الاثنين، 19 يناير 2009

ماذا قدمت حماس للعسكرية الإسلامية؟


طوال أيام الحرب الصهيونية الغادرة على غزة وأنا أتابع لحظة بلحظة أداء مجاهدي حماس الشرفاء على الأرض، واليوم هو الثامن من تلك المعركة الفاصلة والفاضحة والكاشفة والمصيرية في تاريخ الإسلام.
إن مشاغبات الإعلام العلماني، والمحاولات المستميتة التي تبذلها الأقلام المهزومة للتهوين من شأن ما تفعله حماس اليوم بغرض حرمانها من تعاطف وتجاوب الجماهير المسلمة في كل مكان من العالم معها، تلك المحاولات والمشاغبات لم تشغلني ولم تحرك فيَّ ساكنًا للنهوض والرد عليها؛ فهي لا تمثل لي شيئًا ذا قيمة، وهي في نظري لن تغير شيئًا في الواقع الإسلامي الذي تشكل بالفعل على الأرض، بالإضافة إلى أنني اليوم في شغل أهم وأعظم وأخطر؛ إنني أعيش الآن مع حماس تاريخًا جديدًا مسطورًا بدماء المجاهدين الأبطال، مسكونًا بعبق تاريخنا المجيد وانتصاراتنا الماضية.
أرى اليوم أمام عيني أبطالًا يدافعون عن الإسلام ومقدساته وأرضه وقضايا الأمة المصيرية، وكأنني لذت إلى صفحات كتاب من كتب تاريخنا العريق، أسلي به نفسي المكسورة الحزينة في زمن الانهزام والاستسلام.
إن حماس اليوم تعيد كتابة تاريخ أبطالنا البواسل، وتذكرنا بقادتنا الأوائل الذين ضحوا وبذلوا وقدموا أرواحهم فداء عقيدتهم وأرضهم ومقدساتهم.
إن أجدادنا وعظماءنا الذين نتغنى بتاريخهم وأمجادهم وتضحياتهم كانوا ـ كما أبطال حماس اليوم ـ أصدق الناس إيمانًا، وأقواهم يقينًا، وأثبتهم جنانًا، يقفون في وجه الردى، ويقدمون أرواحهم ودماءهم غير خائفين ولا وجلين، متمثلين قول خبيب بن عدي رضي الله عنه: ولست أبالى حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي.
والله لقد ذرفت عيناي الدموع، وأصاب قلبي الحزن والكآبة والوجع عندما سقط أمام عيني البطل الشهيد الدكتور "نزار ريان"، والله لقد شعرت بأنني قد فقدت للتو خالد بن الوليد أو المثنى بن حارثة أو قتيبة بن مسلم أو عبدالرحمن الغافقي؛ لأنني أرى هؤلاء وغيرهم من رجالات الإسلام العظام في أبطال حماس البواسل اليوم، هؤلاء الذين لم ترعبهم صواريخ العدو ولا قنابله الفتاكة، ولم يوهن في عزيمتهم بطش أعدائهم وجبروتهم ووحشيتهم، بل ثبتوا وسط موجات التخاذل والاستسلام العالية، ووسط أعاصير الانهزامية العاتية، وتقدموا بدمائهم وأرواحهم وأهليهم وأبنائهم في سبيل الله، واثقين في نصره، ثابتين على عهده، متوكلين عليه وحده، متمثلين ما قاله محمد إقبال رحمه الله:
كنا جبالًا في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارًاكنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يومًا غاشمًا جبارًابمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارًالم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارًاوكأن ظل السيف ظل حديقة تنبت من حولنا الأزهارًا
أرى أن حماس في هذه الحرب الأخيرة بالذات قد أعطت العسكرية الإسلامية في العصر الحديث الكثيرَ من المنح والمزايا، التي أعادت لها بعض هيبتها المفقودة.
لقد أعادت حماس اليوم الاعتبار إلى أهمية العقيدة والإيمان في العسكرية الإسلامية، تلك العقيدة التي تجعل الجهاد في سبيل الله مقدمًا على المال والولد والأهل والعشيرة، تلك العقيدة التي ينتصر بها الضعفاء القليلون المستضعفون على جبابرة الأرض وطغاتها، والتي تسند العزائم وقت الشدائد، وتقذف بالأمل في القلوب والأرواح، والتي تثبت الأقدام والأفئدة عند المواجهة، والتي تعزي الأنفس وتسليها عند ورود النوازل والمصائب.
ولمن يقول: إن حماس حركة متهورة مغامرة، جلبت على غزة الدمار والخراب بمناوشتها "إسرائيل" صاحبة الترسانة العسكرية الهائلة التي تساندها أقوى دول العالم.
أقول بدون سرد لمبررات حماس، وبدون عرض لمآسي الحصار الظالم الذي يضربه الصهاينة على أهلنا في غزة: ومتى قاتل المسلمون، ومتى واجهوا التحديات العظام والملمات الجسام، ومتى انتصروا على أعدائهم بعدد أو عدة؟
إن تاريخ مواجهات المسلمين مع أعدائهم قديمًا وحديثًا يشهد بأن الفيصل في المعارك هو الإيمان والثقة بالله، واليقين بنصره وصدق التوكل عليه.
انتصر المسلمون بذلك ـ مع الاستعداد بما استطاعوا من وسائل مادية ـ في بدر والقادسية واليرموك وحطين وعين جالوت والعاشر من رمضان، واليوم ينتصرون بها في غزة المرابطة بتأييد من الله وبعون من جنوده، التي أرسلها سبحانه لتقاتل مع المؤمنين المستضعفين؛ فالعقيدة هي التي تربط القلوب بالله، وتصل قوة المجاهدين بالقوة العظمى التي لا تُقهر ولا تُغلب، يقول المولى جل شأنه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 29-30].
أرى أن حماس اليوم قد قدمت للعسكرية الإسلامية خدمة جليلة في مجال الإعداد والتسلح؛ وبالتالي في ميدان الردع الإستراتيجي؛ حيث خطت بالمسلمين خطوة كبيرة في طريق كسر فرض التبعية على العرب والمسلمين في مجال الفكر العسكري وفنون الحرب، وهذا أراه في منتهى الأهمية؛ حيث كان من أهداف اليهود والغرب احتكار هذه الصناعة ومنع المسلمين بكل الوسائل من الوصول إلى أسرارها؛ ليظلوا رهينة لهم في مجال الصناعات العسكرية، يعيشون على ما يمن به الغرب عليهم من نظريات وعتاد وفكر عسكري، وكأن المسلمين ليس لديهم نظريات عسكرية ولا قادة عسكريين أفذاذ يستحقون الانتماء إليهم، وليس لديهم تاريخ عسكري حافل بالفنون والخبرات والخطط، تعلم منه الغرب واليهود أنفسهم، ثم أرادوا بعد ذلك أن يفصلونا عنه ويقطعوا الصلة بيننا وبينه.
لقد طورت حماس أداءها العسكري، وبدأت من الصفر معتمدة على نفسها وعلى خبرات أفرادها المحدودة، وابتكرت وصنعت معدات عسكرية، واستخدمت أساليب عسكرية تفردت وتميزت واشتهرت بها.
إن العالم كله اليوم في عجب واندهاش من صواريخ حماس، التي أرعبت اليهود وجعلتهم يفرون مذعورين بمئات الآلاف من الأراضي التي اغتصبوها من الفلسطينيين وطردوهم منها، تلك الصواريخ التي صنعت شيئًا من توازن القوى، وأضافت شيئًا لإستراتيجية الردع الإسلامية.
إنهم متعجبون مندهشون يتساءلون في جنون: "كيف صنع هؤلاء الصواريخ وكيف طوروها، وكيف تمكنوا ـ وهم معزولون عن العالم محاصرون ـ من امتلاك هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة والمعدات محلية الصنع؟!
ولكننا ـ نحن المؤمنين ـ لا نندهش ولا نتعجب؛ إن "الحمساويين" بصنيعهم هذا ـ بإيمانهم وتمام استعانتهم بالله وصدق لجوئهم إليه ـ أثبتوا للعالم أجمع أنهم هم ورثة داود عليه السلام، وليس اليهود بعلوهم وتجبرهم وطغيانهم؛ فـ"إسرائيل" تعتمد كلية على أمريكا في أسلحتها وطائراتها وصواريخها، أما حماس فهي تعتمد على طريقة داود عليه السلام، الذي يقول الله سبحانه في وصفه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10-11]، إنني والله أتخيل المجاهد "الحمساوي" وغيره من فصائل المقاومة وهو جالس يصنع صاروخه بيده، وكأن الطير والجبال تسبح معه كما كانت تردد وراء داود عليه السلام: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79].
إن حماس ـ في واقع الأمر ـ لم تفد العسكرية الإسلامية فقط بإحداث توازن للقوى بين المقاومة الإسلامية أمام الهجمة الصهيونية الشرسة وفي مواجهة المشروع "الصهيوصليبي" بأكمله، فقط بمجرد إطلاق صواريخها وإرعاب اليهود والتصدي بشجاعة وثبات لزحفهم البرى، إنما فعلت ذلك أيضًا بصورة مختلفة لمن يتأمل المشهد من أعلى؛ بحيث تظهر له الأمور بصورة أكثر شمولًا واتساعًا.
فحماس .. تلك القوة الإسلامية المحدودة المعزولة ذات الإمكانات الضعيفة والموارد المعدومة والجماهير المحرومة، حماس .. تلك الحركة الإسلامية التي تحكمها تلك البقعة الصغيرة المحاصرة من جهات الأرض الأربع، استطاعت بتلك الإمكانات الضئيلة والآليات الفقيرة أن تصمد لليوم التاسع على التوالي أمام هجمات شرسة فتاكة مجنونة، ثم هي تظهر تقدمًا نوعيًّا في عملياتها، وتستمر في إطلاق صواريخها بالرغم من القصف الجوي الإسرائيلي المتواصل، وهي أيضًا تلتحم مع العدو على الحدود وتصد هجومه البري، وتقتل وتجرح وتأسر، وتمارس جميع فنون القتال بروح معنوية مثالية؛ جعلت الجنود الصهاينة العائدين من تلك المواجهة يعترفون بأنهم قد قابلوا جنودًا لم يروا مثلهم من قبل.
والسؤال ـ للوقوف على إنجازات حماس في هذا المجال ـ هو: ماذا لو كانت قوة المقاومة أشمل وأوسع؟ ماذا لو كانت هناك إمدادات وإمكانات وقدرات عسكرية وموارد مالية وآليات متطورة؟ وماذا لو كان هناك ميدانًا مفتوحًا للقتال، يعطى فرصة أكبر للمناوشة والمناورة والتكتيك والتحرك والكر والفر؟ ثم ماذا لو كان هناك من يدعم حماس ويقف بجانبها من العالم العربي أو الإسلامي؟إذًا لضاعت "إسرائيل"، وأُبيدت ومُحيت من الوجود.
لذلك نقول: إن حماس قد أضافت للمقاومة وللعسكرية الإسلامية عمومًا بعدًا ماديًّا لتوازن القوى مع العدو بصواريخها وآلياتها محلية الصنع، وبأدائها الميداني في قلب المعركة، وكذلك أضافت بعدًا معنويًّا ونفسيًّا لا يقل أهمية لدى العدو؛ حيث لا يستطيع التغلب على هذه القوة القليلة العدد محدودة الإمكانات في ظل تلك الظروف القاسية التي تعيشها، فما بالك بالعرب جميعًا إذا اتحدوا؟! وبالمسلمين جميعًا اذا اجتمعوا على كلمة واحدة وتحت راية قائد واحد؟! وكيف هو شعور قادة "إسرائيل" السياسيين والعسكريين وهم يواجهون هذه الحقيقة الكبيرة المؤلمة؟
هناك شيء آخر بالغ الأهمية أضافته حماس للعسكرية الإسلامية؛ فقد أتاحت حماس في حربها الأخيرة مع "إسرائيل" ظهور تلاحم الجماهير المسلمة، وتعاطفهم وتواصلهم في كل مكان من العالم مع مسلمي غزة ومع القضية الفلسطينية.
فجهاد حماس وثباتها وصبرها وعطاؤها أوجد على أرض الواقع ما يُسمى بالكيان العسكري للأمة، ذلك الكيان الذي لا يُقاس بقوة الجيوش ولا بعدد الجنود والآليات والمركبات والطائرات، إنما يُقاس بالقاعدة العريضة التي تضم أبناء الأمة جميعًا، حين يجمعهم إحساس واحد وشعور واحد وهم واحد وهدف واحد وقضية واحدة.
ولقد اجتمعت الأمة كلها اليوم لنصرة أهل غزة ولدعم مشروع المقاومة.هذا إنجاز كبير يوضع بلا شك في ميزان حماس؛ فالأمة الإسلامية جميعها اليوم تجاهد اليهود بمشاعرها وغضبها ودعائها وصلواتها وصيحاتها وهتافاتها التي تزلزل اليهود وترعبهم.
لقد ألهبت "حماس" حماسَ المسلمين في كل أنحاء العالم؛ فقد رأينا استعداد شباب المسلمين في مصر وغيرها من دول العالم الإسلامي لبذل أرواحهم ودمائهم فداء دينهم وأهليهم وإخوانهم في غزة، ونسمع كل يوم عن تشكيلات فدائية تتكون وتتقدم وتعرض نفسها للاستشهاد في أرض المعركة.
بل الأمة كلها اليوم بشكل غير مسبوق تجاهد في سبيل الله بمالها؛ لقد رأيت بعيني كيف يتسابق الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في بذل أموالهم وما يمتلكون من حلي ومواد تموينية وأدوية لدعم المجاهدين في غزة، كانوا يقدمون المساعدات من ممتلكاتهم والابتسامة تعلو شفاههم والطمأنينة تملأ أرواحهم، وهم ينطقون بكلمة واحدة "من أجل غزة".
وجهاد المال لا يقل أهمية عن جهاد النفس، وقد قدمه المولى جل شأنه على جهاد النفس في أكثر من موضع في كتابه الكريم، يقول سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72].
ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف: 10-12].
ومن سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمامان عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلف غازيًّا في أهله فقد غزا)) [رواه البخاري، (2843)، ومسلم، (5012)، واللفظ له].وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده؛ فان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة)) [رواه البخاري، (2853)].
وأهمية المال اليوم في تجهيز الجيوش وتمويل الحرب لا يخفى على أحد، فالقوة الاقتصادية هي عصب الحرب.وهذا عامل نفسي ومعنوي آخر أقلق اليهود وأضج مضجعهم؛ فهم اليوم في مواجهة دعم أفراد وهيئات وجمعيات خيرية متواضعة الإمكانات من مختلف البلدان الإسلامية، فما بالك بدعم دولة في حجم مصر أو السعودية أو غيرها من دول الخليج العربي؟
إن هذه المشاعر تجعل الصهاينة لا يقللون من قوة المسلمين الاقتصادية والمادية، وتجعلهم لا يعلقون آمالًا كبيرة على إمكانية هزيمتهم والتغلب عليهم مستقبلًا في أية مواجهة شاملة، وتجعلهم يفكرون آلاف المرات قبل الإقدام على عمل أحمق يدفعهم إلى مثل تلك المواجهة.
لقد قدمت حماس للعسكرية الإسلامية اليوم قادةً صادقين، أعادوا إلى أذهاننا صور قادتنا الأوائل، قادة لا يخونون قضيتهم ولا يرضون بالذلة ولا يستكينون إلى هوان، ولا يرضون الاستسلام والخنوع على حساب ثوابتهم، قادة لا يفرون من الميدان وقت اشتداد القتال، بل هم دائمًا في مقدمة ركب الشهداء، ومنهم من استُشهد هو وعائلته بأكملها تحت القصف الغادر الجبان، ومنهم من استُشهد في ميدان المعركة، يقول المولى جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15-16].
وعلى مستوى الحرب النفسية عن طريق القيادات والمتحدثين الرسميين باسم الحركة؛ فهي إلى هذه اللحظة على أرقى مستوى من الأداء.لقد تابعت معظم تصريحات ومداخلات القادة، سواء كانوا خارج فلسطين أو قادة ميدانيين أو مسئولين إعلاميين داخل غزة، كانت اللهجة واحدة وطريقة الخطاب واحدة، والنبرة واضحة وهادئة ومتزنة، الكل يتحدث برصانة وثقة واطمئنان دون توتر أو تلعثم، الجميع واثق بالله وبنصره جل وعلا، لذلك تحدثوا بلغة أرعبت العدو وزلزلت كيانه وأخافته ودمرت معنوياته.
وهذا والله هو سر النصر بإذن الله، كما ذكر علي بن أبى طالب رضي الله عنه، الذي سمعت له في إحدى المعارك أربعمائة تكبيرة، وقد كان من عادته أن يكبر في القتال، فسُئل عن ذلك، فقال: (كنت إذا حملت على الفارس أيقنت أني قاتله، فكنت أنا ونفسه عليه).إنهم واثقون في نصر الله، وأول النصر على الأعداء يبدأ من القلب الذي امتلأ عزةً ويقينًا وإيمانًا وثقةً، كما أن أول الهزيمة تبدأ من القلب الذي امتلأ بالضعف والذلة والمهانة والشك.
إن حماس قليلة العدد متواضعة الإمكانات، تواجه ظروفًا بالغة القسوة بسبب الحصار الإجرامي الظالم، ولكنهم فئة مؤمنة واثقة بنصر الله، فسوف ينصرهم الله كما نصر أجدادنا العظام المعتزين بأنفسهم وعقيدتهم، الواثقين بنصر ربهم، والذين استطاعوا أن ينشروا الإسلام بهذه الثقة وذلك اليقين في أقل من مائة سنة، من جزيرة العرب إلى المحيط الأطلسي إلى أعماق الصين.
"ماذا قدمت حماس للعسكرية الإسلامية؟"، هذه الكلمات المتواضعة أهديها لكل من خذل قضية أمته الأولى، ولكل من تخلى عن شعب فلسطين المضطهد المعذب المحروم، ولكل من هان عليه الأقصى وهو أسير في أيدي اليهود، ولكل من يتفرج على شعبنا في غزة وهو يُذبح ويُباد وتُستباح حرمته على أيدي المجرمين الصهاينة؛ ثم لا يتحرك ولا يتكلم ولا ينصر ويدعم إخوانه، ولكل من ينظر إلى الأرض وهي تحترق تحت أقدام إخواننا وأهلينا؛ ثم لا ينكر قلبه ولا يبدي تعاطفه ودعمه.
أهديها لحكامنا العرب وقادتنا وساستنا، وأسألهم: كيف لو انتصرت "إسرائيل" على حماس في غزة ـ لا قدر الله ـ كيف سترفع أمتنا رأسها؟ماذا سنقول لأبنائنا وكيف نجيبهم عندما يسألوننا عن شعبنا في غزة: "ماذا قدمتم له لحمايته والدفاع عنه في وجه الهجوم الصهيوني الوحشي"؟
يا حكامنا ويا قادتنا، هذا ما قدمته حماس التي نشوه اليوم صورتها ونلصق بها التهم، فماذا قدمنا نحن؟ .
-------------
بقلم : هشام عبد الله

ليست هناك تعليقات: