الاثنين، 9 فبراير 2009

جمال منصور .. شهيد لن تنساه فلسطين



كان الشهيد الشيخ جمال منصور القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، من الرموز المرموقة في ساحة الجهاد الفلسطيني، وقد ساهم في تجذير الحركة وربطها بمجتمعها وبمحيطها الفلسطيني والعربي بل والدولي.
ولد في مخيم بلاطة القريب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 25 شباط (فبراير) 1960، ويوم استشهاده كان متزوجًا وأبًا لثلاثة أطفال، وقد استشهد هذا البطل عن عمر يناهز الأربعين .
ينتمي جمال منصور إلى قرية سلمة قضاء يافا، فهو من مواليد مخيم بلاطة، وكان يسكن مدينة نابلس، يعني جمع أطراف الحياة الفلسطينية جميعا من مخيم وقرية ومدينة.
كان والداه يحدثانه باستمرار عن يافا، حتى أصبحت جزء منن الذاكرة المتكررة التي نقلها إلى أطفاله، كما كان يقول. وعن دراسته وتخصصه العلمي فإن كان يحمل درجة البكالوريوس في المحاسبة وإدارة الأعمال.
برز كمتحدث باسم حركة "حماس" في الضفة الغربية، وشغل موقع الناطق الرسمي باسم وفد الحركة للحوار مع السلطة الفلسطينية عام 1994.
أُبعد جمال منصور إلى مرج الزهور عام 1992، مع زمرة المجاهدين الذين يقودون "حماس" والمقاومة الفلسطينية الآن، كما اعتقلته السلطة الفلسطينية مرات عدة منذ دخولها إلى مدينة نابلس.
كان جمال منصور مؤسسًا للكتل الطلابية في الجامعات، فكان يعتبر العمل النقابي الطلابي من أهم مراحل حياته، إذ إنه يعتبر الانطلاقة الأساسية والتوجه للعطاء وللتعامل السياسي ومعالجة القضايا العامة والتصدي لمشاكل المجتمع وهي مشاكل الشباب بالتحديد، وهي جزء مهم من هذا العمل إذا أصلح هذا القطاع في هذه المرحلة من عمر الشباب ومن عمر المجتمع، ولهذا كان من الطبيعي والمنطقي أن أصبح الشباب الإسلامي الذي اشترك في هذه التجربة هو الذي يقوم بدور قيادي في كل مستوي من مستويات الفصائل في إطار الحركة الإسلامية في الداخل والخارج.
من ثوابت جمال منصور الثقافية والفكرية أنه في العمل النقابي لا يتم نسخ تجربة وإنما يتم بناء تجربة وشخصية قادرة على أن تشق لنفسها طريقها بشكل مستقل قادرة على التفكير والإنجاز والإبداع.
كان جمال منصور يرى أنه إذا ظن أحد أن المواجهة مع الاحتلال هي مواجه فقط مع هذا المشرع في شقه السياسي يكون قد خسر المعركة منذ بدايتها، فمعركتنا حضارية ثقافية اجتماعية، هي معركة إنسانية ومعركة رؤية ومشروع، فإذا غاب عنا هذا التصور نكون قد خسرنا من البداية معظم أوراقنا قبل أن ندخل المجابهة، ولذلك كان الإنسان الفلسطيني يستهدف في كل المواجهات على المستوى النفسي وعلى المستوى الاجتماعي، ولهذا قال المسئول عن إدارة السجون الصهيونية في السبعينات: مهمتنا في السجن خمس سنوات أن يخرج الإنسان عالة على المجتمع، وقد كان هذا تحديا للمجتمع الفلسطيني وللشباب الفلسطيني فأصبح من يخرج من السجن ويقضي خمس سنوات يشكل حالة متقدمة من الوعي الفلسطيني التي تحمل من هو عالة في خارج المجتمع العادي، أصبحت السجون الصهيونية مدارس بناء كيانات جديدة، بناء مستويات متقدمة، أصبحت السجون جامعات.
أول مرة اعتقل فيها جمال منصور كانت وعمره 19 عاما، وكان مجموع مرات استضافته في السجون الإسرائيلية ما مجموعه 16 مرة، في معظمها كانت تحقيق اعتقال إداري تخللها الإبعاد إلى مرج الزهور كقضية اعتقال ثم إبعاد وثلاث سنوات قضاها في سجون السلطة. وكان جمال منصور يرى أن فترة السجن إما أن تكون استهلاك للإنسان وقضاء على إنسانيته وفترة انتظار، أو تكون فترة بناء انتظار للدور القادم، ولذلك كانت مهمته الأساسية في السجن في الفترة الأولي هي بناء علاقة وطنية مشتركة مع قوى كانت ترى في مرحلة من المراحل أن الحركة الإسلامية ليست جزءً من النسيج الوطني في البلد.
كان جمال منصور يحمد الله أنه رغم ظروف الاحتلال استطاع أن يبني بيتًا وعائلة، ويقول: رغم كل الظروف كنت انتزع الأطفال من بين ظروف الاعتقال، وقد تحديت مرة أحد المحققين الصهاينة وقلت له إنكم في خارج السجن تعيشون حياة عادية، كم ولدا لك؟ قال ولدين، فقلت له الحمد لله من بين 14 مرة اعتقال قد انتزعت خمسة أطفال، أنا أعيش حياتي الطبيعية رغم كل شيء، ونتحدى الاحتلال ونتحدى الواقع الصعب لكي يكون المستقبل أجمل.
كان جمال منصور يؤمِن بفلسفة ثابتة شكّلت عموداً فقرياً للتصوّر السياسي الذي عمِل من خلاله؛ ذلك أنّه يعتبر نفسه حيثما وجد صاحب قضية ينبغي أن يعمل من أجلها بحسب الظرف المتاح ولا مجال للاستنكاف أو التعذّر بالعوائق مهما كانت طبائعها؛ فإن كان في حافلة فإنّ رسالة تستوعبها المسافة الزمنية المخصّصة للسفر ستفرِض نوعية العمل السياسي المطلوب من خلال برنامجه الدعوي الشامل، وكذا في المتجر أو مكان العمل بما يسمح الظرف المتاح ضمن الحكمة الراشدة، ومن هنا فإنّ فترة الاعتقال شكّلت نمطية فريدة للأسلوب الدعوي؛ ففي السجن كانت مسألة العلاقة بين الفصائل الوطنية، وخصوصاً تلك التي كانت ترى في الحركة الإسلامية جسماً خارجاً عن نطاق النّسيج الوطني، ومن نحو آخر فإنّ رؤية الشباب الإسلامي لكلّ ما هو غير إسلامي رؤية تشوبها الشكوك والمخاوف.

ولعلّ من أهم الإنجازات الحكيمة التي نجح في إحرازها توقيع أول اتفاق –في السجون – بين الحركة الإسلامية و الفصائل الوطنية الأخرى بعد سنة واحدة من أول اعتقالٍ له في الانتفاضة الأولى؛ وقضى الاتفاق في حينه أن هناك أرضية واحدة للعمل السياسي على الساحة الفلسطينية؛ ذلك أنه لن يستطيع تنظيم من التنظيمات أن ينفرد بالساحة الفلسطينية دون غيره، وقد كان الشهيد أول الموقّعين على هذه الوثيقة الداعية إلى وحدة وطنية، بل وأضحى أبرز الفاعلين في تكريس مبادئها من خلال ترجمته العملية على الخصام الفكري و التسامح مع الذين سجنوه وآذوه لاحقاً من أبناء السلطة المحسوبين على تيارات وطنية معروفة.
كانت فلسفته العقلية في إطار الحوار والمناقشة والالتقاء المشترك تؤمِن بأنّ الإنسان الذي لا يملك حرية وإرادة ؛ فذلك عبدٌ حتى وإن كان في إطار تنظيم سياسي. وقد ساعد هذا التصوّر في بناء شخصية فريدة حظيت بقبول واسع لدى القيادة العريضة للحركة الإسلامية، ولدى الأوساط السياسية العاملة في الساحة الفلسطينية.
كان جمال منصور سياسياً لبقاً واجتماعياً موفّقاً ومفكراً ملهماً، إلاّ أنّ ذلك لم يصرفه عن مقارع الفرسان ومطاعن العظماء مع المجاهدين الأوفياء؛ فعلى الرغم من حساسية موقعه وظروف مسيرته إلاّ أنّ عالم الشهادة والشهداء ظلّ حلمه المنشود وغايته الموعودة وأمنيته المشتهاة.
كانت غبطة الاستشهاديين وحُب طريقهم، دَيدنَ حديثه ومجال تفكيره، يقول الشهيد: "علاقتي مع الاستشهاديين علاقة البعض من الكل؛ إذ كُنت أحسّ أن أمنياتي في الحياة الدنيا كهؤلاء الشباب؛ لعلّ نوعاً من الغبطة لا الحسد كان يشكّل جُزءاً من هذه العلاقة المتشابكة".
كان جمال منصور من أولئك القلائل الذين يدرسون المستقبل على ضوء التصوّرات الحكيمة الملهمة، غير عابئين بما يحمله الواقع السياسي من إفرازات سيئة وسلبية، بل قدرة إبداعية ملهمة فريدة على قراءة ما وراء الحدث ضمن معالم السنن والثوابت، ومن هنا فقد كان دائم التفاؤل بقرب النصر وزوال الغم.
اعتقد أنّ المستقبل القريب سيفتح آفاقاً رحبة للعمل الإسلامي؛ تصبح الحركة الإسلامية حينها مدعوّة لتحمّل العبء الأكبر من الهموم السياسية العالمية المنوطة بالعالمين العربي و الإسلامي؛ لأنها المرشّح الوحيد المؤهل لوراثة القيادية الجديدة للقضية الفلسطينية بعد سقوط المشروع السلمي و انهياره.
كان جمال منصور يدرِك أن ذهاب القادة لن يدع حداً لتمدّد الصوت الإسلامي وانتشاره؛ لأن اغتيال القادة سيبرز أناساً آخرين تأخذ الراية وتستكمل الدرب؛ فذهاب صلاح دروزة زرع في كلّ القلوب حسرة وجمرة، لكنه في الوقت نفسه رفع فوق رؤوسهم راية وفي داخلهم شعلة.
بنى الشهيد جمال منصور رؤيته على أن التوجّسات الإسلامية حول المشروع السلمي تنبع من تجارب كان لها ثقلها على الساحة الفلسطينية؛ ذلك أن الإسلاميين يرون أن إفرازات أوسلو وما تبعها من تفاهمات أمنية شكّلت فجوة حقيقية بين أنصار السلام المزعوم وأصحاب المشروع المقاوم، وأنّ هؤلاء الأخيرين لا يمكن لهم أن يثقوا بسجّانيهم ومتتبعي آثارهم لصالح العدو الغاصب. ذلك التوجّس قد يحتاج إلى شيء من التأمل للنظر فيما هو أبعد منه، لعلَلٍ تستحق الوقوف عليها، فمرحلة أوسلو قد ولّت إلى غير رجعة، ودفنت في أرضٍ لا خلاق لها؛ ومن هنا فإنّ حركة المدّ المقاوم ماضية بإذن الله، ولا مجال للعودة ثانية إلى مربعات الخداع المضلِّل.
الجديد عند الشهيد جمال منصور أنه كان يرى أصحاب المشروع السلميّ لا يمكن وصفهم بالخيانة (رغم وجود علامات استفهام على بعض منهم)، بل هم في نظره أصحاب مشروعٍ خاطئ، ولا شك بأنّ قطاعاً واسعاً منهم أدرك مواطن خطئه؛ وهؤلاء أخوة للإسلاميين ولا يصحّ أن يُجعًل منهم أعداء للحركة الإسلامية. لأن هؤلاء سيعودون لمربع الحركة الإسلامية عاجلاً أم آجلاً.

و هو يرى أن الحركة الإسلامية ليست كباقي الحركات؛ فهي الأم الحنون التي تحتضن أولادها حتى و إن ناصبوها العداء و المخاصمة؛ و من هنا فإن واجب الحركة الإسلامية أن تنتهج سياسة التوريط الإيجابي في العمل المقاوم، و تدفع بالتوجّهات الفكرية نحو مربع المقاومة و الجهاد. و من هنا فإنّ السعي الجاد لتقريب وجهات النظر وبناء الأسس الداعمة للوحدة الوطنية على أرضية المقاومة و طرد الاحتلال، جانب مهم من متطلبات الحركة العاقلة.
استشهد البطل جمال منصور وسط مدينة نابلس في 31/7/2001 ، بحادث استهداف صهيوني فريد يؤكد مدى خوفهم من أمثال هذا البطل.
-------------------
بقلم: أحمد وهدان

ليست هناك تعليقات: