأنه يرفض مؤتمر أنابوليس, الذي هرولت إليه بعض الأطراف الفلسطينية و رأت فيه طريق النجاة و الحل الأمثل. كيف يمكننا تفسير موقف القادة الصهاينة من الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينين؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " لقد أصبحت عملية الإخراج الإعلامي للتراجعات السياسية تأخذ شكلاً نمطياً ثابتاً ، يبدأ دائماً بعرضٍ أمريكي يتمثّل في ورقة أو خطة أو خريطة ، تحمل في طياتها مطالبة الجانب الفلسطيني بتخفيض سقف التطلعات السياسية ، فيأتي الرد الفلسطيني على شكل القبول المشروط الذين يعني الموافقة ، بينما يأتي الردّ الصهيوني على شكل قبولٍ مع تعديلات كبيرة تعني الرفض ، فتأخذ عوامل التعرية الصهيونية في نحت الخطة لتصبح شيئاً آخر يتطلّب تخفيضاً جديداً للسقف الفلسطيني ، فيتعزّز الجانب الفلسطيني في البداية لكن سرعان ما يعلن عن الموافقة بدون شروط ، ليبدأ التشدّد الصهيوني من جديد ، و هكذا يتم خفض السقف السياسي مرة تلو الأخرى ، و ما هي إلا أسابيع حتى يصبح ما تعتبره فصائل المعارضة كارثة سياسية مطلباً فلسطينياً وطنياً !!! ."(11)

- إذاً, كيف يرى الدكتور عبد العزيز السياسة؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " لقد كانت السياسة هي فن الممكن ، فهل أصبحت اليوم فن التراجع ؟‍‍‍‍؟؟ أما أنا فأرى أن السياسة هي فن التمسك بالثوابت ". (11)

-تأتي ذكرى استشهاد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في يوم الأسير الفلسطيني 17-4 , فماذا يقول الدكتور عبد العزيز في قضية الأسرى, وكيف يرى السبيل الأمثل للتعامل مع هذا الملف؟
د.عبد العزيز الرنتيسي: " الحركة الإسلامية في فلسطين أمام خيارين اثنين: إما أن تقوم بالعمل على اعتقال جنود صهاينة لإنجاز عملية تبادل، أو تترك المعتقلين يرسفون في القيد إلى الأبد، والخيار الثاني لا يمكن للحركة الإسلامية إلا أن تشطبه من أجندتها، مما يعني أن الخيار الأول هو الخيار الوحيد أمام الحركة الإسلامية." (12)

***
أبشرْ فإن جهادَنا متواصلٌ .... إنْ غابَ مقدامٌ ستخلفه مئاتْ*
هذه البشرى التي أراد الدكتور عبد العزيز إيصالها ليحيى عيَّاش, وأضاف عليها في ذات القصيدة قائلاً:
اليوم يا يحيى ستنهض أمةٌ .......
وتثورُ تنفض عن كواهلها السُّباتْ
ونُعيد ماضينا ويهتف جُندنا........
النصر للإسلامِ بالقسَّام آتْ
ونحن اليوم نزف للدكتور عبد العزيز ذات البشرى؛ بأن جهادنا متواصل وأن قسامنا قد غدا جيشاً لا يُقهر, تفرُّ منه أقوى الجيوش تسلُّحاً في المنطقة.
تشتاق أعيننا لرؤية الرنتيسي وباقي قادتنا الشهداء,
في كل لحظة وساعة,
ولكنَّ الله إذا قضى أمراً فإنما يقول له كنٌ فيكون,
وإنه لكل أجلٍ كتاب,
ومن اصطفاه الله شهيداً خير ممن فارقته روحه بسكتةٍ قلبية أو ذبحةٍ صدرية!


(1): حماس والقرارات الصعبة- 1/7/2003
(2):إحدى الكلمات المسجلة للدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
(3): حماس ليست وحدها في المعركة .. وستنتصر بإذن الله - 9/9/2003
(4): قل لي بربك أيها المفاوض الفلسطيني.. لماذا تسعى إلى المفاوضات؟!!! - 20/10/2003
(5): المقاومة هي الخيار- 11/8/2003
(6): نريد الحوار... ولا نريد شعارات بلا مضمون – 7/1/2003
(7): هل السلطة في ظل الاحتلال إنجاز وطني أم إنجاز للاحتلال؟- 2/9/2003
(8): ماذا بعد انجلاء الغبار ؟!- 23/1/2002
(9): لماذا لا تنفض السلطة يدها من أوسلو ؟؟!!- 6/6/2002
(10): صـــــرخة- 28/8/2001
(11): السياسة فن التمسك بالثوابت و ليست فن التراجع-17/3/2003
(12): الأسرى على السلم أولويات المقاومة الإسلامية في فلسطين- 7/2/2004
* الأبيات من قصيدة (عياش حيٌّ لا تقل عيا ش ماتْ )
--------------

السبت، 4 أبريل 2009

الخشوع وغض البصر



هل تعلم أن غض البصر من أسباب الخشوع ... قد يعجب المرء حين يعلم هذه العلاقة.. ويقول قائل لو أردت أن أستجلب الخشوع لعملت على التركيز أثناء الصلاة ولا علاقة لهذا بما أفعله خارج الصلاة....

ولكن هذا الكلام غير صحيح فما يعمله الإنسان في السر أو في العلن بالقول أو بالفعل، قليلا أو كثيرا، لا بد أن ينعكس مباشرة على باقي أمور حياته في تفكيره وسلوكه، في مشاعره ومزاجه، ولا نبالغ إن قلنا إن أعماله تبلور شكل وجهه وملامحه (نظرية أن الماء يتبلور ويتشكل حسب البيئة المحيطة به.. وتتغير بلوراته بأشكال عديدة إن قرأ عليه القرآن مثلا.. والإنسان معظم جسمه يتكون من الماء..) والحسنة كما نعلم لها نور في الوجه وقوة في الجسد ومحبة في قلوب الخلق..

وهذه الحقيقة أو هذه السنة من سنن الحياة توضح وتشرح لنا الكثير من أسرار الحياة فالطاعات تشرح الصدر وتصلح البال وتطرح البركة في المال والعيال، وأيضا لها دور كبير في الاستقرار النفسي وبالتالي التركيز العقلي مما يهيئ أسباب الخشوع في الصلاة، والعكس صحيح فالمعاصي – نسأل الله أن يتوب علينا وعلى عصاة المسلمين – تقلب حال الإنسان وتشغله عن منفعته وتبعده عن الهدى والنور والاستقرار في هذي الحياة والعياذ بالله.

ومما سبق يكون من السهل علينا أن نستنتج أن على الإنسان إذا أراد أن يكون قريبا من الله، وأن يحيا حياة طيبة، فعليه بالطاعات والبعد عن المعاصي كي تستقيم شخصيته ويستوي تفكيره ويصح جسده ويخشع في صلاته.