الأحد، 15 فبراير 2009

التقي الخفي الدكتور إبراهيم المقادمة



سنة النشر:2008

دار النشر :مركز الإعلام العربي-القاهرة

عدد الصفحات :72


يعرض الكتاب لتجربة وحياة أحد الشخصيات القيادية البارزة في حركة حماس، فالدكتور إبراهيم المقادمة شغل مواقع مؤثرة داخل أروقة حماس، وتقلب في سلم المهمات بين الجوانب التربوية والتثقيفية، والأقسام الجهادية والعسكرية.
وقد جمع المقادمة بين عديد الصفات التي أهلته للعب دور بالغ التأثير داخل حركة حماس، ولم يكن دور المقادمة مكشوفًا إعلاميًا، وإن كان عطاؤه قد لمسه أبناء حماس، وأدرك أهميته الكيان الصهيوني، والذي لم يألو جهدًا من أجل النيل من هذه الشخصية المحورية.
في ختام رحلته العامرة بالعطاء نال د.المقادمة ما كان يحلم به، وارتفع شهيدًا مخلفًا الكثير من الآثار والأعمال التي ستظل محفورة في ذاكرة أبناء الشعب الفلسطيني.
أصل الشهيد المقادمة يرجع إلى بلدة بيت دارس داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، حيث ذاقت أسرته مرارة التشرد عندما هجرتها قوات الاحتلال من بلدتهم، حيث انتقلت الأسرة إلى مدينة غزة مستقرة في معسكر جباليا، إلا أن جرافات الاحتلال الإسرائيلي لاحقتهم، حيث هدمت منزل المقادمة عام 1970 إلى جانب عشرات من منازل الفلسطينيين، فانتقلت الأسرة بعد ذلك إلى مخيم البريج، وكان عمره في تلك الأثناء لا يتجاوز عشر سنوات.
عرف الشهيد المقادمة بشدة البأس، وقوة الشخصية التي ورثها عن والده المعروف بالشهامة وشدة المراس، حيث بدت عليه معالم الرجولة والذكاء الشديد من صغره.
ويعرض الكتاب لنبوغه الدراسي، حيث حصل على الترتيب الأول في مدرسته الثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بكلية طب الأسنان، وعاد إلى فلسطين ليتنقل بين مستشفياتها إلى أن فتح عيادة أسنان في معسكر جباليا، والتي أغلقها بعد ذلك لاستشعاره أنها تعيقه عن عمله الإسلامي، حيث انتمى الدكتور المقادمة إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1968م، ومارس نشاطًا دعويًا واسعًا.


صفاته ومناقبه


ويؤكد الكتاب على أن الدكتور إبراهيم المقادمة لم يكن مجرد شخصية عسكرية أو سياسية فحسب، وإنما كان له من العلم نصيب كبير، فكان في العقيدة عالمًا، وفي التفسير كان مجتهدًا، وفي الحديث له نظرات، ومع الفقه وقفات، كما كان شاعرًا ومفكرًا، وصاحب نظرية في التربية، رغم أنه حاصل على بكالوريوس في طب الأسنان.
•ومن أبرز صفات الدكتور المقادمة أنه عرف بالتواضع الجم، فيروي الذين عايشوه داخل السجن جانبًا من تواضعه حين كان يعد الطعام، ثم يوقظهم لتناوله، بالرغم من انشغاله في إعداد الدروس والمحاضرات والدورات، وعكوفه على الدراسة.
•وكان يتحلى الشهيد المقادمة بالصبر الجميل، وهو الذي اشتد بلاؤه في محبسه بالسجون الإسرائيلية، بفقدان ولده الأكبر أحمد عام 1990، فلم تفت هذه المحنة من عضده، فحين أُبلغ بالنبأ الحزين واقتُرح أن يفتحوا بيتًا للعزاء داخل السجن، طلب تأجيل ذلك لحين إتمام درسه اليومي الذي عادة ما يلقيه بعد صلاة المغرب.
•وزهد الشهيد المقادمة في الدنيا مدركًا أنها رحلة قصيرة، حيث دائمًا ما كان يتبرع في معتقله بملابسه الجديدة، ويقوم بتوزيعها على زملائه.
•وكان بارًا بأمه، حيث تعلق بها بالرغم من كبر السن، وكثرة الأبناء، إلا أنه كان يبثها مع كل كلمة التذكير بالنبع الذي شرب منه هذا التفاني، والحث الخفي على الصبر والصمود، وتعاضد الآمال بمستقبل مشرق.
•وكانت حماسة الجهاد من أبرز سمات الشهيد، فكان متحمسًا لمواصلة الجهاد، مهما بلغت العقبات، فكان يرى ضرورة أن يعيش السياسي بروح الاستشهادي، حتى يكون قويًا اجتماعيًا فاعلاً.


اعتقاله


ويكشف الكتاب عن الدور البارز الذي قام به الدكتور المقادمة في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، والذي على أثره اعتقل مع الشيخ أحمد ياسين، فقضى في السجن 8 أعوام ونصف، كان فيها للدكتور المقادمة دور بارز في السجون الصهيونية، في إطار التربية والتنظيم لحركة حماس، حيث تشهد له الحركة الأسيرة داخل السجون تأسيسه لـ "جامعة يوسف" داخل السجون، والتي كانت تمنح أبناء حماس شهادة علمية في تخصصات متعددة، تجمع بين العلوم الشرعية والدراسات السياسية والتاريخية والفلسطينية والأمنية.
وبعد خروجه من السجون الإسرائيلية عام 1992، ازداد صلابة وثباتًا على المبدأ، مجددًا نشاطه بصورة أكثر عنفوانًا، محرضًا الناس على الجهاد، حتى اعتقل في سجون السلطة الفلسطينية عام 1996بتهمة تأسيس الجهاز السري لحركة حماس في غزة، وتعرض لتعذيب شديد للغاية، وكان ذلك الوقت مسايرًا لرياح اتفاقية أوسلو في المنطقة، فعمد الدكتور الشهيد إلى توضيح مخاطر تلك المرحلة، وما ستجلبه تلك الاتفاقية على الشعب الفلسطيني من خراب ودمار، حيث ألف كتابًا تناول فيه الاتفاقية بالتحليل، مما أدى لاعتقاله إداريًا لمدة 6 أشهر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وكان الشهيد برغم ذلك يزداد حماسة لمواصلة الجهاد، فكان كثيرًا ما يردد: "لابد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد".


العطاء الفكري


ويصف الكاتب الدكتور المقادمة بأنه أحد مفكري جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس في فلسطين، حتى وصفه بأنه عالم، ولكن ظروف حياته الصعبة وقضبان السجن الطويل حالت دون طباعة الدراسات التي أعدها، والكتب التي ألفها، ومحاضراته التي كان يلقيها.
ويشير الكتاب إلى تاليف الدكتور المقادمة لعدة كتب بأسماء مستعارة لظروف السجن، ويعد كتابه "الصراع السكاني في فلسطين" من أشهر الكتب التي ألفها داخل سجن عسقلان عام 1990تحت اسم الدكتور محسن كريم.
واستعرض الكتاب بين جنبات صفحاته عدة مقالات للمفكر الشهيد الدكتور المقادمة، ومنها مقالة الحل الأمريكي الصهيوني أسوأ من الحرب، وأمريكا والوهم الكبير، ورسالة إلى علماء الإسلام، نعم من البحر إلى النهر، وحقائق من الجهاد، الضغط على المقاومة.
وكان شعر الدكتور المقادمة أحد نتاجه الفكري الثري، فعند التأمل في شعره يلمس المرء ثقافة أدبية، ورهافة حس، وإشارات إنسانية لها دلالاتها، وقد نشرت للدكتور المقادمة بعض القصائد في صحيفة (روزاليوسف) بالقاهرة، وعندما جاء أنيس منصور- الصحفي المصري- لزيارة غزة وزار الفصل الذي يدرس فيه إبراهيم المقادمة "الطفل النابغة"، وقف إبراهيم الصغير ليحاور الصحفي، وبعدما خرج من الفصل قال لمرافقيه: "لقد شعرت بنفسي صغيرًا أمام هذا الطفل!!".


الاستشهاد


ليلة استشهاد الشهيد المقادمة رأى رؤية حدث بها ابنه أبا بكر على مسمع من زوجته، حيث ناداه وقال له: "يا أبا بكر، إن رسول الله– صلى الله عليه وسلم- قد دعاني إلى مأدبة الغداء". ثم أوصاه بأمه وأهله، وكانت صبيحة الرؤيا، يوم السبت 5/1/1424هـ الموافق 8/3/2003، وفي تمام الساعة (8.10) ظهرت طائرتان من نوع أباتشي الصهيونية (أمريكية الصنع)، في سماء مدينة غزة، وحلقتا على علو منخفض، وأطلقتا ما لا يقل عن خمسة صواريخ باتجاه سيارة مدنية من نوع ميتسوبيشي بيضاء اللون كانت تسير في حي النصر شمال مدينة غزة، فأصابت ثلاثة صواريخ منها السيارة إصابة مباشرة، مما حول السيارة إلى كتلة من اللهب، جعلت كل من فيها أشلاء، واستشهد على إثرها ثلاثة شهداء، وكان رابعهم الشهيد الدكتور القائد إبراهيم المقادمة.
وخرجت مدينة غزة عن بكرة أبيها لتودع الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة والشهداء الثلاثة من أبناء حركة حماس، في مسيرة جماهيرية حاشدة شارك فيها أكثر من 200 ألف من أبناء فلسطين، يتقدمهم قيادات حماس بينهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والأستاذ إسماعيل هنية، وسط صيحات التهليل والتكبير، ودعوات الثأر والانتقام.

ليست هناك تعليقات: