الاثنين، 9 فبراير 2009

إنَّ مِنَ الحماس لَسِحرًا!.. صيام من باب الرَّيان





حركةٌ يُغتال قادتها كلِّ بضعة أشهر مرَّةً أو مرتين, ويؤسر أبطالها منذ فجر انطلاقتها, وتُحاصَر وتُحارَب بيد أعدائها وأعوانهم, وتُهاجم وتُرمى بقيح الكلام من أقبح النفوس، وبرغم كل ذلك وأكثر فإنها لا تتأثر وتظلُّ شامخةً؛ رأسها يعلو فوق السحاب، وجذورها تضرب في قلب الأرض, ولا يُضيرها ما ينسج حولها من مكائد وما يُرمى به جدارها المنيع من قذائف.

استشهد "عيَّاشها" فعيَّشت المغتصبين في نار عملياتها الاستشهادية, واغتيل مؤسِّسها فأسَّست حكومة للشعب الفلسطيني، وتربَّعت على سُدَّتها, وحوصرت غزَّتُها فأخرجت الشعوب من الدول العربية والإسلامية والغربية (كفنزويلا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وتركيا واليونان وبلجيكا وبوليفيا والنرويج، والقائمة تطول) لتحمل تلك الجموعُ راياتٍ خضراءَ وأعلامًا فلسطينية, وتهتف بصوت هادر: "كلنا غزة".

في مظاهر استشهاد القادة والحرب والحصار, سطع نجم حماس وعلا صيتها، برغم أنها الحلقة الأضعف؛ فما الذي سيجري اليوم بعد أن أصدرت هذه الحركة المباركة بيان الانتصار؟!

لا ينفع المالُ الأنامَ ولا الغنى ما لم يكن تاج الأنام حماس
ولا يكون التاج في الحربِ إلا مِشعلاً مُسرَّجًا تمُدّه الدماء بالثبات وتزيده المقاومة إصرارًا على المواقف, ولا يكون المشعل إلا في القمة ليشمل في حدود نوره كلّ محب وصديق، وليهتديَ به كل ضالٍّ للطريق، ولا تكون القمة إلا لحماس ومن دعم صمودها وبارك جهادها.


"الكيان الصهيوني أصبح اليوم عاجزًا عن النصر".. هذا ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في قمة الدوحة, والتي مثَّل فيها الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع العزَّة, وعن يمينه الجهاد الإسلامي، وعن شماله الجبهة الشعبية القيادة العامة, في صورةٍ تُعجِب الأطهار وتغيظ الأعداء والفُجَّار؛ توحدت فيها قوى المقاومة خلف نبراسها ومشعلها.

وفي اللحظة التي حاصر فيها العدو الصهيوني حركة حماس, وأراد أن يُطيح بحكمها في غزة, خرجت له في قمَّة يُنصت لها الملوك وتُصفِّق لها الشعوب؛ لتتحدث باسم المقاومة وتهاجم الكيان المسخ وتتوعّده بهزيمةٍ سرعان ما تحقَّقت باندحار الجيش الصهيوني وهو يجرُّ أذيال الخيبة وأشلاء الضحايا.



صيام من باب الرَّيان



رحل في هذه الحرب إلى الجنان قادةٌ ورموز حمساوية لا مثيل لها في العالم أجمع, وسطَّرت تلك الرموز بدمائها وأشلاء أهلها طريق العزَّة ورسمت خارطة النصر، فزادت دماء الريّان من ثبات حماس وصلابتها, وأشعلت حروق صيام نار الثأر في قلب المقاومة؛ وما لملمة الكيان الصهيوني لأوراق الحرب وتراجعه عنها بحجج واهية, بعد اغتيال المجاهد سعيد صيام, إلا خير دليلٍ على خوفهم من ردة الفعل القسَّامية.

لم يشترك نزار الريان وسعيد صيام في الاسم الذي جمع بين الصيام و جزاء أهله فحسب, بل تشابهوا أيضًا في أن استشهادهم؛ جاء في يومٍ سُنَّ فيه الصيام، فحملت شهادتهم الزَّكية رسالة نديَّة بهيَّة توضِّح للجميع التحام حماس مع شعبها وتقاسمها الهموم معه ودفاعها عنه, واختلاط دماء رموزها مع دماء أطفاله، وبيَّنت هذه الشهادة كيف أنَّ الله مع هذه الحركة حتى في تنسيق أيام الاتخاذ والاصطفاء!.

"إما النصر وإما الشهادة"، كانت الشهادة في يوم الخميس للقادة, ونُقل بيان النصر الأول في ليلة الخميس 21/1/2009م عبر (القدس) إلى أبناء حركة حماس في العالم.




بالهنا يا هنيَّة





لم يُسبَق للتاريخ الحديث أن شهد رئيسًا للوزراء يجهر بصوته المغوار قائلاً: "إننا نُقبِّل رءوسكم وأيديكم والأرض من تحت نعالكم أيها الرجال الأحرار الأبطال"، ولا أحرار ولا أبطال بعد اليوم إلا في غزَّة، ولم يشهد التاريخ الحديث قائدًا يحمل همَّ شعبه كما حمل ابن حماس همَّ الإسلام, ولم يشهد العالم رئيسًا منتخبًا لا يُعارضه عاقل إلا رئيس وزراء حكومة المقاومة الفلسطينية.

"ستنتصر غزَّة".. هذا ما قاله القائد إسماعيل هنيَّة في يوم 12/1/2009م, يوم رفع أكفَّ الضراعة يدعو لشعبه المظلوم, وتُردد الأمة من خلفه "آمين".

وفي يوم 18-1 كانت استجابة دعاء المظلوم والإمام العادل حاضرةً في خطاب أبي العبد: "نحن في لحظة تاريخية وانتصار تاريخي.. إن هذا الانتصار يفتح الباب واسعًا أمام حتمية النصر الأكبر"، عينه على الأقصى ودعاؤه للأسرى وقلبه مع اللاجئين؛ فمن اللحظةِ الأولى لهزيمة الصهاينة ربط الانتصار بانتصارٍ قادم يعيد كامل الحقوق المسلوبة؛ فهو لا ينسي أنَّه قد صرَّح ذات يوم بما في قلبه وفكره, وردد بصوته الجهور ثلاثًا: "لن نعترف بإسرائيل"!.



القسَّام.. جيشٌ لا يُقهر



هل يشرب القسَّامي ويأكل؟! وهل يشعر بالنعاس؟! وكيف يقتل الصهاينة دون أن يتأثر؟!
أسئلةٌ يطرحها الصغار ويحار في أجوبتها الكبار؛ فما الذي سنقوله عن ذاك القسامي الذي يواصل الليل بالنهار وهو يُقارع مدفعيةً من دبابةٍ أو طائرةٍ أو زورق, ويتمكَّن برغم شدَّة المواجهة من صهر الرصاص المسكوب, وتوسيع بقعة الزيت اللاهب!، وكيف لنا أن نشرح أن جنديًا أعزل إلا من قليل السلاح, يجندلُ جيشًا مُعزَّزًا بأطنان القنابل ومُحمَّلاً بكل المُعدَّات القتالية المتطورة؟! وكيف نستوعب أن قطاعًا مُحاصَرًا من الجو والبر والبحر؛ يجبر الأعداء على الهرولة لعقد اتفاقياتٍ تمنع من تسلُّحه وإمداده ببعض الذخائر؟! (مع علم الصهاينة المُسبق بأن شيئًا لن يمنع "الأشباح" من تحقيق مُرادهم, وأنهم إذا ما أرادوا إدخال السلاح فلن يحول بينهم وبين ذلك حائل أو مانع).

حربٌ معلنة لاجتثاث كتائب القسَّام من قطاع العزَّة؛ تقابلها الكتائب بإعلان تخطيطها وعملها على أسرِ جنودٍ صهاينة, وهو ما طبَّقته فعليًّا في أرض المعركة, يوم استدرجت جنودًا مُدجَّجين بالسلاح وأوقعتهم أسراها قبل أن تقصفهم الطائرات الصهيونية التي فتَّتت الجنود بنيرانها الصديقة!.

عظمة كتائب العز لم تقف عند حدِّ الدفاع عن غزَّة والاستبسال على أعتابها, وردِّ العدوان وإركاع العدو، بل إنها تخطّت هذا إلى مرحلة صيدِ الجنود؛ لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال.



أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا؟!


هذا قول الذين كفروا يوم كانوا يتمتعون بقوة وفخامة وهيبة, ولكنَّ ذعر قادة الصهاينة وقلقهم من إشاعات "إنترنتيَّة", ومناظر جنود النخبة وهي تهرب كالفئران الصغيرة خوفًا من طلقات قناصٍ قسَّامي, وصور حرق علم الكيان الصهيوني في مختلف دول العالم وإسقاط سمعته وهيبته في الوحل؛ أعدَّت إجابةَ على هذا الأسئلة، وبيَّنت أن الذين كنزوا القوة وادَّعوا الهيبة خسروها في أولِّ مواجهة, وأول الغيث قطرة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ (مريم: من الآية 75).
----------------
بقلم: أسامة الكباريتي

ليست هناك تعليقات: