الاثنين، 19 يناير 2009

رحمك الله شيخي نزار ريان


أول لقاء بشيخنا في منزل الدكتور سعود مختار بمدينة جدة فالشيخ نزل في ضيافة الدكتور وكان في ذلك اليوم ندوة عن واقع الأمة بها جمع الملقين تكلم الجميع ولم يشكل الأمر فرقا لكن عندما تكلم الشيخ كان هناك فرق ، تسمع كلمات العز و الإباء والصمود تصدر من رجل يعرف معانيها و ليس مجرد شخص يحفظها أو قرأها في كتاب ثم عاد وألقاها من جديد على طلابه .... لا الشيخ رجل مختلف لبس لامة الحرب وحمل السلاح ورابط على تخوم غزة وهو صاحب فكرة الدروع البشرية لحماية منازل القساميين التي يستهدفها الاحتلال بالقصف، واستشهد ابنه إبراهيم في عملية نوعية ، وابنه بلال شلت قدمه في قصف استهدفه في سيارة.


شيخنا من أوائل الذين نشئوا مع الشيخ ياسين في المجمع الإسلامي قال لي ذات مرة كان الشيخ يأخذنا ويطوف بنا في مساجد غزة لنلقي الكلمات على الناس ،، كنا نضع الرسائل والكتب التي حددها لنا الشيخ ياسين في شراب الكندرة لتعميتها عن اليهود ،، اعتقلنا معه مرات ومرات.


ذهبت به ذات يوم من الطائف إلى الرياض من اجل لقاء العلماء والدعاة ، كان بصحبته والدته رأيت من معاني البر وخدمة والدته معه في الطريق الكثير ، كانت معه ابنته الصغيرة عائشة كان يلاعبها ويلاطفها ويقول هذه أمي ، يمازح رفيقه معنا في السيارة الدكتور عطا الله أبو السبح، كل هذا أزال عني كثير من التخيلات بأني سألقى رجلاً صلباً جامداً كما هو حال غالب رجال غزة ، وفُتحت لي معه الكثير من الأبواب.


حدثني الشيخ عن المرحلة الجامعية التي قضاها في الرياض بجامعة الإمام وطلب أن يلتقي بشيخه(كما قال )العلامة عبد الرحمن البراك ، وطلب لقاء أستاذه الشيخ الدكتور خالد العجيمي ، طلب أيضا اللقاء بالشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف زميله في مرحلة الدراسة ، طلب أن يلتقي برجل استضافهم في داره في بداية قدومهم للدراسة ، كان شيخنا رجلا وفياً يصل أشياخه وإخوانه ويحفظ المعروف لأهله.


كان هدف الرحلة لقاء العلماء والنخب فقط ، طلب مني احد الإخوة مرارا وتكرارا أن يلتقوا بالشيخ وكنت أحاول أن اعتذر له، في احد اتصالات الأخ سمع الشيخ ما دار في المكالمة وقال إن كان في وقتنا متسع ذهبنا إليهم كان اليوم مليء من الصباح إلى المساء و لا يوجد وقت إلا بعد العشاء بمدة وبعد جدول بهذا الشكل يعرف من له عناية مدى الإرهاق والتعب الذي يلحق بالشخص لذا توقعت من الشيخ أن يعتذر خصوصا أن اللقاء مع مجموعة شباب ولكن كانت المفاجأة لي عندما قال لي الشيخ :: يا بني نحن لدينا قضية نخدم فيها الإسلام لا نخدم فيها أنفسنا نذهب إليهم وكان ما أراد الشيخ.


همة وعزم لا تجده عند كثير من الدعاة والفضلاء من رجل جاوز 50سنة.


شاهدت الكثير من تواضع الشيخ وتفانيه في خدمة الناس ، كنا في الدائري الجنوبي بمدينة الرياض سقط من سيارة تسير أمامنا براد كبير وتعطلت مسيرة الطريق المزدحم أصلا والناس تمر من جانبه و لا يتوقف احد لرفعه هنا أمرني الشيخ بالتوقف ونزل بنفسه ولحقته وقمنا بإزاحة البراد عن الطريق ، البلد ليست بلده والطريق أصبح سالكا بتجاوزنا له ولديه موعد مهم وهناك أشخاص في وسعهم حمله عن الطريق، كل هذه القرائن تحمل على ترك البراد في الطريق ولكن الشيخ مجاهد أشرب قلبه التذلل للمؤمنين والسعي في مصالحهم.


كان كثيرا ما يتصل ويسأل عن أشخاص طالهم الأذى ويسأل عن أهلهم وعن حالهم كنت أقف و أتسأل بعد كل اتصال له أليس هو الذي يعيش في حصار وضائقة أليس هو أولى بالسؤال عن حاله ثم لديه ما يشغله في غزة عن غيره الكثير الكثير، ولكنه الوفاء والأخوة في الله.


شيخنا أنهى شرح مقدمة صحيح مسلم وكان بعض إخوانه يسعون له في طباعة الكتاب وأثناء سعينا معهم في خدمته أكد شيخنا انه لا يريد مالا مقابلا لطباعة الكتاب لأن الهدف خدمة العلم وأهله لا التكسب ... كما هو حال كثير من المؤلفين في هذه الأيام.


كان كثيرا ما يتحدث شيخنا عن الشهادة والشهداء وإحدى رسائله العلمية فيهم ومسجده خرج منه أكثر من 70شهيدا ،،، في العدوان الأخير على غزة عرضوا عليه تأمينه كما يحصل مع كل القادة ولكنه رفض وأصر على مواجهة العدوان مع الناس وكان أمر الله قدراً مفعولاً.


رحمك الله يا شيخي كنت عالما ومجاهدا ومصلحا ومربيا
رحمك الله يا شيخي سبقت أفعالك أقوالك


رحمك الله يا شيخي سأبقى محبا لك داعيا لك ولن أنساك ما حييت، سأخبر أبنائي عنك وأربيهم على كلماتك ، علمتنا الكثير حيا وبموتك تعلمنا منك أكثر، سأظل أذكر مواقفك وكلماتك الدافئة ودروسك ، كثير هم الذين ماتوا ومات معهم ذكرهم وأثرهم لكنك يا شيخنا ستبقى في النفوس وأثارك ستبقى على تلاميذك وفي كتاباتك ، ارحل فأنت الحي ونحن الأموات نحن المأسوف علينا وأنت لك الهنا والسعد بإذن الله لك.


رحمك الله يا شيخي ما الدنيا بعدكم إلا ذل وهوان وخذلان معكم كنا نشعر بشيء من كرامتنا وعزتنا


رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي … رحمك الله يا شيخي


-----------

بقلم: أحمد عبد العزيز القايدي ، نقلا عن موقع المركز الفلسطيني للإعلام

ليست هناك تعليقات: