الأربعاء، 11 فبراير 2009

الدبلوماسي الوقور الشهيد "إسماعيل أبو شنب "




قليلة هي الشخصيات التي استحوذت على رضا الشعب الفلسطيني بكل فئاته وشرائحه، فالتنافس السياسي والاحتقان التنظيمي كثيرًا ما يشكل حاجزًا نفسيًا يحول دون تقدير الرجال بعيدًا عن الأهواء، وإسماعيل أبو شنب "أبو حسن" من هذا الصنف النادر الذي استولى حبه، والقناعة بصدقه على عموم أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله.


كان أبوشنب توافقيًا إلى أقصى الحدود، وكان يغلب توحيد الكلمة على كل ما عداه، ولقد كانت مناسبة استشهاده هي الأخرى توافقية بامتياز، ففي ذلك الظرف كانت العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينة على وشك الانفجار في قطاع غزة، وجاء استشهاد أبوشنب لينزع فتيل الصراع.


ومن الكلمات التي يتذكرها الكثيرون في هذه المناسبة قول أحد قادة الفصائل الفلسطينية عن أبوشنب: إنه كان قائدًا وحدويًا في حياته وحتى في مماته.


الميلاد والنشأة:


ولد إسماعيل حسن محمد أبو شنب "أبو حسن" في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، في 28/3/1950، لعائلة طردت من قرية "الجية" قضاء المجدل داخل أراضي 1948، وسكن في ذلك المخيم حتى بلغ سن الرابعة عشرة، وبعد وفاة والده انتقل إلى مخيم الشاطئ قرب غزة، وترعرع وعاش في أزقته وشوارعه، ونشأ في أسرة متدينة مكونة من شقيق واحد وثلاث شقيقات، وكان والده يحفظ القرآن كاملاً، وشجعه على حفظ القرآن متمًا حفظ نصف القرآن في السادسة عشرة من عمره، وذلك إلى جانب ما أرسته والدته في نفسه من معانٍ رفيعة.


التعليـم


درس أبو شنب الثانوية العامة ثلاث مرات: الأولى في بيرزيت عام 1966، والثانية في غزة 1967، ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة الزقازيق في مصر، إلا أنها لم تُرض طموحه، فقرر إعادة الشهادة الثانوية للمرة الثالثة في مصر عام 1968، حيث التحق بكلية الهندسة جامعة المنصورة، وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1977، وبعد تخرجه عمل في بلدية غزة بقسم الهندسة، ثم عمل معيدًا لعدة سنوات في كلية الهندسة جامعة النجاح الفلسطينية في نابلس قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة في بعثة حصل خلالها على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة كلورادوا عام 1982، ثم عين قائمًا بأعمال رئيس قسم الهندسة المدنية عام 1983-1984، حتى أغلق الاحتلال جامعة النجاح، ثم عين محاضرًا في كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة، وعميدًا لكلية المجتمع والتعليم المستمر بالجامعة، ورئيسًا لكلية العلوم التطبيقية، وعمل حتى استشهاده مديرًا لمركز أبحاث المستقبل في غزة.


تكوين شخصيته الإسلامية


تأثر أبو شنب بالشيخ أحمد ياسين- مؤسس حركة حماس- منذ كان صغيرًا، فأصبح ملازمًا له، حيث كان يسكن في نفس مخيم الشاطئ الذي يقطن فيه الشيخ ياسين آنذاك، حيث كان يتسم الشيخ ياسين برغم إعاقته بأنه ذو تأثير واضح في الحياة الاجتماعية والثقافية للمخيم، وفي نهاية الستينيات تعرف على العمل الإسلامي من خلال الشيخ ياسين.


كما كان لعدد من الشخصيات الإسلامية أمثال الدكتور موسى أبو مرزوق- نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق- والشهيد فتحي الشقاقي- مؤسس حركة الجهاد الإسلامي- دور في تكوين شخصية أبي شنب الإسلامية، كما أتاحت له رحلة الدراسة في مصر الالتقاء بقادة الإخوان المسلمين مثل: الشهيد د. إبراهيم المقادمة- "القيادي في حماس"-وغيره من قادة الإخوان المسلمين، حيث تأثر بفكرهم الدعوي، وعندما عاد من الولايات المتحدة ظهرت شخصية الشهيد إسماعيل أبو شنب كقائد إسلامي في صفوف حركة حماس.


جهاده


ويقدم الكتاب للدور المميز الذي قام به "أبو شنب" خلال الانتفاضة، حيث كان له دور هام في قيادتها منذ الشرارة الأولى لإشعالها، حيث كلفه الشيخ أحمد ياسين منذ اليوم الأول لاندلاعها بمسئولية قطاع غزة في تفعيل أحداث الانتفاضة، وكان نائبًا للشيخ ياسين، حيث عمل منذ اليوم الأول في الانتفاضة على متابعة كل الأحداث التي تقوم بها حماس، وعمل على تقويتها من خلال العمل على تطوير أساليبها، وتنظيم الأجهزة المتعددة وترتيب حركتها.


وحين تم اعتقله الاحتلال في 30/5/1989 حتى الإفراج عنه في 2/4/1997، لم يتوقف أبو شنب عن العمل، فمنذ اللحظة الأول من اعتقاله انتقل لمرحلة جديدة من العمل الجهادي مهيئًا نفسه لتلك المرحلة، مدركًا صعوبة البداية، حيث أخضع لتحقيق قاس لمدة ثلاثة شهور من قبل المخابرات الصهيونية في سجن الرملة، وبعد هذه الفترة من التعذيب نقل إلى زنازين العزل لمدة 17 شهرًا لم ير خلالها النور، وبعد انقضاء فترة العزل عام 1990 أصبح ممثلاً للمعتقلين في الرملة، ثم انتقل إلى سجن عسقلان، حيث أمضى بعد ذلك باقي مدة محكوميته البالغة ثماني سنوات، وقاد خلال هذه الفترة الحركة الأسيرة بصورة رائعة، بشكل لم تشهد الحركة قائدًا مثيله، حيث خاض هو وإخوانه المعتقلون إضرابين كان لهما أثر بالغ على تحسين حياتهم داخل السجن، وذلك في عام 1992وعام 1995.


واضطلع أبو شنب بعد الإفراج عنه عام 1997 بدور مهم كقائد سياسي في حركة حماس، حيث كان يمثلها في الكثير من اللقاءات مع السلطة والفصائل الفلسطينية، وكان يعرف بآرائه المعتدلة في فترة شهدت فيها علاقة حماس مع السلطة الفلسطينية توترًا شديدًا؛ بسبب اعتقال عدد كبير من قيادات حماس في سجون السلطة الفلسطينية.


صفاته ومناقبه


كان المهندس يوصف بأنه صاحب فكر سياسي، وقدرة كبيرة على الإقناع، حتى إنه أضحى يعرف بأنه صاحب الشخصية المرنة المغناطيسية المحورية، كما أنه في ذات الوقت محاور لا يشق له غبار، خاصة مع وسائل الإعلام الدولية، وحتى الصهيونية، فضلاً عن كونه صاحب قيم وأخلاق ومبادئ في العلاقات الرسمية والإنسانية مع الآخرين، فكان لا يدخر جهدًا لمد جسور الثقة والتعاون والمحبة والاحترام بين الفرقاء، وكان دائمًا ما يغلب الحس العام على الحس الحزبي الخاص، فهو رجل الوحدة الفلسطينية الحقيقي، يمعن النظر والفكر في قراءة الواقع وتطوراته الوطنية والسياسية، ويجيد استخلاص العبر، ويتقن صياغة الدروس والجمل المفيدة، ولا يسمح للمزايدات والمغالاة بالتسرب بين السطور، فدائمًا ما حقن الدم الفلسطيني، ومنع الفتنة، وأوصد الأبواب أمام الاقتتال والصدام الداخلي.


أفكاره ومبادؤه


ويستعرض الكتاب موقف الشهيد أبي شنب من اتفاق أوسلو ونتائجه، حيث أورد كلمات للشهيد قال فيها: "هذا الاتفاق يحمل بذور فنائه، فلن يصمد أمام الاستحقاقات الحقيقية لتطلعات الشعب الفلسطيني، التي أوهم البعض من أبناء الشعب الفلسطيني نفسه في أنه سيحققها.. وعندما اصطدم الجميع في التفاوض على القضايا النهائية وجدوا أن الموقف الصهيوني بعيد تمامًا عما يقصده، أو يريده الفلسطينيون، وعندما فجر شعبنا الانتفاضة، فكانت هي الرد الفلسطيني العملي على التعنت الصهيوني في تطبيق الاتفاق".


كما يعرض الكتاب لوجهة نظر الشهيد أبي شنب في وجود السلطة الفلسطينية الناتج عن اتفاق أوسلو، بأن وجود السلطة لم يخدم القضية التحررية، بل جعل العالم العربي كله ينفض يده من القضية الفلسطينية، ويقول بأن هناك سلطة فلسطينية فتـتحمل مسئوليتها، كما أن وجود السلطة أعفى الاحتلال من مسئولياته جهة المدنيين الفلسطينيين، فأصبحت السلطة تحمل أعباء الوضع الفلسطيني الداخلي بكل إشكالياته، وتريح الاحتلال من هذه الاشكاليات، لذلك فإن السلطة رغم أنها نتاج أوسلو، إلا أنها لا تشكل إيجابية مطلقة من وجهة نظر البعض في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.


وحول الآثار والأبعاد التي خلفها اتفاق أوسلو، يقول أبو شنب: "اتفاق أوسلو أخّر القضية الفلسطينية عشر سنوات، وأوقف مد المقاومة المتصاعد، وساعد في انفضاض الأنظمة العربية عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية، وأيضًا عزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي بشكل أو بآخر، كما أن التفاوض الفلسطيني انخفض سقفه عن التطلعات الفلسطينية في عودة اللاجئين، وفي تحرير كامل التراب الفلسطيني، وتراجع إلى أن أصبح سقفًا مقصودًا به تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967م، كما تم إلغاء الميثاق الفلسطيني من أجل إقناع الشارع الصهيوني بعدول منظمة التحرير الفلسطينية عن الإرهاب، وهذه عيوب كبيرة وسلبيات وقعنا فيها خلال العشر سنوات الماضية تراجعت فيها قضيتنا الفلسطينية إلى هذا المستوى الذي وصلنا إليه".


الاستشهاد


قصفت المروحيات الصهيونية حوالي الساعة الواحد والربع من ظهر يوم الخميس 21/8/2003م سيارة الشهيد بخمسة صواريخ، أمام المقر الرئيسي لوكالة الغوث الدولية للاجئين في شارع محافظة غزة، في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، وقد خرج أكثر من 150 ألف فلسطيني من جميع طوائف الشعب الفلسطيني بعد ظهر يوم الجمعة 22/8/2003م لتشييع جثامين الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في القصف الصهيوني، وألقى ذوو الشهداء نظرة الوداع الدنيوي على جثامين بارود وأبي العمرين، ولم يتمكن ذوو القائد أبي شنب من وداعه بسبب احتراق وتشوه معالم جثته من شدة القصف، وكان في مقدمة مسيرة التشييع الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.

-------------

سنة النشر:2008
دار النشر :مركز الإعلام العربي
عدد الصفحات :64

-----------

نقلا عن موقع القدس أون لاين

ليست هناك تعليقات: