امرأة في الأربعين من عمرها كانت الأجدر بأن تتحدث عن الاستشهادية الفلسطينية الثامنة " ميرفت مسعود" بوصفها أمها.
أم علاء مسعود (40 عامًا).. اقتنصتُ دقائق من بين المهنئات لها بشهادة ميرفت؛ كي تحدثنا عن بكرها التي أحبت الوطن، وضحت من أجل أهلها ومن ربيت في أحضانهم، وكي تسرد لـ" القدس أون لاين" تفاصيل من يومياتها وبعضًا من ملامح شخصيتها:
ميرفت مسعود.. في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها بتفوق في شهادة الثانوية العامة، حيث أهلها معدلها 90.3 % للانتساب لكلية العلوم، وخلال الأشهر القليلة الماضية أبلت بلاءً حسنًا في دراستها، يشهد بذلك أساتذتها وزميلاتها، إلا أن الجريمة الإسرائيلية البشعة في بيت حانون على مدار ستة أيام من القتل والتدمير والخراب، الذي حل بأرجاء المدينة شجرًا وحجرًا وبشرًا غيرت كل شيء، كانت تنظر لممارسات الاحتلال كأي فلسطينية يؤلمها منظر الأطفال الجرحى، تتساءل عن ذنبهم، وتبكي حال الأمهات الثكالى، ويعجزها الكلام إلا بثرثرات غاضبة ساخطة على القادة العرب العاجزين الذين لا يحركون ساكنًا أمام هذه المذابح.
تقول أم علاء بمزيد من الصبر والجلد: في اليوم الثالث لاجتياح بيت حانون، السبت تحديدًا، عادت ميرفت من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة غير آبهة بما قد ينالها في سبيل تحقيق هدف أسمى هو نصرة المحاصرين، وفك وثاق المقاومين في البلدة، قالت الأم: إن ابنتي لطالما صارحتني بأمنيتها الخالصة بالشهادة، لكني لم أكترث يومًا، فكل الفلسطينيين يأملون أن ينعموا بالشهادة، لم أعلم أنها بدأت التخطيط لتنفيذ أمنيتها الخالصة بالشهادة، لم أصدق أنها رحلت مفجرة جسدها في جنود الاحتلال الذين عاثوا في بلدة بيت حانون فسادًا، تمنيت أن أودعها، أن أنثر قبلاتي على وجهها، لكنها لم تدعني أفعل ذلك خشية منعي لها من تنفيذ أمنيتها بالشهادة، تجهش الأم بالبكاء وتغيب في لحظات صمت طويلة..
أم علاء مسعود (40 عامًا).. اقتنصتُ دقائق من بين المهنئات لها بشهادة ميرفت؛ كي تحدثنا عن بكرها التي أحبت الوطن، وضحت من أجل أهلها ومن ربيت في أحضانهم، وكي تسرد لـ" القدس أون لاين" تفاصيل من يومياتها وبعضًا من ملامح شخصيتها:
ميرفت مسعود.. في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها بتفوق في شهادة الثانوية العامة، حيث أهلها معدلها 90.3 % للانتساب لكلية العلوم، وخلال الأشهر القليلة الماضية أبلت بلاءً حسنًا في دراستها، يشهد بذلك أساتذتها وزميلاتها، إلا أن الجريمة الإسرائيلية البشعة في بيت حانون على مدار ستة أيام من القتل والتدمير والخراب، الذي حل بأرجاء المدينة شجرًا وحجرًا وبشرًا غيرت كل شيء، كانت تنظر لممارسات الاحتلال كأي فلسطينية يؤلمها منظر الأطفال الجرحى، تتساءل عن ذنبهم، وتبكي حال الأمهات الثكالى، ويعجزها الكلام إلا بثرثرات غاضبة ساخطة على القادة العرب العاجزين الذين لا يحركون ساكنًا أمام هذه المذابح.
تقول أم علاء بمزيد من الصبر والجلد: في اليوم الثالث لاجتياح بيت حانون، السبت تحديدًا، عادت ميرفت من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة غير آبهة بما قد ينالها في سبيل تحقيق هدف أسمى هو نصرة المحاصرين، وفك وثاق المقاومين في البلدة، قالت الأم: إن ابنتي لطالما صارحتني بأمنيتها الخالصة بالشهادة، لكني لم أكترث يومًا، فكل الفلسطينيين يأملون أن ينعموا بالشهادة، لم أعلم أنها بدأت التخطيط لتنفيذ أمنيتها الخالصة بالشهادة، لم أصدق أنها رحلت مفجرة جسدها في جنود الاحتلال الذين عاثوا في بلدة بيت حانون فسادًا، تمنيت أن أودعها، أن أنثر قبلاتي على وجهها، لكنها لم تدعني أفعل ذلك خشية منعي لها من تنفيذ أمنيتها بالشهادة، تجهش الأم بالبكاء وتغيب في لحظات صمت طويلة..
من فتح إلى سرايا القدس
أكدت أم علاء أن ابنتها الملتزمة دينيًا وأخلاقيًا مارست نشاطها الوطني لمدة ثلاثة أعوام مع كتائب شهداء الأقصى، على ذات الدرب الذي رسمته مع ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، لكنها ما لبثت أن حولت نشاطها إلى "سرايا القدس" بعد أن رفضت كتائب الأقصى تجهيزها لتنفيذ عملية في العمق الإسرائيلي انتقامًا لأرواح الشهداء، وفداءً لحرية الأسرى المنسيين خلف غياهب السجون الإسرائيلية، توضح الأم أن سبب استبعاد الكتائب لابنتها ميرفت لتنفيذ عملية استشهادية، أنها لا تريد أن تحمل العائلة المزيد من الألم على فراق أبنائها الشهداء قبلها بعامين، حيث كان قد قام ابن عمها نبيل مسعود بتنفيذ عملية استشهادية في ميناء أسدود، أودت بحياة عدد من الصهاينة، بالإضافة إلى إصابة آخرين، تابعت: بعد الرفض، وبالأخص في أوج المعركة الضارية في بيت حانون، استعانت ميرفت بسرايا القدس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، علّها تمنحها المباركة بتنفيذ عملية، وبالفعل تم ما أرادت حيث تواصلت معهم عبر الهاتف النقال والاجتماعات السرية..
يوم الاستشهاد
عشية يوم الاثنين، آثرت ميرفت الصيام وقد تعودت عليه منذ فترة بعد استشهاد نبيل ابن عمها، يومها أصرت على أن تتناول مع أمها طعام السحور، تقول أمها: "بينما أنا أعد السحور كانت هي قد استيقظت من نومها في وقت سابق، وأخذت تصلي وتقرأ القرآن كعادتها، إلا أنها هذه المرة أطالت في القراءة والدعاء والتسبيح، حتى قبل رفع آذان الفجر بدقائق لا تتجاوز العشرة، تناولت خلالها لقمة خبز ورشفة من كأس شاي، ثم نوت الصيام"، وتضيف: "التفت إليَّ حينها لتطلب مني الرضا والسماح، ولم تنفك عني حتى سمعت دعائي لها بالرضا الخالص من قلبي، وكيف لا أرضى عنها وهي فرحة عمري الأولى وابنة بطني الرحيمة بي، المطيعة المهذبة، الخلوقة العطوفة على أشقائها الصغار، خاصة صابرين ذات الأربع سنوات".
وتتابع الأم: "شعرت أن شيئًا سيصيبها، لكني لم أعرف ما هو، وكلت أمري لله وذهبت لهدهدة أصغر أبنائي نبيل ( عمره عام ونصف)، أما هي فقد استكملت صلاتها ودعاءها حتى شروق الشمس، بعدها ارتدت ملابسها وأقبلت مودعة، كنت أظنها قد خرجت للجامعة لتلقي دروسها ومحاضراتها كعادتها اليومية، لكن وجهتها كانت لبيت حانون استعدادًا لتنفيذ عملية فدائية انتقامًا للشهداء والجرحى الذين سطروا بدمائهم طريق المجد والعزة".
الأم انتظرت عودة ابنتها، لكنها لم تعد، عن هذه اللحظات تقول: "كنت أتابع على شاشة تلفزيون فلسطين أحداث بيت حانون وارتفاع عدد الشهداء، بانتظار عودة ميرفت لتناول طعام الإفطار سويًا"، تخون الأم دموع الفقد وتبلل وجنتيها وتواصل: "وبينما أتابع التفاصيل عن كثب وإذا بأحد شهود العيان يتصل مباشرة بالمذيع، ليؤكد له أن فتاة فلسطينية لا يعرف هويتها، فجرت نفسها بمجموعة من الجنود الصهاينة الذين احتلوا أحد المنازل السكنية في بيت حانون، واستباحوا حرمتها. تصمت قليلاً.. حين سمعت الخبر طرقت الفرحة الممزوجة بالفخر باب قلبي، ناديت ابنتي نعمة 16عامًا لتغير مؤشر القناة إلى مرئية الأقصى، وغيرتها بالفعل، وكان التأكيد على نبأ العملية الفدائية التي نفذتها إحدى خنساوات فلسطين، تركتني نعيمة وراحت تزف خبر العملية إلى جدتها في البناية المجاورة، وقتها أتتني ابنة سلفي تسألني عن ميرفت وبعينها حيرة وألم لم أعهدها من قبل، انتابني شعور بالألم في صدري، كدت أن أختنق لمجرد التلويح بفكرة أن ميرفت من نفذت العملية، سرت أروح وأغدو في ساحة المنزل أريد أحدًا يتصل بالهاتف النقال الخاص بميرفت ويطمأنني عليها، فلم أجد حتى جاءني الخبر مؤكدًا من أحد المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون، بأن ميرفت من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية ثأرًا لدماء الشهداء والجرحى الذين خضبوا بدمائهم تراب بيت حانون"، حينها تحولت مشاعر الفرح إلى ألم لا حدود له، امتزجت الدموع بمشاعر الفخر والاعتزاز بصنيع ابنتي التي ما زالت في مقتبل العمر تنتظر ربيعًا ورديًا تتفتح فيه، وتنثر عبيرها، لكنها آثرت التضحية والفداء على نعيم الدنيا وزخرفتها الزائلة، آملة في البقاء الخالد في جنان عرضها السماوات والأرض.
نفذت ميرفت عمليتها الجريئة في صفوف قوات خاصة صهيونية، ترجلت بالقرب من منازل المواطنين ببيت حانون، فأوقعت بينهم القتلى والجرحى، وفقًا لشاهد عيان، فإنها تقدمت باتجاه القوات الراجلة ترتدي جلبابًا وخمارًا، ولما سألوها إلى أين تسير، أشارت أنها تريد الولوج إلى بيتها القريب من المكان، فسمحوا لها غير أنها ما لبثت أن عادت، وهنا كانت الشكوك قد ساورت القوة الخاصة، فأمروها بخلع النقاب مرة واثنتان، وفي الثالثة بعد أن صوبوا بنادقهم تجاهها خلعته مستديرة بسرعة البرق وقفزت باتجاههم مفجرة جسدها بركانًا في صفوفهم، فأسقطتهم أرضًا بين قتيل وجريح، وتناثرت أشلاء جسدها معبقة المكان برائحة المسك..
رحلت ميرفت إلى جنان الخلد بإذن الله، تاركةً مشاعر الفخر والألم تختلط في قلوب أفراد أسرتها، خاصة صابرين ذات السنوات الأربع والتي كانت بمثابة الابنة المدللة لدى ميرفت، تنتظر صابرين عودة أمها الثانية حاملة إليها أصناف الحلوى ومشاعر الدفء والحنان.. الانتظار سيطول قليلاً لحين تدرك صابرن أن الجنة التي ذهبت إليها ميرفت ليس لها مكان في الأرض، وأن الانتظار سيطول إلى نهاية الدنيا..
-------------
دنيا مطر/غزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق