أبو بلال نزار عبد القادر ريان العسقلاني عالم عامل عابد زاهد ومجاهد استشهد مرابطًا على ثرى فلسطين الحبيبة .. لقد قالها رحمه الله في آخر لقاء بيننا: نتمنى أن تسيل دماؤنا جميعاً مقابل أن تحيا الأمة، وتعيش بكرامة. عاش عزيزًا كريمًا، ونال شهادة أغاظ الله بها قلوب الحاقدين المجرمين، فقد أكرمه الله بالشهادة لتكون وسام عز وشرف تخرس بها كل الألسنة المتطاولة على الجهاد والمجاهدين.
والدي الحبيب نزار عبد القادر ريان: ولد في معسكر جباليا للاجئين في السادس من آذار (مارس) عام 1959 حيث ترعرع بين أهل هذا المخيم، وشاركهم معاناة الهجرة وآلامها، وعانى من تسلط العدو ومرتزقته الخونة، وتجبر الاحتلال على أهله وجيرانه وأحبابه..فمثل أي إنسان حر وكريم يأبى الظلم على نفسه وأهله وشعبه حمل هم القضية الفلسطينية، وصمم على حقه في العودة إلى دياره التي هجر منها ظلمًا وعدوانًا، وظل ينافح عن هذا الحق حتى قدم في سبيل ذلك حياته وستة عشر فرداً من أسرته.
نزار ريان الأب الحاني والابن البار والأخ الصادق والحبيب العاشق، وكل معاني الإنسانية الرائعة .... تميز بسعة الصدر ورحابته، وقد كان صدره متسعًا للجميع لكل الشرفاء وأهل الكرامة ..
لقد كان رحمه الله علمًا ونبراسًا لطلبة العلم ، فلقد أسس المكتبة العامرة، وهو في بداية المرحلة الإعدادية لتكون عامرة بالعلم وأهله، أسسها قبل أن يؤسس منزلا ليسكنه، وكانت أكبر مكتبة خاصة في قطاع غزة، ولقد كان محبًا للعلم وأهله فهو التلميذ الوفي لأساتذته، والأستاذ العزيز بعلمه، المتواضع بأخلاقه مع تلامذته وطلابه، وبالرغم من انشغاله بقيادة العمل السياسي في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس إلا أن ذلك لم يشغله عن طلب العلم فلقد حصل على درجة الأستاذية "بروفيسور" في علم الحديث الشريف، ولم يثنه ذلك عن مواصلة درب الجهاد والمقاومة، فكان قائداً سياسياً وفي نفس الوقت جندياً في كتائب القسام، ولم يمنعه جهاده ورباطه من مواصلة التأليف والتصنيف، فقد صنف كتبًا عدة في الرقائق والأخلاق والسياسة الشرعية وعلوم الحديث وأكثرها تأثيرًا في النفس كتاب: "وأظلمت المدينة" وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كتب رسالته التحضيرية لنيل درجة الماجستير بعنوان "أحاديث الشهادة والشهيد"، وقد قام بجمع الأحاديث المتعلقة بفضل الشهادة وأحكامها من جميع كتب السنة، وكان يحدث إخوانه قائلا: "لا يليق أن أكتب في هذا الموضوع ثم لا ألقى ربي شهيدًا"، أما رسالة الدكتوراه فكانت بعنوان مستقبل الإسلام وأي مستقبل كتبته لنا أبتاه! وأعظم رسالة سطرها بدمه، ودم زوجاته الأربع، وأبنائه الاثني عشر هي رسالة الصمود والتحدي للعدو المجرم الجبان.
بيتنا العامر: " دار العز يا دارنا " لقد كان بيت والدي الحبيب نزار ريان عامرًا بالمكتبة العامرة وبأهله الكرام الطيبين، باب البيت كان دائما مفتوحًا لا يرد أحدًا، كان ملاذا للخائفين، وعونًا للمحتاجين، وفرجة للمكروبين، ومدرسة لكل طالب علم جادّ.
يشهد الله أن والدي رحمه الله كان ينفق على المحتاجين أكثر مما ينفق على نفسه وأهله، ولا يبخل عليهم بل يجود عليهم بكل ما يستطيع، ويتمنى أن يفعل لهم المزيد، كان لا يخرج من باب البيت حتى يملأ جيبه بالمال لينفقه على المحتاجين الذين يصادفهم في الطريق، كان يبذل كل ما يستطيع ليحل مشاكل الناس لم يكن بعيدًا عنهم بل كان فردًا منهم يشاركهم أفراحهم وآمالهم، ويحمل همومهم وآلامهم، حتى إنه كان لا ينام الليل يفكر في راحتهم وفي سبيل تفريج كربتهم. أذكر أنه قبل الحرب بقليل ضاق الحال بالناس بشكل لم يسبق له مثيل وكان الوالد متأثرًا بشكل كبير، ودموعه في عينيه يومها، أقسم بالله أنه يود بيع المنزل لإنفاق ثمنه على المحاصرين، فرجوته قائلا: أين يذهب أولادك وزوجاتك فهم أمانة في عنقك فرجوته كثيراً إلى أن يسر الله له الشهادة، ودمر منزله بالكامل والمنازل المجاورة له.
إنني لم أحزن على نفسي رغم ألم الفراق الذي يهز أعماق الفؤاد، إنما حزنت على هؤلاء الناس الذين سيفتقدون والدي أكثر مني، سيفتقدون من كان لهم عونًا وقلبًا رحيمًا ويدًا معطاءة؛ لكن الله أسأل أن يعوضهم ويرزقهم خيرًا ..
نظرت إلى أطفال جيراننا فتذكرت موقفا لوالدي لن أنساه ما حييت: في الجهة الخلفية لبيتنا يوجد ساحة صغيرة، وبها عدة مراجيح قام أبي بتفصيلها لدى حداد في المعسكر، فكان أطفال الجيران على الباب ينظرون لإخوتي، وهم يلعبون ويتضاحكون، فرآهم والدي من نافذة المكتبة العامرة، وناداهم جميعًا، وأنزل إخوتي عن المراجيح، وترك أولاد الجيران يلعبون قرابة الساعة أو يزيد وهو فرح بذلك ويضحك معهم، ويطل عليهم بين الفينة والأخرى من نافذة المكتبة إلى أن اكتفوا. وقال لهم: متى شئتم تعالوا؛ فالباب مفتوح لكم.
في بداية الحرب خرج الوالد للسوق يشجع الباعة ويحثهم على البيع بشكل طبيعي في ظل الحرب، ويثبت الناس ويدعم صمودهم ويذهب لأعراس الشهداء ولزيارة المصابين، ويقسم لهم أن الله ناصرهم وأنه سيهزم العدو الجبان، ولن يتمكن من دخول القطاع، وأذكر يوم أن كان العدو على تخوم مخيم جباليا في معركة أيام الغضب، فأقسم الوالد على الإعلام أنهم لن يدخلوا معسكرنا؛ فبر الله قسمه وأتم وعده، ولم يتمكن العدو من الدخول.
طلب مني أن أصرف له بعض المال، قال لي: يا بني؛ الآن الناس في حرب، وأكثرهم محتاجون، ولا يجدون قوت يومهم، فصرفت له، وأنفق ما أنفق، واستشهد وبعضها تخضب بدمه حين استشهاده، رحمة الله عليه.
ووالدي رحمة الله عليه كان عملة نادرة، وشخصية فريدة، ولو بقيت أكتب عنه عمري كله لن أوفيه حقه، فعز أن تجد والدًا مثله، أو ابنًا مثله، أو أخًا مثله، أو جارًا مثله، أو زميل دراسة أو عمل مثله، أو أن تجد في الدنيا عابدًا عالما عاملاً بعلمه مجاهدًا، سامحه الله لقد رفع السقف عالياً، وأتعب من بعده حقاً! رحمك الله يا قرة العين، وخلجة القلب، ورفيق الدرب، كنت لي أبًا وأخًا وصديقًا، ومثلا أعلى. جمعنا بك عن قريب في الفردوس الأعلى.
يا حنين الشوق فينا **** حل بيـنٌ يا حنينا
هل تذكرت الليالي **** عطرها ينسي الحُزونا
يوم أن كنا سويًا **** في رياض تحتوينا
في رياض الحب كنا **** نستقي منها الفنونا
-----------
منقول من الجزيرة توك
-------------
أسماء الشهداء في الغارة الوحشية على منزل الشيخ نزار ريان هم
الشيخ نزار عبد القادر محمد ريان
الزوجات وهم:
هيام عبد الرحمن ريان - أم بلال، نوال إسماعيل ريان - أم عبد الرحمن، إيمان خليل ريان - أم علاء، شيرين سمير ريان - أم أسامة
ومن الأبناء وهم : غسان نزار ريان، عبد القادر نزار ريان، عبد الرحمن نزار ريان، أسامة نزار ريان، أسعد نزار ريان
الشيخ نزار عبد القادر محمد ريان
الزوجات وهم:
هيام عبد الرحمن ريان - أم بلال، نوال إسماعيل ريان - أم عبد الرحمن، إيمان خليل ريان - أم علاء، شيرين سمير ريان - أم أسامة
ومن الأبناء وهم : غسان نزار ريان، عبد القادر نزار ريان، عبد الرحمن نزار ريان، أسامة نزار ريان، أسعد نزار ريان
ومن البنات هم : آية نزار ريان، مريم نزار ريان، زينب نزار ريان، عائشة نزار ريان، ريم نزار ريان، حليمة نزار ريان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق